هل تتكفل التطورات الاقليمية بإسقاط سلاح حزب الله.

بقلم/مهى عون

 

 

بالرغم من مقررات الدوحة التي ساهمت في تهدئة الخواطر المتشنجة والحانقة تجاه تمادي حزب الله في تعديه على المواطنين والمؤسسات داخل أحياء وأزقة بيروت في 7 و8 أيار (مايو) الماضي، وبالرغم من سعي أمير قطر ودأبه على تبديد النفور الحاصل بين أطراف النزاع الذين اجتمعوا في قطر، ما زال الصراع بين فريقي المعارضة والموالاة في لبنان على حصرية وجود السلاح بيد فئة من اللبنانين دون أخرى، قائم ويشهد حركة مد وجزر تتفاقم حيناً وتهمد حيناً آخر.

 

وعلى خلفية توصل أطراف النزاع من تشكيل ما سمي ب"حكومة الوحدة الوطنية"، وبانتظار صدور البيان الوزاري العتيد، لا بد من التسليم بأن كل شيء لم ينته بعد، وأن الجمر ما زال يتقد تحت الرماد، بالرغم من إجماع أخوة اليوم وأعداء البارحة، على التأكيد بأن المرحلة المقبلة، هي بمثابة صفحة بيضاء جديدة للعلاقات الأخوية وللتعايش السلمي. ولقد تجلت مرحلة الاسترخاء المصطنع هذه، في همروجة الاستقبال الرسمي الحاشد، الذي شهده مطار رفيق الدولي، للأسرى المحررين من السجون الاسرائلية ولرفات الشهداء. وهو زحف سياسي وديني إن دل على شيء فهو يدل على مدى الخفة التقليدية عند الساسة اللبنانيين، وعلى استعدادهم الدائم لممارسة سياسة النعامة، ولاعتمادهم الخطاب الديماغوجي القائل بأن كل شيء هو على ما يرام، ما دامت السماء صافية، أما وقد انقشعت الغيوم إلى غير رجعة.

 

يبقى أن حزب الله والذي هو باستمرار وعلى قول المثل "لاطي على الكوع"، بات مدرك وقادر على الاستفادة من هذه الفجوة على مستوى الأداء الحكومي، فتراه يعيد تموضعه بعد كل مطبة أو خطأ يرتكبه، فيعمد على أخذ احتياطه تجاه أي مستجدات داخلية أو إقليمية من الممكن أن تطاله بشكل أو بآخر. وها هو اليوم يسترد ما خسره من هالة وهيبة، ويسترجع سطوته على الصعيد الداخلي بعد نتائج حرب تموز2006 الكارثية والمدمرة، كما وأيضاً بعد أحداث 8 أيار الماضي التي لوثت صورته على المستويين الاسلامي والعربي.

 

ولكن قد تكون الرياح الاقليمية والتي قد تفاجىء الحزب بانعكاساتها على الساحة الداخلية، مؤاتية للفريق الاخر أي لفريق 14 أذآر، هذه المرة، وتكون حاملة للغيث الذي طال انتظاره. لأنه وكما هو متوقع سوف تستولد نتائج المشاحنات الاقليمية والدولية الجارية ولا سيما تلك المتعلقة بالملفين السوري والأيراني، أوضاعاً جديدة، من المتوقع أن لا تخدم موقع حزب الله. فيتحول انتصاره في بيروت من نعمة إلى نقمة، لأن فرضية انهيار الانتصار لن يعني انهيار أو سقوط مرحلة في تاريخ الحزب، بل يعني سقوط الحزب بالكامل ككيان وكمؤسسة .

 

وإذا كان الغرض من وراء عرض العضلات الذي حصل في شوارع بيروت وأزقتها، الامساك بخيوط الدور المحوري داخلياً، تحضيراً لانتخابات برلمانية يريدها الحزب كاسحة، قد يأتي تسكير ملف الاسرى والشهداء ، وما قد يليه من إقفال لملف شبعا كما هو منتظر، ناهيك عن استمرار تطبيق القرار1701 جنوباً، ليسحب من يد الحزب مبررات الابقاء على السلاح، وليجهز بالتالي على خطابه الانتخابي المنطلق حالياً بكل قوة. ولكنه واستدراكاً لتنامي هذا الخطاب المناهض ، أي القائم على المساءلة حول جدوى الابقاء على السلاح في ظل انتفاء الحاجة الفعلية إليه، دأب الحزب في المرحلة الحالية للترويج لأجوبة حاضرة، ولمبررات بدائل لحمل السلاح، منها التأكيد على حق المقاومة ب"الدفاع عن لبنان" بشكل عام، كما ورد في البيان الوزاري السابق، أو لربطها "بعودة الفلسطينيين" كما جاء على لسان الزعيم المسيحي الايراني الهوى ميشال عون.

