عون غارق في مأزق قاتل وما من معين

بقلم/مهى عون

 

على ما يبدو الرجل هو عالق في رمال متحركة، والباب العالي التقليدي والمتكفل عاديا بمد يد العون له غائب عن السمع، بل وبتعبير أدق قد يكون "يسمع ويطنش". فالجنرال بات مكبل اليوم بالدور الذي زج نفسه فيه طوعاً وبالرغم من كل النصائح الأخوية التي أسديت له عند عودته من "المنفى الباريسي الفاخر".

 

وها هو اليوم عاجز عن خلع هذا الجلد الغريب الذي التصق به. وحتى ولو أراد ذلك فعلاً فهو بات بحكم الرهينة أو الخادم الأمين لهذا الدور. وما محاولته الأخيرة لتجميع حلفائه المسيحيين التقليديين تحت عنوان "اللقاء المسيحي الوطني"، سوى محاولة للالتفاف، ومسعى للهروب من هذه القبضة الصفوية الحديدية والتي باتت تمسك بخوانيقه، وإن بلطف ونعومة فائقة، سرياً على نمط التعامل الايراني مع الحلفاء.

 

"والحق يقال" إن التغطية الشعبية المسيحية التي قدمها عون لحزب الله، عبر ورقة التفاهم كانت مكلفة كثيراً بالنسبة له، ليس فقط لأنه لم يستفد منها بالقدر ذاته الذي غنمه الحزب، ولكن أيضاً لأنه بات يدرك اليوم بأنها سوف تخسره وجوده على الساحة المسيحية بشكل خاص، والساسية بشكل عام. وربما أيقن مدى تدنى وتراجع حظوظه عبر عملية حسابية بسيطة لاحتمالات نتائج الانتخابات المقبلة، الأمر الذي دفعه إلى المطالبة بالانتقال إلى البند الثالث في اتفاق الدوحة أي قانون الانتخابات، الذي طالب بالاسراع في إقراره، مركتزاً على فرضية أنه يشكل خشبية الخلاص الوحيدة المتبقية.

 

في الحقيقة يمكن القول أنه أصبح كالقط المحشور في الزاوية يتحرك عشوائياً، مطلقاً العنان لتصاريح هجومية، وطارحاً اقتراحات متهورة، لا يلبث أن يتراجع عن جزء كبير منها، كي لا يخسر ما تبقى له من أصحاب ومؤيدين على الساحة السياسية.

 

في كل الاحوال إن ورقة الاتفاق الميمونة، والذي يتمسك بها حزب الله اليوم أكثر من أي وقت سابق، أصبحت بالنسبة للنظام السوري بحكم الفاقدة للصلاحية، بسبب كل المتغيرات الدراماتيكية التي قلبت السياسة السورية على الصعيدين الاقليمي والدولي رأساً على عقب. فالتغطية والدعم السوريين لحزب الله ولكل حلفائه وأولهم عون والتي بدأت بانتكاسة مفصلية، بسبب تدهور العلاقات فيما بين الحزب وسوريا بعد اغتيال المسؤول العسكري في حزب الله عماد مغنية، باتت على قاب قوسين أو أدنى من القطيعة. وهو موقف بات مطلوب من سوريا اسرائيلياً وأميركياً وأوروبياً قبل المضي قدماً في محادثات السلام، وقبل عودة سوريا إلى الحضنين العربي والدولي.

 

وكمقدمة لهذه القطيعة وفي سياق تبليغ الرسائل لمن يهمهم الأمر، تندرج تصريحات من قبل حلفاء سوريا التقليديين في لبنان مثل الرئيس بري، ورئيسي الوزراء السابقين عمر كرامي ونجيب ميقاتي، الذين لم يوفروا عون في انتقاداتهم الاخيرة لمشاريعه الهميونية بالنسبة لتعديل صلاحيات الرئاسة الثالثة. وكما يقول المثل الشعبي: "نقول للكنة حتى تسمع الجارة" يوجه الكلام لعون حتى تسمع مراجعه العليا.

 

وعندما يقول الرئيس بري:"لا يعتقدن أحد أن المجال الآن هو لاضعاف العماد عون أو غيره"، أو "هناك من يعتبر أن انتخاب الرئيس سليمان مجرد محطة من المحطات، وليس منعطفاً جديداً لنقل لبنان إلى مستوى آخر"على اللبيب أن يفهم من مضمون الكلام وليس من ظاهره.

