إحتواء إيران، هل يُفرق أو يُوحد العرب؟

بقلم/مهى عون

كاتبة وباحثة سياسية لبنانية

 

كلما اشتدت ضغوط واشنطن على إيران، وتنامت بهدف تضييق القبضة عليها كلما تملصت إيران من هذا الامساك، وتخلصت منه، وكل مرة بطريقة مختلفة. وفيما تستعمل الادارة الاميركية طرق الحرب الباردة لتبيان صورة إيران على حقيقتها المجردة، على نحو ما عملت بالنسبة للاتحاد السوفيتي قبيل انهياره، عبر تصعد وتيرة الحملة الاعلامية عليها، وعبر التلويح باحتمال تشديد العقوبات تجاهها، تلجاء إيران للرد باللهجة الدبلوماسية المهادنة، وتتعمد اطلاق الوعود المسالمة، ولكنها لا تتأخر عن التنصل منها جميعاً، بل وإلى نقضها بالكامل في الفترة اللاحقة. وتلك حالة مطاطية، لازمة، متفاقمة، تحور وتدور، وتدوم منذ أكثر من ثلاث سنوات، من دون أي حلول متوقعة لها في المدى المنظور.

 

فتارة يعلن الرئيس أحمدي نجاد أن الانتاج النووي هو حق مكتسب لايران، وأنه قائم لأغراض محض سلمية، منها انتاج الكهرباء، وتارة يرفع وتيرة التهديد فيعلن أنه لابد من محو الكيان "الصهيوني" المغتصب عن خارطة الشرق الأوسط. ثم يعود ويتراجع عن كلامه هذا في سياق محاضرة يلقيها  في جامعة نيويورك، خلال زيارته الأخيرة للولايات المتحدة. وتارة تعلن إيران أنها سوف يكون لها رد "مدمر" إذا هاجمتها الولايات المتحدة أو إسرائيل، ثم تعلن فيما بعد أنها على استعداد لتسوية المشاكل النووية العالقة، عبر التفاوض. وتارة تعلن عن جهوزيتها للتعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة النووية، ثم تعود فتعتبر أن هذه المنظمة هي تابعة للولايات المتحدة، وتهدد بالانسحاب منها. وتارة تعلن عن استعدادها للتعاون مع الترويكا الاوروبية (ألمانيا، فرنسا، بريطانيا)، ثم تعود فتربط هذا التعاون باشراك روسيا والصين، وهكذا دواليك....

 

أما المستجد في المرحلة القائمة، والذي طفى إلى الواجهة بعد زيارة بوش الأخيرة إلى الشرق الأوسط، هو امكانية اعتبار أن استراتيجية  الادارة الاميركية باتت تسلك في حملتها ضد إيران، خطين متوازيين. الخط الأول يعمل على إظهار إيران كالشر المطلق المهدد لأمن الدول العربية عامة، ولدول الخليج خاصة، وبالتالي يركز على ضرورة "احتواء إيران"، بما معناه تشكيل جبهة عربية مناهضة لأيران من أجل حملها للرضوخ لإرادة المجتمع الدولي فيما خص ملفها النووي.

أما الخط الثاني فهو يتمحور حول رفع وتيرة الضغط الاعلامي على طهران، والمتمثل بتكرار تذكيرها بالعقوبات، التي من الممكن أن تطالها في ظل تماديها في تعنتها. هذا مع العلم أن جزء من هذه العقوبات كان قد نفذ خلال العام المنصرم، عبر تجميد أرصدة الحرس الثوري و"فيلق فلسطين"، المتواجدة في المصارف الأميركية.

 

ولكن استراتيجية الادارة الاميركية هذه، تفتقر إلى الدراية فيما خص حقيقة طبيعة الانسان العربي عامة والمسلم خاصة. والدعوة الأميركية لاقامة اصطفاف عربي لمواجهة طموحات إيران التوسعية والنووية، قد تبوء بالفشل كونها سوف تزيد نسبة اللاستقرار في المنطقة، نتيجة تغذية نزعة النفور السني الشيعي، وهو نفور قد يؤدي في حال تفاقمه، إلى ما لا تحمد عقباه، من ناحية تشريع الابواب على شتى المخاطر والمحاذير. أخطار قد ينتج عنها تقاتل مذهبي سني-شيعي، تعمل المملكة العربية السعودية اليوم جاهدة، على تشكيل جبهة عربية موحدة لمواجهته.

