الديمقراطية السليمة: الكويت نموذج

مهى عون

 

هل يعني توصيفنا الديمقراطية بالسليمة في الكويت ضمناً، احتمال معاناتها من مرض ما في بلدان أخرى؟ في الحقيقة نعم. يمكن للديمقراطية أن تكون عليلة ومريضة، بسبب إصابتها بجراثيم مختلفة، وفي مقدمها جرثومة التطرف الديني أو المذهبي، والتي قد تؤدي في بعض الاحيان إلى هلاكها.

 

إن في الانظمة الديمقراطية عامة، والمعتمدة في بعض اقطار عالمنا العربي والتي لا يتعدى عددها وللاسف أصابع اليد الواحدة، تنشأ السلطة كما هو مفترض عبر الاقتراع العام من قبل الشعب. وتأخذ هذه السلطة المنتخبة تسميات مختلفة حسب البلدان فتسمى في بعضها "السلطة التشريعية" وفي بعضها الآخر "مجلس الأمة" أو "مجلس النواب" أو "البرلمان".

 

المهم أن هذه السلطة المنتجة عبر الاقتراع العام تمثل ارادة الشعب، وتكون بمثابة صوته داخل السلطة. وكما هو معروف تشكل عبر هذا البرلمان السلطة التنفيذية، أو بواسطة رئيس الدولة تبعاً للقوانين المرعية الاجراء في كل دولة، وتكون مهمته تنفيذ القوانين والتشريعات الصادرة عن مجلس النواب. وعادة يواكب اعتماد هكذا نظام يحترم الارادة العامة في نشؤ السلطة، نوعاً من الحريات، التي تعطي الشعب حق ابداء الرأي في قضايا تمس الشأن العام، وحق الممارسة السياسية عبر السماح لقيام الاحزاب السياسية.

 

أما بالنسبة للأمراض التي من الممكن أن تصيب الديمقراطية كنظام، فتشرع بالتالي الابواب على شتى أنواع المخاطر، فمن المحتمل أن تأتي عبر بابين. أولهما  يكون بسبب تطرف السلطة في احتكار مقاليد الحكم، أو التمادي والتسلط في ممارسة هذا الحكم، وهو نهج يمكنه أن يؤدي إلى قيام الاحتجاجات الشعبية، فالاحتكاك والتصادم، أو من الناحية المقابلة، بسبب وهن السلطة وضعفها، أو تراخيها واحجامها عن الضرب بيد من حديد الخارجين عن القانون، بحجة احترام التعددية الطائفية، أو من منطلق مراعاة تنوع الأراء. ومن الطبيعي أن ينتج عن تمادي الشعب في سؤ استعمال الحريات المعطاة له في هذه الحال، أزمة متنامية ومتصاعدة قد تؤدي بالاوضاع إلى نقطة اللاعودة، بسبب الفوضى والضياع الحاصلين.

 

فالمجتمع من دون ضوابط كالسيارة من دون كوابح. وهو مجتمع ذاهب حتماً إلى الخراب. وخير دليل على ذلك الخيم المضروبة في قلب العاصمة اللبنانية منذ أكثر من سنة، بالرغم من أنف الحكومة، وتحت شبابيك السراي الحكومي بالذات. إن النظام الديمقراطي هو نظام مثالي عن حق، إنما يجب أن تواكبه صلابة ودقة وتشديد في تطبيق القوانين. والمعيار هي قاعدة العصفور. والحاكم يجب أن يتصرف مع شعبه كالذي يمسك عصفوراً، لا يشد قبضته عليه كثيراً حتى لا يخنقه، ولا يرخيها كثيراً خوفاً من خنقه، فيطير العصفور من يده ويضيع في الفلا.

 

إن الكل يعلم وللاسف كيف تحول الوضع في لبنان، من رغد في العيش إلى المعاناة المستفحلة، ومن التطور والنمو إلى الانكفاء والهجرة والتقهقر. هذا مع العلم أن كل المؤشرات كانت تبشر بغد أفضل، بعد انسحاب الجيش السوري عن الأراضي اللبنانية، وبعد النجاح الساحق لما سمي لاحقاًً بثورة الارز. ولكن الاخطار كانت رابضة على الابواب، والاطماع الايرانية والسورية بالتكافل والتضامن على أهبة الاستعداد للوثب من جديد إلى الداخل اللبناني. فكان لها ما شاءت عبر حزب الله بعد أن أمنت له الدعم المادي والمعنوي الضروريين، وأوصلته إلى ما هو عليه الآن من قوة وحجم. وها هو حزب الله الآن وقد فرض ارادته على السلطة، واحتل الساحات والمفاصل الحيوية، وبسط سلطته على باقي الطوائف، واختزل قرار السلم والحرب، واستفرد بقرار المعارضة، جاراً وراءه كل التيارات الاخرى، والتي ليست كلها من الطائفة الشيعية.

 

بكلمة أخرى تحول حزب الله إلى دولة ضمن الدولة، يهدد بتفجيرها كل ساعة، وبتفتيتها عندما يأتي الامر من طهران. كل هذا واللبناني يسأل نفسه عند كل طلوع شمس، هل وصلنا إلى آخر المطاف؟ وهل الخروج من النفق المظلم والمعاناة أصبحت وشيكة؟ ومتى تنتهى هذه المحنة التي طال أمدها؟ 

 

ولقد شكل ربما خراب لبنان عبرة للبلدان الاخرى، إذ استدركت قيادات الكويت الحكيمة وعلى رأسها سمو الشيخ صباح الجابر الأحمد الصباح، وولي العهد الموقر، هذه الاخطار الداهمة، والمتأتية من عدوى سوسة حزب الله، فحيدت الكويت من مصير لا سمح الله كان سيؤدى لأزمة تذكر بتلك المستحكمة في الكيان اللبناني. وكان أن عمد سمو الأمير بعد استقالة الحكومة، إلى حل مجلس الأمة، حتى تتسنى للشعب فرصة إعادة انتاج موكليه أو مندوبيه إلى البرلمان من جديد، وبشكل يتلاءم أكثر مع طموحاته، ورغبته في المحافظة على السلم الأهلي، وعلى نوعية الحياة الراغدة والعيش الهنىء بعيداًُ عن أجواء التشنج والتطرف المذهبيين.

 

إن حكمة رئس البلاد من جهة، والضوابط التي نص عليها دستور الكويت من جهة أخرى، ساهما في انقاذ التجربة الديمقراطية الكويتية المميزة من تداعيات المحنة التي صادفتها غداة تأبين الارهابي عماد مغنية، كما وأيضاً روح الممارسة الديمقراطية المتأصلة بالشعب الكويتي، المتشبث بروح العطاء والمتفاني من أجل خير المجموعة، حتى في أحلك حالات التوتر والأزمات.

 

إن التجربة الديمقراطية الكويتية هي من دون شك جديرة بالتوقف حيالها. ولا بد للمعنيين بالموضوع الديمقراطي من دراستها بعمق، لنموذجيتها وفرادتها، ومن أجل فهم وسائل صدها للمطبات، وطريقة صمودها بوجه المحن، ومقاومتها للاخطار التي أودت بأنظمة عريقة أيضاً بالديمقراطية، ولكن هشة في بعض نواحيها حيث تمكن الارهاب المنظم من اختراقها.

 

كان الله بعون لبنان من أجل تخطي محنته المستعصية، وحمى الله الكويت شعباً ودولة، وأنزل حكمته على قيادييها، وصان التجربة الديمقراطية الكويتية المميزة في عالمنا العربي.

 

مهى عون

كاتبة لبنانية

6/3/2008

e.mail:mahaleb@hotmail.com