 

أن المنعطف الدراماتيكي في السياسة السورية أربك من دون شك حزب الله ولكن عون هو الذي يدفع الثمن "كاش"، كونه المدفوع إلى مقدمة ساحة المعارضة.

 

أما الفارق بين عون والحزب هو أن عون يمتلك "اللسان" والحزب يمتلك السلاح. ولسان عون لن يساعده في إعادة تموضعه على الساحة السياسية، مهما على وزمجر، في وقت مكن السلاح الحزب  من فرض إعادة تموضعه غداة البرودة التي أصابت علاقته مع سوريا.

 

يبقى أن الخطورة الكبرى تكمن في تحول عون من منفذ للارادة السورية-الايرانية المشتركة، إلى منفذ حصري للارادة الايرانية. وعلى محازبيه أن يعوا ويدركوا مدى هذه الخطورة نسبة لتحول إيران لدولة مارقة بالنسبة للمجتمع الدولي. فإيران هي مهددة كل يوم وكل ساعة بضربة عسكرية، والله وحده يعرف مدى خطورة تداعيات هكذا ضربة على المنطقة بأكملها، وعلى حلفاء إيران على امتداد العالم العربي . فإلى أي مغطس حار جديد تراه آخذ عون ما تبقى له من "مسيحيين"؟

 

ونقول "ما تبقى" لأن الاندفاع العاطفي الغرائزي له حدود. والتجييش المسيحي الذي يركز عليه عون والناطقين باسمه وإعلامه من بعده لا بد له أن يفشل عندما تدق ساعة الخطر، ويعود المنجرون بالخطاب العوني الهادر إلى وعيهم وإلى رشدهم عند سماعهم قول من نوع : "لقد حررنا جبيل وحررنا جزين، وحررنا الرميل وحررنا زغرتا وحررنا وحررنا...." فيسألوا أنفسهم يا ترى هل كانت كل هذه المناطق تحت الاحتلال الاسرائيلي؟ أم يا ترى هو يتكلم عن تحرير الوطن من العدو السني المحتل؟

 

إن معركة "السنية السياسية" والتي زج عون نفسه فيها هي في الواقع معركة "الشيعة السياسية"، وليست معركته. وزج المسيحيين فيها هو من باب التهور أن لم يكن من باب شىء آخر نترك للايام مهمة إظهارأهدافه الحقيقية. وقد لا يكون أقلها إدخال المسيحيين في حروب أهلية لا ناقة لهم فيها ولا جمل، حيث تصبح كل "الدونكيشوتيات" من غير فائدة في نشلهم من تداعياتها الكارثية. بل تتحول فائدتها الوحيدة للفئة التي سوف تستفيد من هجرة غالبية المسيحيين عن ديارهم إلى غير رجعة.

 

فهل هذا هو المخطط؟ وهل الغاية النهائية من دب المسيحيين في حروب مذهبية لا تعنيهم هي بهدف تهجيرهم كما حدث لاخوتهم في العراق، ولتمكين المخطط الاسرائيلي من عملية ترانسفير جديدة للفلسطينيين على حساب ترحيل مسيحيي لبنان؟

 

وما رد المدافعين الشرسين ظاهرياً، عن حقوق المسيحيين والفاضحين لمؤامرة توطين الفلسطينيين في لبنان أمثال الجنرال عون ومعاونيه، على احتمال اشتعال فتنة بين المسيحيين، تكون نتيجتها تهجير ما تبقى منهم في لبنان؟ (نذكر على سبيل المثال السعي لإيقاظ الفتنة المسيحية عبر طرح مسألة "المقابر الجماعية"، أو بواسطة برنامج تلفزيوني يعيد إلى الذاكرة مراحل مجزرة إهدن)؟

 

ما ردهم على اتهامنا لهم بنية إعادة إشعال التقاتل الأخوي المسيحي مع عودة طرح المشروع الصهيوني "للترانسفير الجديد" على بساط البحث في دوائر القرار العالمية، تزامناً مع بدء البحث لحلول نهائية لأزمة الشرق الاوسط ؟

 

بيروت في 21 حزيران 2008