 

كما وأن فشل مساعي بوش الشرق أوسطية، قد تكون  نتيجة دعوته كل الدول العربية "لاحتواء إيران" دون التمييز والاخذ بالاعتبار الفوارق التي تميز مواقف هذه الدول تجاهها. ففي حين تتوجس الكويت والبحرين والمملكة العربية السعودية من مطامع وطموحات إيران، لا تشاطرها قطر والامارات العربية المتحدة هذه الهواجس، كون العلاقات التي تربطها بطهران هي واسعة ومتشعبة وقائمة منذ منتصف التسعينات. وبالتالي جدلية إحتواء إيران أو عدمه لا يطرح بالنسبة لهاتين الدولتين، كما يطرح بالنسبة للاقطار الخليجية الأخرى.

 

والولايات المتحدة إذ تحث على عملية "الاحتواء"هذه، من منطلق أنها تناسب مصلحة الطرفين أي مصلحة الدول العربية ومصلحة إيران على السواء، يهمها أن تروج لطرح "احتواء إيران" على مستوى الدول العربية، ملوحة بأنه سوف يكفل تحييدها عن ساحة الصراع، في حال نشوب أي نزاع عسكري بين الولايات المتحدة وإيران. وهو اقتراح تعتبر أيضاً بأنه يريح إيران، عبر احتمال اعتكاف دول الخليج عن المشاركة في النزاع المسلح في حال نشوبه. ولكن لا بد هنا من طرح بعض الاسئلة منها مثلاً: هل تكون القواعد الاميركية المشرورة في دول الخليج بمنأى عن الاستهداف من قبل إيران في حال نشؤ نزاع مسلح؟ وكيف تكفل عملية إلاحتواء هذه عدم تعرض دول الخليج لتداعيات هذا العدوان في حال حصل على أراضيها؟

 

ولكن استراتيجية واشنطن لا تتوقف في المرحلة الحالية عند هذه المحاذير، بل تركز على  مدى الرهبة التي تحدثها نوايا إيران النووية على دول الجوار، أولاً من أجل بيعها كل فائض انتاجها من الاسلحة، وثانياً من أجل إحداث  تقارب عربي اسرائيلي، يسببه العداء المشترك تجاه إيران. إلا أن هذا الاستراتيجية والتي تجلت عبر زيارة بوش الأخيرة، لم تكن تتوقع سقوط وعود أنابوليس بانشاء دولتين اسرائيلية وفلسطينية تعيشان بسلام ووئام جنباً إلى جنب، تحت ضربات واستهدافات اسرائيل الأخيرة للشعب الفلسطيني. ان عدم تقدم المسار السلمي بين الفلسطينيين والاسرائيليين سوف يعيق إقامة أي تحالف مستقبلي اسرائيلي-عربي لموجهة أطماع إيران التوسعية وطموحاتها النووية.

 

وبسبب سياسة اسرائيل العدائية اليوم تجاه الشعب الفلسطيني، قد تتساوى بالنسبة للرأي العام العربي هذه العدائية بالخطر الايراني النووي إلى حد ما. بل ويمكن القول أن العداء تجاه اسرائيل قد يفوق شعور العداء تجاه إيران كون هذه الاخيرة هي دولة مسلمة في آخر المطاف، وإن شيعية. وهو أمر واقع يتحسسه جيداً الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد، بل وأكثر تراه يراهن عليه في مجال تأجيجه للمشاعر العنصرية العربية الدفينة تجاه إسرائيل. وفي السياق ذاته لا تتأخر إيران "الفارسية" عن الاجهار بدعمها للقضية الفلسطينية "العربية"، من أجل استعمالها كورقة لتحسين صورتها، وللترويج لسياستها عبرالعالم العربي السني والشيعي على السواء.

 

ان استراتيجية "احتواء إيران" هي بمثابة السعى لالتقاط سمكة تسبح في الماء. وبالتالي الدفع باتجاه تأليب العالم العربي ضد إيران لاحتوائها، قد تكون مهمة في غاية الصعوبة. ذلك لأن تاريخ إيران يتكلم عنها في مجال المناورة والمراوغة. فمن إعلان القبول، الى الهروب إلى الأمام، ومن ثم الرفض، ثم الرضوخ والتراجع، ثم الانسحاب، والارتداد من جديد، والتعنت، وخطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الوراء....الخ. والتعامل اليبلوماسي في السنوات الماضية مع الملف النووي الايراني هو خير دليل على سياسة المواربة التي تعتمدها إيران، والتي عجز العالم الغربي عن احتوائها وترويضها. فهل رمي الكرة في الملعب العربي يشكل الخيار الصحيح، فينجح العرب حيث فشل الآخرون ؟ لما لا؟ فلنأمل ... لعله عبر الأمل يأتي الفرج، وغداً لناظره قريب .

 

بيروت في 22 كانون الثاني 2008