الديمقراطية لحل الأزمة النووية الإيرانية.

مهى عون

 

يعاني الشعب الايراني من ضغوطات متعددة المصادر منها داخلي بسبب ارهاصات النظام الشمولي وظلاميته، وأخرى خارجية بسبب التهديدات الصادرة عن الولايات المتحدة والتي تلوح كل يوم بشن حرب وشيكة على إيران. والشعب في حالة ترقب وخوف وقلق مستديم من احتمال تعرضه للسيناريو الكارثي الذي يستفحل بكيان الجار العراقي، موقعاً به القتل والتدمير والتفتيت من دون هوادة. هذا في وقت يتلطى الخطاب السياسي الإيراني الرسمي وراء مقولات تحمل الولايات المتحدة الأميركية تبعات كل التردي الحاصل في مستوى معيشة الشعب الايراني، عازياً ذلك إلى العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران من قبل المجتمع الدولي والولايات المتحدة الاميركية بالذات. وفيما يركز هذا الخطاب هجومه أيضاً على الولايات المتحدة في فشلها بإحلال الديمقراطية في العراق، ويندد بتحيزها للكيان الإسرائيلي على حساب حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، يؤكد بالتالي  بطلان صلاحيتها وشرعيتها بالتدخل بالملف النووي الايراني. وهو خطاب وإن كان من الناحية المنطقية متماسك وصائب إلى حد ما، إلا أنه لا يخلو من الديماغوجية إذ يمكن وصفه بكلام "الحق الذي يراد به باطل".

 

وفيما ينسى نظام الملالي أو يتناسى أن العقوبات المفروضة على إيران،هي صادرة عن أعلى سلطة حقوقية في العالم ألا وهي مجلس الأمن، تراه يغيب الاسباب المباشرة والحقيقية للتردي الاقتصادي المتفاقم، والناتج عن سؤ إدارة موارد الدولة، ولا سيما النفطية منها، وعن التضخم الحاصل نتيجة السياسة الاقتصادية الخاطئة، ناهيك عن الفساد المستشري في كافة مرافق الدولة، بسبب تجيرها بدورها للزبائنية الدينية في توزيع المراكز والمكاسب وأموال ومداخيل الشعب. أما بالنسبة للديمقراطية وفشل استتبابها في العراق فالخطاب السياسي للسلطة الايرانية القائمة يغيب موضوع التدخل الايراني المباشر والسلبي في الداخل العراقي، ولا يعطي أي تبرير له، ولا يقيّم تأثيره المباشر في اعاقة استتباب الأمن في العراق، حتى تتاح الفرصة لقيام أي نظام أياً كان شكله. فالتحريض المذهبي التي تعتمده وتمارسه انشطة الحرس الثوري الايراني في العراق عبر أحزابها ومنظمات أقل ما يقال فيها أنها تمارس الارهاب المنظم، حولت أرض العراق إلى مستنقع من الدم المسفوك كل يوم بأسم الدين وباسم المبادى والقيم والاخلاق الشريفة.

 

في الحقيقة إن استراتيجية نظام الملالي في إيران هي ساذجة بقدر ما هي بدائية، وقديمة من قدم الحربقات البشرية. إذ تنحصر بالمبداء البائد والقائل بأن الهدف يبرر الوسيلة. وعندما يكون الهدف الاستمرار في احتكار زمام السلطة، وصناعة القرار، لا يهم أن استعملت من أجل ذلك كل الطروحات الغوغائية المتوفرة . تبدأ بالتركيز على تغذية روح العداء والكراهية تجاه عدو مشترك، يكون بالمداورة تارة الرئيس بوش وتارة اسرائيل، من أجل خلق الحاجة للتكتل حول النظام القائم، ولا تنتهي باستعمال وسائل أخرى تعود إلى القرون الوسطى أو ما قبلها، ولا تخلو من نزعة الاستخفاف بعقول المواطنين، كما ورد عن لسان الرئيس في ادعائه بأن المهدي المنتظر هو المشرف الأول على سير الامور السياسية في البلاد بواسطة ممثليه في القيادة الايرانية الحكيمة.

 

في الشكل تسوق إيديولجية النظام التيوقراطي القائم شعار مناهضة العدو المشترك ومن ناحية أخرى تدعو للالتفاف حول القيم التي أعلنها آية الله الخميني كركائز للجمهورية الاسلامية ألا وهي العدالة والأخاء والتسامح والولاء أولاً وآخراً للولى الفقيه ممثل الله والمهدي المنتظر على الأرض. أما في الواقع فهي أيديولوجية تضرب بعرض الحائط كل القيم والتعاليم الدينية المسلمة،والدنيوية كشرعة حقوق الانسان، عن طريق غض الطرف أو عن طريق الممارسة المباشرة، لكل التجاوزات العنفية والاقصائية والظلامية، والتي تتخطى عادة تحت جناح الظلام، وبواسطة اليد العسكرية الحديدية المباشرة كل المحرمات.

