العرب، قمة دمشق، والغزو الفارسي المتصاعد

محمد سلام

الخميس 28 شباط 2008

عن موقع لبان الآن

 

معضلة قمة دمشق ليست أن مضيفها، سوريا، يعرقل انتخاب رئيس للبنان، وليست أن القادة العرب يحرصون على عدم الاجتماع من دون أن يكون شقيقهم المسيحي الوحيد متواجدا بينهم.

 

الرئاسة اللبنانية ليست، بذاتها قضية، لا بالنسبة للعرب ولا بالنسبة للمجتمع الدولي.

 

الفراغ الرئاسي اللبناني ما هو إلا أحد انعكاسات المعضلة الحقيقية التي تواجه العرب في قمة دمشق، وهذه المعضلة هي أنهم يواجهون للمرة الأولى عدوا جديدا، غير إسرائيل، ينفذ اجتياحا ممنهجا لدولتين عربيتين في آن، هما لبنان والكويت، وهذا العدو الجديد هو إيران، المتمثلة، حتى الآن، بحزبي الله في لبنان والكويت ... ومستوى التمثيل هذا قابل للتصعيد والاتساع عبر أحزاب آلهية أخري قد تظهر، عندما يحين موعد ظهورها، في دول عربية أخرى، منها مملكة البحرين، ودولة الإمارات العربية المتحدة، واليمن، وسلطنة عمان والسعودية، وصولا إلى مصر ودول شمال أفريقيا، باستثناء تلك التي تؤيد نظام ولاية الفقيه، طبعا.

 

والمعضلة، في أحد أبرز مكامن وجعها، هي أن العرب يريدون بحثها في قمتمهم المقبلة التي تستضيفها دولة عربية، هي سوريا، متحالفة مع نظام ولاية الفقيه منذ ولادته أواخر سبعينات القرن الماضي، وربما منذ ما قبل ولادته.

 

والعرب، كما دائما، مربكون حيال هذه المعضلة. هم دائما يرتبكون إذا تعرض أحدهم لأي اعتداء من عدو غير إسرائيلي. مع الأسف، إسرائيل توحدهم، وإذا تعرضوا لعدوان من غيرها لا تجمعهم ... حتى صورة لمؤتمر قمة.

 

هكذا هو تاريخ العرب الحديث.

 

عندما غزا نظام البعث الصدامي الكويت، واجه العرب الامتحان الأول الذي أرادوا تفاديه منذ اجتياح جيش نظام الأسد للبنان في العام 1976. أربكوا، مضى شهران على احتلال الكويت والعرب ما فعلوا شيئا، وبعد شهرين ونصف الشهر من الجهود غير المثمرة إجتمع قادة العرب في قمة طارئة بالقاهرة شاركت فيها 20 دولة.

 

تلك القمة الطارئة استنكرت وشجبت وأدانت ... وقررت إرسال قوة عربية مشتركة لتحرير الكويت، ولكن فقط بموافقة 12 من أصل 20 دولة شاركت في القمة.

 

الدول التي أيدت قوة التحرير المشتركة، التي لم تشكل ولم تحرر، هي السعودية، الكويت، قطر، البحرين، عمان، الإمارات العربية المتحدة، ومصر وسوريا ولبنان والمغرب وجيبوتي والصومال.

 

ثلاث دول اعترضت على "التحرير العربي" هي العراق، طبعا، وليبيا، أيضا طبعا لأنها تؤمن بالوحدات الاندماجية، وفلسطين، ولا أحد يدري لماذا.

 

أما الجزائر، دولة ثورة المليون شهيد، فامتنعت كما اليمن، الذي كان يعيش على مساعدات صدام.

 

وعلى الرغم من فشل العرب في حسم مسألة الغزو العراقي للكويت، تحرك المجتمع الدولي واتخذ قرار التحرير، فشجعه العرب ودعموه وشاركوا في تنفيذه، حتى سوريا شاركت بلواء لم يقم بأي عمل عسكري، بل دخل الكويت، كعادته، منتصرا، ورفع علمه، وتقاضى أتعابه نقدا من دولة الكويت، وحصل على جائزته من أميركا في لبنان الذي سمحت له واشنطن بالسيطرة عليه، وأوعزت إلى إسرائيل بألا تسقط طائرته التي حلقت فوق قصر بعبدا فسقط في 13 تشرين الأول العام 1990 تحت الاحتلال السوري، وفرغ في 23 تشرين الثاني 2007 من ممثل الاحتلال السوري، وما زال فارغا.

 

هل الكويت أهم من لبنان كي يحررها المجتمع الدولي؟ أم هل الاحتلال الصدامي لها أشد خطرا من طلائع الاحتلال الفارسي المزدوج لها وللبنان؟

 

الكويتيون، حتما، أهم من اللبنانيين. هم من ساعد المجتمع الدولي على تحريرهم لأن صدام لم يجد بينهم عشرة عملاء يؤلف منهم حكومة تقول أن احتلاله شرعي ومؤقت. ولو وجدهم لكان ما زال في الكويت ... وفي العراق إلى الآن.

 

وليس صحيحا أن الكويت أهم من لبنان لأنها تجلس على مخزون نفطي استراتيجي للغرب. فلبنان، أيضا، يجلس على مخزون مائي استراتيجي لكل المنطقة، وهو عنوان حروب المستقبل ... التي بدأت.

 

وليس صحيحا، أيضا، أن الغزو الصدامي أكثر فتكا من غزو طلائع الحرس الثوري الفارسي التي تمأسست في لبنان خلال حقبة الاحتلال السوري وظهرت في الكويت على خلفية تأبين عماد مغنية، اللبناني، في دولة تعتبره قاتلا لمواطنيها.

 

بلغ الصلف بالحرس الثوري الإيراني أن قرر تحدي دولة الكويت في شأنها الوطني، وأراد تأبين من هو متهم بقتل مواطنيها.

 

الكويتيون، مجددا، أثبتوا أنهم أهم من اللبنانيين. تحركت الدولة الكويتية، والمجتمع الكويتي ضد المسمى حزب الله الكويتي، بعناصره "الكويتية" وغير الكويتية، ووصل عدد الموقوفين إلى 1.500 شخص، وتحركت آلية القضاء الكويتي مستبقة إقامة أمر واقع جديد يتمثل بمستوطنات مربعات أمنية قد تعمد يوما إلى إقامة مدينة خيم أمام قصر الإمارة، قصر الإمارة نفسه الذي لم يستطع صدام أن يسقطه مع أن سكانه غادروه، وعادوا إليه ... بعد التحرير "الدولي المدعوم والممول عربيا."

 

فهل سيعود قصر بعبدا لأصحابه بجهد دولي مدعوم عربيا قبل أن تنبت مستوطنات النظام الفارسي في عواصم عربية أخرى؟

 

المعضلة عربية، وبامتياز هذه المرة، وستبقى قائمة حتى وإن وافقت سوريا على "تسهيل" انتخاب رئيس "لبناني". وحلها، أي المعضلة، لن يكون إلا دوليا وبدعم عربي.

 

لكن مثل هذا الحل لن ينطلق إلا إذا قرر اللبنانيون أن يرتقوا إلى وطنية اشقائهم ... في الكويت.

 

 

التالي  السابق