كاريكاتور التاريخ وتزوير المصالح

حازم صاغيّة

الاثنين 7 تموز 2008

 

قد يكون مفهوماً تماماً أن يجمع ميشال عون رهطاً من السياسيّين المسيحيّين ينشئ منهم تكتّلاً انتخابيّاً. فالمعركة الانتخابيّة وشيكة، ونتيجة التصويت المسيحيّ ستكون الحاسمة في رسم الملمح الوطنيّ العامّ برمّته وتفاصيله.

 

بيد أن ما شهدناه مؤخّراً يرقى إلى مداخلة في التاريخ أغلب الظنّ أنّها إلى الكاريكاتور أقرب. ذاك أن المشروع الجديد الذي أطلقه قائد الجيش السابق يقوم على دعامتين في النظر إلى العالم وإلى موقع لبنان من هذا العالم.

 

فأوّلاً، هناك، تبعاً للرؤية الجديدة، تمجيد للمقاومة يتعدّى كلّ ما سمعناه قبلاً خارج دائرة "حزب الله" والقوى الراعية والداعمة له في طهران أو دمشق.

وثانياً، هناك نبرة عداء لأميركا لا تماثلها إلاّ تلك التي تصدر عن أطراف كـ"الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين – القيادة العامّة".

 

فهل الموقفان هذان متجانسان مع الرؤية التقليديّة للمسيحيّين اللبنانيّين؟

الجواب لا قاطعة. فالمقاومة كانت، شأنها شأن الوصاية السوريّة والنظام الأمنيّ الذي استولدته، من علامات تهميشهم وإخراجهم من داخل متن الحياة السياسيّة، وكذلك الاجتماعيّة والثقافيّة، في لبنان. أما الولايات المتّحدة، بوصفها في هذه الحال قيادة الغرب، فما لا يمكن التفكير بالمسيحيّين ونهوضهم في الشرق، لا في لبنان وحده، من دون علاقة متينة بها تكمّل العلاقة المتينة المطلوبة مع العالم العربيّ والشرق الأوسط. وهي قاعدة ذهبيّة منذ الاستقلال، خبرها زعيم "التيّار الوطنيّ الحرّ" بنفسه، ولم يقتصد في التغنّي بها، قبيل إصدار القرار الدوليّ الرقم 1559 وبُعيده.

 

مع هذا، يجوز القول إن ما هو تقليديّ قابل للتغيير إذا ما بات يتضارب مع مصالح المعنيّين به، وهم، في هذه الحال، مسيحيّو لبنان. فنحن، في آخر المطاف، لسنا أسرى المعادلات التقليديّة، وهي، بدورها، ليست قدراً مرسوماً سلفاً.

بيد أن تمجيد المقاومة ومعاداة الولايات المتّحدة إذا ما كانا يدغدغان بعض الغرائز الشعبويّة الضيّقة، فإنهما يؤسّسان بلداً لا مكان فيه للمصالح، أعادت هذه الأخيرة على المسيحيّين أم على غيرهم.

 

فحصيلة الجمع بين ذاك التمجيد وتلك المعاداة نشر ثقافة عمادها العزلة عن الكون والاكتفاء بعلاقات مميّزة مع سوريّة وإيران، مصحوبة بواقع نضاليّ مفتوح على الصراعات، مانع للاستثمار، كابح للتقدّم وتطوير التعليم، مُعلٍ للّون الواحد، مفقر للتعدّد.

 

وغنيّ عن القول إن هذا وذاك بمثابة ضربة قاضية توجّه الى المستقبل تضاف الى الضربة الموجّهة للماضي والتقليد.

هكذا يغدو التنطّح للضرب في التاريخ والرؤى أقرب الى دعاية انتخابيّة تضلّل جمهورها المفترض وتبيعهم مصالح مزعومة تجافي مصالحهم الفعليّة، بعد أن تصادر كلّ ما درجوا عليه وتمعن في تزييفه.    

 

عن موقع لبنان الآن