جزارة... حزب الله!
 
أحمد الجارالله


 
نفذ انتحاريان تابعان لحركة »حماس« عملية تفجير في ديمونة فقتلا ولم يسقط في صفوف الاسرائيليين سوى امرأة صودف وجودها في مكان العملية, وفي المقابل توغلت اسرائيل في قطاع غزة وشن طيرانها سلسلة غارات ما ادى الى ايقاع خسائر كبيرة في الارواح والممتلكات, الامر الذي بات يدفع اي مراقب موضوعي الى التساؤل عن سر هذا التصميم من قبل حركات تتسمى بالمقاومة على استدراج اسرائيل لقتل المزيد من المواطنين الابرياء العزل, ولتدمير معظم البنى التحتية, علما ان الله تعالى طالب المسلمين بالاعداد للقتال اولا بما يستطيعون من قوة ورباط الخيل كما نهى الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين عن المبادأة بالقتال في حال اختلت الموازين مع الاعداء.

 

 لكن على ما يبدو, فإن الهدف عند اصحاب الشعارات المستنسخة, سواء في جنوب فلسطين أم في جنوب لبنان, ليس تحقيق نصر للمسلمين بل تسهيل نحرهم لمصلحة أجندات خارجية, ولإحراج دول عربية مثل مصر والسعودية, ولتوريط الشعوب في حروب وأزمات لا هدف لها سوى تسديد فواتير ملالي طهران ومافيات دمشق, والا فبماذا نفسر وقوف شيخ »حزب الله« حسن نصرالله ليعلن ما يشبه البيان رقم واحد عن ان لديه أصابع ورؤوسا وأشلاء لجنود اسرائيليين, وكأننا لا نطالع حركة للمقاومة وانما واجهة لجزارة تتحكم في أحياء ضاحية بيروت الجنوبية, فهل يجهل نصر الله وهو الخبير باليهود,

 

ان الميت في عرفهم لايعتبر متوفيا الا اذا حصل اهله على جزء من جسده, فكيف اذا كان الجسد كله لديهم ما عدا الرأس او الاصبع, أما الجثة اليهودية بالنسبة اليهم فليس مهماً اذا كانت كاملة او منقوصة, ولذلك اعلنت حكومة اسرائيل أنها لاتهتم بالاشلاء الموجودة عند »حزب الله«, لكن السؤال بنتيجة ذلك كله هو: ما الذي يتوخاه نصرالله من وراء اعلانه هذا, وما الذي يسعى إليه من وراء تهديده للدولة العبرية بحروب »تغير جغرافية المنطقة«?


 
المثل يقول قد تستطيع ان تضحك على بعض الناس بعض الوقت, لكنك لاتقدر ان تضحك على كل الناس كل الوقت, فالمسألة ليست تحرير فلسطين واسترداد القدس, وهذه الشعارات سبق وسمعناها كثيرا, بحدة وبصوت أعلى من صوت حسن نصرالله, حين كانت ميكروفونات ابو عمار وسائر الابوات تهيئ للرأي العام ان البواخر باتت جاهزة قبالة يافا لاعادة اليهود الى الشتات... ولم يتعلم ثوار العصر الجديد اي درس من تجارب الماضي, بل هم يكررون الاخطاء والخطايا كالببغاوات ويحشدون الناس وراءها كالقطعان غير مهتمين بالمصير الذي يمكن ان يصلوا إليه, فالعصبيات لا تأكل الا اصحابها ولايمكن لاحد ان ينتصر في الحروب المذهبية بل الكل خاسر والبادئ مدان ومنبوذ وسيدفع الثمن غاليا, ولذلك سميت هذه المغامرات الخطيرة بالمحرمات لأن اللعب فيها يماثل العهر, ومن يعبىء الناس على اسس عصبية وعنصرية سترتد بندقيته إليه وعندها يكون قد جنى على طائفة بأسرها, اذ لايمكن للمجتمع اللبناني الا ان يعيش متآلفا, فلا غالب ولا مغلوب, ولا قاهر ولا مقهور, ولا سيد ولا مسود, ولن تستطيع اي فئة ان تستغني عن سائر الفئات. أما ملالي طهران ومافيات دمشق فآخر همهم مصير الأدوات, وهم يعتبرون الناس مناديل ورق ما ان تستعمل حتى ترمى في سلال القمامة, وطالما ان رصيدهم بخير فلا ضير عندهم من اللعب بالفوائد

 

ومن هنا يصبح مطلوبا من الناس المضللين ان يقولوا لهؤلاء السياسيين وتجار الشعارات: كفى, وان يرفضوا ما يرمونه إليهم من لقيمات ومن دريهمات وما يسمعونه إياهم من عبارات ومواقف, فالعبرة في الخواتيم, وحرب لبنان أفرزت دروسا عمن يسير كالقطيع وراء عصبيات فارغة, ومن اول هذه الدروس ان الخاسر الاول والاكبر سيكون الوطن, وان المصيبة لن تحل سوى على رؤوس الناس الذين سيتعرضون لدفع ثمن جرائم اقترفها اصحاب المنابر والمسؤولون عن الاحزاب.

 

نعم, الناس وحدها ستدفع ثمن الفواتير التي قبضها تجار الشعارات ومضللو الشعوب ورعاة الستراتيجيات الخارجية ووكلاء اصحاب المصالح, هؤلاء الذين يعزفون على وتر الفتنة ويجرون ابناء طائفتهم الى عرين الاسد كي يوفروا له كل الفرص لممارسة النهش والتقطيع وتقسيم الوجبات حسب يومياته وظروفه...ثم يرمى بالجلود والعظام والامعاء لصغار الأكلة, من ضواري البر والجو.


 
يحكى ان الاسد سافر يوما وبرفقته ثوران, اسود وابيض, فتقرب الاسود من الاسد وأعانه على افتراس شقيقه الابيض... وبعد بضعة ايام, غرز الاسد أنيابه في جسد الثور الاسود الذي قال: أكلت يوم أًًًًُكل الثور الابيض... فهل سنصل الى يوم قريب, نسمع فيه شيخ حزب الله حسن نصرالله, بعمامته وجبته السوداء, يقف ومن ورائه أنصاره ليقول: أكلت يوم أُكل الثور الابيض?! ...

فمن لا يتعلم من اول الدروس والعبر, لن تنفعه الحكمة حين يصبح لقمة سائغة, ولاشيء غريبا او بعيدا عن الأسد ونمور الفلا.

 

عن جريدة السياسة 7/2/2008