أكواريوم "وطني مسيحي" ... لصاحبه؟
بقلم/محمد سلام 

ذكرني اللقاء الوطني المسيحي، إسمًا لا مضمونًا، بالحركة الوطنية اللبنانية. الحركة كانت، عمليا، لصاحبها "الأخ" ياسر عرفات واللقاء، بواقعه، هو لصاحبه "السيد" حسن نصر الله.

الحركة، وفق زعمها، كانت "وطنية لبنانية" واللقاء، وفق مسماه، "وطني مسيحي."

مع الأخ عرفات، بقي لبنان مدرجًا في التسمية. لم يتنازل عنه، شكلا على الأقل، من كان يعتبر من قبل الآخر بأنه تابع للفلسطيني.

مع السيد سقط لبنان من تسمية اللقاء، وأتبعت المسيحية بصفة وطنية ملتبسة كون هذه الوطنية غير محصنه بهوية كيانية اسمها لبنان، وكون هذه الوطنية وضعت في "أكواريوم" حاضن زجاجه من العقائد القومية، أكانت سورية اجتماعية أم سورية بعثية، والهواء الذي يضخ لأسماكه من ثقافة "المقاومة الإسلامية".

التجربتان انطلقتا من حق في المقاومة.

الحركة الوطنية اللبنانية كانت تريد مقاومة الاحتلال الإسرائيلي والإمبريالية الأميركية، وكان حليفها الاتحاد السوفياتي العظيم، إذ ذاك، على قاعدة "الصداقة مع الشعوب".

اللقاء الوطني المسيحي، كما عبر عنه العماد ميشال عون، يريد مواجهة السياسة الخارجية الأميركية على قاعدة التحالف مع حزب السيد ومقاومتة الإسلامية.

تنامى التناقض بين الحركة الوطنية اللبنانية والأخ عرفات تدريجا منذ العام 1976 فيما تعرضت الحركة لمحاولة اختطاف من "الشقيق" السوري، فاغتيل رئيسها كمال جنبلاط في 16 آذار العام 1977 بهدف تغيير صاحبها.

وبدأت الحركة الوطنية اللبنانية بالخضوع التدريجي للشقيق السوري في ما سمي إذ ذاك بالمناورة التكتيكية، وحافظت على علاقة توازنية مع عرفات على الرغم من تنامي التناقض.

وتخلصت الحركة الوطنية اللبنانية من تبعيتها لعرفات أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982 عندما أعلن المرحوم جورج حاوي والسيد محسن إيراهيم جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية. بدأت تلك الجبهة تقاتل لحساب لبنان، لا لحساب مالك آخر.

كانت تلك الجبهة التي ولدت في أيلول العام 1982 أساس المقاومة اللبنانية ضد العدو الإسرائيلي. وعلى الرغم من نجاحها وتنفيذها سيلا من العمليات كان عرفات يصدر بيانات إعلان المسؤولية عن هذه العمليات باسم "القوات المشتركة" التي لم يعد لها وجود.

وانتهت المقاومة الوطنية اللبنانية على يد المقاومة الإسلامية في تسعينات القرن الماضي، وجاء اللقاء الوطني المسيحي ليعلن الولاء للوريث غير الشرعي بحجة مواجهة توطين مزعوم للفلسطينيين في لبنان، والسياسة الخارجية الأميركية التي تهدد المسيحيين، في لبنان وفي الشرق الأوسط.

ماتت الحركة الوطنية اللبنانية، وقتلت جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية فيما كان مناضلوها يتوجهون لقتال إسرائيل في الجنوب أو في أثناء العودة من تنفيذ عملياتهم، أو اغتيلوا في منازلهم وفي أسرتهم.

واعتذرت منظمة التحرير الفلسطينية، رسميا، من اللبنانيين والمسيحيين عن ممارساتها في عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي.

وتحولت بعض مكونات الحركة الوطنية اللبنانية إلى مكونات لبنانية وطنية.

وبقيت الأحزاب والقوى والشخصيات ذات التبعية القومية على ولائها لأصحابها.

ولكن الملفت، بل المخيف، أنه طفا على السطح المسيحي مكون "وطني مسيحي" يغفل المنطلق اللبناني أساسا بعدما كان المسيحيون، عبر التاريخ، متشددين في الانتماء اللبناني إلى درجة خلط الهوية بالسلطة ورفض المشاركة في الاثنين معا.

ذكرني المشهد بعبارة قالها أحد منظري اللقاء الجديد قبل 15 عاما: "عربنا المسيحيين. ألا تعتقد أننا سنتمكن من لبننة الأرمن؟"

يبدو أن المسألة تجاوزت نظرية لبننة الأرمن. فاللبنانيون من أصول أرمنية لبنانيون، بقناعتهم لا بجهد تحويلي أو قسري أو صهري.

المسألة دخلت حقبة أكثر خطورة تختصر بمحاولة إلحاق المسيحيين بمالك. ونظرا للحساسية التاريخية لدى المسيحيين، وتحديدا الموارنة، حيال الالتحاق بمالك خارجي، تتم عبر اللقاء محاولة إلحاقهم بالمقاومة الإسلامية لصاحبها السيد حسن نصر الله وحزبه.

هذا ما عبر عنه العماد عون في كلمة تأسيس اللقاء، التي كانت أشبه بخطاب قسم لرمز آلهي يتحدث باسم "مستضعفين" جدد.

كانت الحركة الوطنية اللبنانية، بنسبة أو بأخرى، حطبا في مواقد عرفات والأسد. والآن يراد لبعض المسيحيين أن يكونوا حطبا في مواقد جديدة.

ترى هل سيصل اللقاء الوطني المسيحي يوما إلى حالة من تنامي التناقض الكياني مع مالكه ما يقوده، حتما، إلى محاولة استعادة لبنانيته؟

آمل أن يصل إليها قبل أن تعمر الموائد بنتاج الحطب اللبناني في مواقد "الوطنيين الجدد".

السبت 5 تموز 2008

عن موقع لبنان الآن