ما لا يقال في الازمة اللبنانية.

بقلم/مهى عون

 

في مطلع كل عام جديد يذهب الكثيرون إلى مساءلة النجوم لمعرفة ما يخبئه لهم طالعهم الشخصي في السنة الجديدة. أما في لبنان فالامور الشخصية لم تعد تهم اللبنانيين بقدر ما يهمهم معرفة أمد الأزمة القائمة، ومواعيد انتهائها. وفيما تبدو هذه الأزمة وللكثيرين منهم، ومن النظرة الخارجية، وكأنها ناجمة عن فشل البرلمان في انتخاب رئيس جديد، إلا أن الاسباب الحقيقية الكامنة ورأها، هي في ما لا يقال عنها، وقد تتجاوز في الواقع اشكالية ملىء الفراغ الحاصل في سدة الرئاسة.

 

إن الاسباب الحقيقية للازمة الحالية، هي ناتجة من عمق الهوة القائمة فيما بين الأكثرية والمعارضة، وفي الطلاق المتفاقم بين مشروعين متناقضين للكيان اللبناني. والجدير بالذكر هو أن هذه الهوة باتت أوسع وأعمق من أن تستر بمجرد انتخاب رئيس جديد. فالنزاع لم يعد ينحصر في شكل الانتخابات، ولا في شخص الرئيس، ولكن في النوايا التخريبية المبيتة الكامنة وراء مبادرات التعطيل المستمرة. والحاصل هو غياب أي مؤشرات تؤكد أن هذه النوايا الغير صافية تجاه الكيان اللبناني، سوف تزول وتختفي بمجرد ملىء الفراغ الحاصل في سدة الرئاسة. فالعراقيل التي توضع اليوم بوجه وصول العماد سليمان إلى سدة الرئاسة، سوف تلاحق هذه الرئاسة في التعطيل والإفشال، إذا لم يشكل الرئيس العتيد نسخة طبق الاصل لسلفه إميل لحود. بل الأكيد والمنتظر أن تكون المطبات التي تنتظر العماد سليمان في حال انتخابه وعدم التزامه بصورة السلف، في طور "التنجير"، وقد تكون تداعياتها أكثر تدميراً واحباطاً من تلك التي تلازم حالة الفراغ القائمة.

 

وفيما يتساءل اللبنانيون حول دنو نهاية الأزمة القائمة عبر الانتخابات الرئاسية، تراهم قد وصلوا إلى حالة من القرف بسبب الاوضاع التي فرضت عليهم نتيجة استحكام الشلل بكل المؤسسات الدستورية، وعجزها المبين عن الخروج من الحلقة المفرغة التي تدور فيها. والخطر الحقيقي يكمن هنا، في هذا التسطيح، وهذا التلبيد للاحاسيس والانفعالات، وصولاً إلى حمل الشعب على اليأس والقنوط، وإلى تقبل الأمر الواقع على حاله، وإلى عدم الاعتراض على وأد ثورة الارز، وعلى اسقاط إنتفاضة الاستقلال.

 

والأمر الواقع هذا هو غني عن التوصيف، أما وقد استهلكته التحاليل الاعلامية من كل جوانبه من دون التوصل إلى فك تلاصيمه. وبانسداد الافق الغير مبشر بأية حلول ممكنة فيما بين فريقي 14 و8 أذآر، قد تطفو إلى الواجهة فرضيات حلول من نوع آخر لها علاقة بهذا الأمر الواقع بالذات.

 

ولا بد من الاشارة أيضاً إلى احتمال استمرار هذا الأمر الواقع، ما دام يناسب أفرقاء عدة، وذلك إلى أن يخلق الله أمراً كان مفعولاً...ولقد بات معروفاً  أن  بعضاً من هذه الأطراف المهتمة باستفحال الفراغ هي داخلية، وبعضها الآخر هو إقليمي ودولي. فحزب الله مثلاً لا يضيمه استمرار الفراغ، لأن الفراغ يشكل السبيل الوحيد المؤدي لقيام دويلته. فمن ناحية تشكل هذه الدويلة امتداداً للدولة الاسلامية في إيران، ومن ناحية أخرى تؤمن خدمة المصالح السورية في لبنان. وإيران يهمها استمرار الفراغ للاسباب ذاتها التي ذكرناها بالنسبة لحزب الله. أما سوريا فلقد درجت التحاليل إلى القول بأنها مهتمة باستمرار الفراغ حتي تبرر تدخلها في لبنان، ولكي تظهر للعالم عجز اللبنانيين عن حكم أنفسهم بأنفسهم. قد يكون هذا الطرح صحيحاً ولكنه لا يشكل المبرر الوحيد للتدخل السوري الحالي في لبنان، وقد يكون مجرد غطاء لاسباب أهم وأخطر، بعيدة عن حاجة سوريا اليوم للبنان كساحة أو كورقة للمقايضة.

 

إن في دأب هذه الاطراف الداخلية والخارجية على افتعال هذا الفراغ سوف يؤدي حكماً ليس إلى حرب أهلية كما يتخوف البعض، كون هذه الفرضية قد تمت ازالتها بموجب الاتفاق السعودي الايراني، بل إلى حالة من الاهتراء والمراوحة تكون نتيجتها شرخ نهائي في كيان الدولة، من دون تصعيد أمني أي "على البارد". ويكون من ناحية حكومة تمتلك كل الصلاحيات ويعترف بها العالم أجمع، ومن ناحية أخرى دولة حزب الله والتي لا تعترف بها سوى إيران وسوريا.

 

ولكن يبقى السؤال المهم وربما الأهم، وهو حول مصلحة الولايات المتحدة في هذا السيناريو المحتمل. وإذا كان جزء من الجواب يأتينا من عند وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس، والتي كشفت في أحدى تصريحاتها السابقة عن نية تحقيق حلم الشرق الاوسط الجديد. فالجزء الثاني من الجواب سوف تنجلي أطره من وراء الرضى الاميركي المتزايد يوماً بعد يوم على تصرفات سوريا في دول الجوار، وعلى ذوبان الجليد الذي بدأ يميز علاقة سوريا بالادارة الأميركية  في الآونة الأخيرة. وإذا كان دور سوريا الجديد هو تنفيذ تفتيت الكيان اللبناني عبر وسطائها في المعارضة اللبنانية، والتي تدك دون تردد، وكل يوم  كل مبادرات التقارب والالتحام بين اللبنانين، فرب سؤال عن رضى الضمير عند  المعارضة اللبنانية، وفي مقدمها، وواجهتها، وحامل سلتها العماد عون. وإذا كان حزب الله ُمشجِّع وراضي عن هذا التصدع الذي يخدم قيام دولته، فرب سؤال عن ما سوف يجنيه العماد عون، والمسيحيين عامة نتيجة هذا التفتيت. فهل يدري العماد عون إلى أي جورة هو جارر المسيحيين؟ فإن هو دري فتلك مصيبة وأن لم يكن يدري فتلك مصيبة أعظم.

 

3 كانون الثاني 2008