 

أما فيما خص العوامل الاقليمية قد لا تغيب عن ذهن قادة الحزب إمكانية تحول السلاح، إلى سلاح يتيم محروم من الرعاية الأبوية السورية التقليدية، في حال اضطرت سوريا للرضوح لإرادة الولايات المتحدة، وللمجتمع الدولي بشكل عام، ولتمنيات الرئيس ساركوزي بشكل خاص. وقد لا تفيد  مواقف المزايدة المتوقعة من قبل الحزب، والتي قد تقول كما العادة أن المخفي هو أهم من الظاهر، وأن لكل حادث حديث في أوانه ، ولكل مستجد طارىء رد فعل مناسب له، لأن حجم العوامل والمستجدات الاقليمية قد تتعدى وتتخطى قدرة الحزب على إستيعاب هذه التطورات، وإعادة التموضع كما جرت العادة. منها إمكانية تحول مفاوضات السلام الجارية بين سوريا واسرائيل من غير مباشرة إلى مباشرة، وانعكاس ذلك على مستوى وحجم الموجبات المطلوب تقديمها من الجانب السوري. ومن غير المستبعد أن يندرج في مقدمة هذه المطالب تكريس الطلاق بينها وبين النظام في إيران، والذي بانت بوادره في المرحلة الاخيرة بعد اغتيال عماد مغنية في دمشق.وقد يكون من ضمنها أيضاً مطالبة سوريا بدعم ومساعدة المجتمع الدولي من أجل قطع دابر المنظمات المسلحة على أنواعها كحزب الله ، وتحجيم حلفاؤها كالتيار المسيحي خاص الجنرال عون في لبنان. ولقد رأينا نموذج من هذا الموقف السوري الجديد والمغاير للسابق، والمتجاوب مع المطالب الدولية، من خلال أجوبة الوزير المعلم خلال مؤتمره الصحافي الذي تلى زيارته للقصر الجمهوري في بعبدا، حيث أنه ورداً على سؤال يتناول موضوع الاستراتيجية الدفاعية، أجاب بأنه شأن لبناني، وتحاشى كما العادة الاسترسال والاستفاضة بمزايا وفضائل المقاومة وبدورها الاستراتيجي.

 

أما بالنسبة لانعكاسات أزمة إيران مع المجتمع الدولي على كيانية حزب الله، من الجائز القول أن مجرد طي ملف الازمة النووية، أياً كان اتجاه طيه، سوف يشكل بحد ذاته تهديداً مباشراً لاستمرارية حزب الله في لبنان. فالأكيد أن حالة المراوحة والمماطلة القائمة هي التي تناسب الحزب، وليس ولوج أي منحى آخر. لأنه في حال وصلت المحادثات الجارية إلى حائط مسدود ذلك سوف يؤدي إلى تطور ترفع بموجبه نسبة التضييق والعقوبات على إيران، وقد يكون من ضمنها تعميم ادراج امتددات النظام الإيراني ومنها حزب الله، على لوائح الارهاب عبر العالم كما حصل له منذ مدة في بريطانيا، وهو أمر أقل ما يقال فيه أنه سوف يضعه بموقف حرج تجاه أرضيته وحلفاؤه في لبنان. أما في حال توصل الجانبان الاميركي والايراني إلى حلول ترضي الطرفين، واعتمد تطبيق كلام ورد على لسان نائب الرئيس الإيراني المكلف منظمة السياحة، اسفنديار رحيم مشائي، حيث أعلن "أن إيران هي اليوم صديقة الشعب الاسرائيلي، والشعب الاميركي. وما من أمة في العالم هي عدوة لإيران، وهذا فخر لنا"، وفي حال تلى ذلك إقامة خطوط جوية مباشرة مع طهران، وفتح مكاتب لكلا البلدين ترعى المصالح المشتركة، وفي حال تراجع الرئيس عن فكرة محو إسرائيل عن خارطة الشرق الأوسط، هل سيثابر حزب الله في حملاته الهجومية على اسرائيل والولايات المتحدة، ويظل يعلن الجهاد على أعدائه التقليديين في وقت تحولوا أصدقاء جدد لمرجعياته في إيران. و كيف له أن يفسر لقاعدته في لبنان استمرار ذهابه إلى الحرب فيما مرجعيات  في إيران هي عائدة منها؟

 

30 تموز/2008