 

إن الجمهورية الاسلامية تأتي اليوم في أسفل مندرجات سلم حقوق الانسان ولا تأبه لذلك، وهي ذاهبة في غيها في ظل استمرار المجتمع الدولي في التعامل معها بواسطة سياسة "العصا والجزرة" الفاشلة. وهي سياسة فاشلة كونها لم تنفع مع بلدان أخرى سعت سابقاً للحصول على الطاقة النووية، مثل كوريا الشمالية والهند والباكستان، وتوصلت في آخر المطاف لامتلاكها، واضعة المجتمع الدولي والمنظمة العالمية لمراقبة الحد من انتشار السلاح النووي، أمام أمر واقع لا مناص منه. فهل تدرك فتتدارك الديبلوماسية الغربية الناعمة وقبل فوات الأوان، بأنها ذاهبة بالاتجاه ذاته، وللمنزلق إياه مع إيران، وصولاً للتراجع أمام واقع حصول  نظام الملالي الاصولي المتشدد على السلاح النووي الفائق الخطورة، ليس فقط على شعبه بل وعلى كل الاقطار المجاورة له أيضاً؟

 

لا يعني هذا الكلام المناوىء لسياسة "العصا والجزرة"، تقديم فرضية الحل عبر الضربة العسكرية المباشرة كما هو وارد حتى الساعة في دوائر القرار الاميركي. بل هو دعوة لاحترام ودعم الرغبة الحقيقية للشعب الإيراني في سعيه لاقامة نظام ديمقراطي في بلاده، وفي مساندة الرأي العام الايراني المطالب بالحرية في كل أوجهها الحياتية والاعلامية والثقافية، وبالانعتاق من تسلط المذهبية الدينية وهيمنتها على القرار السياسي. والتوجه الصحيح في التعامل مع الملف النووي الايراني يكون بمراعاة مصالح أمن شعب إيران والبلدان المجاورة ، بعدم تعريضها لاخطار التلوث الشعاعي النووي نتيجة ضربات محتملة على المفاعلات النووية، حتى ولو أتت جراحية كما يقال. . هذا مع العلم أن أي ضربة عسكرية لن تشكل الحل النهائي لهذه المعضلة كونها تؤخر أو تؤجل تاريخ الانتاج دون أن تلغيه. ورب أسئلة عديدة مقلقة حول ردات الفعل التي من الممكن أن يلجأ اليها النظام الايراني وتحت شعار المحافظة على إرث وتعاليم آية الله الخميني في المحافظة على الجمهورية الاسلامية. ومن هذه الاسئلة تلك التي تتمحور حول وجود روادع ما تمنع النطام الايراني من ردود فعل قد تطاول المواقع الاميركية المنتشرة عبر الخليج العربي، وفي العراق، مروراً بتعطيل الملاحة في مضيق هرمز وما ينتج عنها من شلل للتصدير النفطي، والأزمة المعيشية العالمية التي قد تنشأ عن ذلك، وصولاً إلى احتمال مطاولة صواريخ شهاب ثلاثة شرق أوروبا ، في حال مشاركة دول حلف الاطلسي بهذه الضربة.

 

لذا لا بد من تضافر القوى العالمية وفي مقدمها القوى العربية والاقليمية، للتدخل من أجل الدفع باتجاه الحلول الديمقراطية عن طريق تحفيز وتقوية حركات المقاومة الشعبية الايرانية السلمية. والدول العربية الاسلامية هي معنية أولاً ومباشرة بالضغط  لابعاد الخيار العسكري، وبالتالي لاعتماد الحلول السلمية عن طريق دعم المقاومة الإيرانية الشعبية السلمية، لأنها تعتمد الاسس الديمقراطية في مقاومتها، وتشجع الاسلام الشيعي المعتدل، وتقدم مبدأ فصل الدين عن الدولة على سواه من الشعارات الدينية المتطرفة. بمعنى آخر تحترم المقاومة الشعبية الايرانية بقيادة الرئيسة المنتخبة مريم رجوي حق الاختلاف في المذهب الاسلامي، كما تراعي حقوق الاديان الاخرى، وتعترف بشرعية التنوع القومي والاتني بشكل عام. لذا يمكن القول بأنها كقوى فاعلة في محيطها المباشر، وفي تفاعلها الايجابي مع المجتمع الدولي، هي مخولة وقادرة على انهاء اشكالية الملف النووي بالطرق السلمية الملائمة. ناهيك عن كونها الانسب في محيطها العربي، لتناغمها مع الاسلام السني المعتدل في دول الجوار، ولقدرتها على تبديد أخطار التقاتل الاخوي السني الشيعي المقيت، والذي يهدد بأفدح الكوارث عبر العالم العربي قاطبة. إذ لم يعد خافياً على أحد مدى التأثير السلبي للنزعة الاصولية الشيعية المتمثلة بنظام الملالي في إيران، والساعي لنشر تعاليم ونظم الجمهورية الاسلامية عبر العالم العربي ووصولاً إلى المتوسط ،بقوة السلاح والارهاب المنظم.                                       

 

4 حزيران 2008