حزب الله: حشاشون.. إنكشاريون.. وخمير حمر!

بقلم/محمد حسن علوان

 

سيمر زمن طويل قبل أن يستطيع حزب الله ترميم سمعته التي تلطخت بدماء البيروتيين. سمعته التي حازها منذ عقود بوصفه (رمز المقاومة)، و(حامي الجنوب)، وغيرها من الألقاب التي طالما أخفى حزب الله وراءها خريطة أهدافه السلطوية، وأطماعه الطائفية. هذا السلوك اللاوطني الهمجي الذي ارتكبه مقاتلو حزب الله يؤكد أن الملتاثين بشهوة الحرب لا يمكنهم العودة إلى مربع الحضارة بسهولة. وكل طلقة مدفع، أياً كانت وجهتها، تمسح حرفاً من أبجديتهم المدنية، حتى إذا طال بهم الولوغ في الحروب عادوا أمّيين تماماً، لا يعرفون إلا لغة العنف، ومنطق التسلط.

 

سيمر زمن طويل أيضاً قبل أن يستطيع هذا الحزب الأمّي تعويض نقصه الحضاري، وقدرته على التعايش الإنساني مرة أخرى بسلام، ونسيان لغة الحرب وطبولها التي تقرع في رؤوسهم أعلى من أصوات السلام والوطنية والدبلوماسية والديموقراطية والإنسانية والتعددية والعدل وكل القيم الكبرى. إذا تعوّدت اليد على الأخذ بالقوة استمرأت ذلك. وإذا تضخمت الذات الحربية فلا يمكن أن تمارس سلوكاً غير الانتزاع والتهديد، وإن بررت ذلك بكليشيهات مضللة مثل: القوة في الحق، والتاريخ يحترم الأقوياء... إلخ. كل هذه أهازيج تطلقها سكرة القوة، وطيش الجبروت الفوضوي. لاحظوا حتى المفردات التي استخدمها البطل (المزدوج) حسن نصر الله: (قطع الأيادي!) واستنتجوا العقلية الحضارية التي يمكن أن يراهن عليها من شخص يتحدث هذه اللغة، ثم يزعم أنه يلعب دوراً (وطنياًً) من أجل لبنان، ويا لها من وطنية!

 

آثار الحروب المادية تزول وتعوَّض، ولكن آثارها الحضارية السيئة تلازم المنتصر والمهزوم معاً، فتبتلي الأول بمتلازمة التسلط الدائم، وتبتلي الثاني بمتلازمة التحرز الدائم أيضاً، إلا ما رحم الله من الأمم، ولا يبدو حزب الله من المرحومين. الذين يرضعون ثدي الحرب مرة لا يعود إليهم رشدهم بسهولة. الحرب ممحاة هائلة للأخلاق الإنسانية، سرطان حضاري فظيع يفتك بالأمم والجماعات، وتتوارثه جينياً وتاريخياً أجيالٌ بعده. تشي غيفارا وفيدل كاسترو كانا شريكين في النضال، والمثل العليا، والثورة. وربما كان من حسن حظ غيفارا أنه مات مبكراً بسمعة ثورية جيدة (إذا غفرنا له جدلاً أنهار الدم التي أراقها، وهل يُغفر الدم المراق؟)، أما فيدل كاسترو فقد طال به الأمد حتى اكتملت ذاته الثورية، فتحول إلى دكتاتور ذميم يحكم شعبه بالحديد والنار، ويحرّم عليهم حتى حق الإقامة في فندق، أو ترك البلاد، أو شراء سيارة، أو تلفزيون. فأي أخلاق ثورية هذه؟!

 

ينام حسن نصر الله في مخبأ من مخابئه دون أن يفكر في حياة 36 إنساناً لبنانياً أزهقها في يومين! (حتى تاريخ كتابة هذا المقال!). بالطبع سينام قرير العين، ما دام تحت عمامته تبريرات آيديولجية جاهزة تكفيه الشعور بالذنب والمسؤولية، ومادام ضميره محشواً بتراتيل ميثولوجية كلها تخبره بأنه بطل ومجاهد، وأن الله ورسوله راضيان عما يفعله، وكذلك الخميني الذي زيّنت صورته القاعة بينما هو يتحدث عن (الوطنية!). 36 إنساناً بكل قصصهم وأحلامهم وطموحاتهم وأطفالهم وأحبابهم لم يفكر السيد (حسن نصر الله) في أنه نقلهم من ظاهر الأرض إلى باطنها من أجل مشروعه السلطوي، ولربما كان كل ما يعنيه له الأمر: 36 رصاصة نقصت من ذخيرة جيشه.

 

مشروع (حزب الله) ليس جديداً على التاريخ، ولطالما رأينا في طيّاته كيف تتحول الطائفة إلى عصابة، والحامي إلى حرامي، والصديق إلى عدو. (حزب الله) تكرارٌ متوقع لهذا الفيلم التاريخي الذي طالما عرضته علينا الحياة.

 

ما الفرق بين ما فعله حزب الله في بيروت الأسبوع الماضي وما فعله (الحشاشون) في إيران في القرن الثاني عشر؟ كلاهما تثكّن في عزله، وتسّلح بحجة الدفاع عن مذهبه وأرضه، وربّى آيديولوجيته على مهل، وغرسها في صدور أتباعه بإتقان، ثم انطلق في نزعة همجية لاغتيال من يخالفه النهج، ويقاسمه الوطن.

 

ما الفرق بين حزب الله الأسبوع الماضي في بيروت وما فعله (الإنكشاريون) في القرن السابع عشر؟ عندما كرّمتهم الدولة العثمانية بوصفهم درعاً في وجه الأعداء، فصاروا هم الأعداء بعد أن تضخمت ذواتهم جراء انتصاراتهم المتوالية مثلما تضخمت ذوات حزب الله بعد انتصاراتهم (غير المتوالية!)، وصار كل منهما يطالب بالسلطة، (لأن السلطة دائماً هي الخطوة التالية في أجندة أي محارب مهووس). ومثلما انطلق الإنكشاريون في شوارع أسطنبول يشعلون النار في المباني، ويهاجمون المنازل، ويحطمون المحلات، انطلق حزب الله ليكرر الفعلة نفسها في بيروت، من أجل الهدف نفسه، وكأنهم ينسخون نسخاً من كتاب التاريخ، دون أن يهملوا حرفاً واحداً! ما الفرق بين ما فعله حزب الله وما فعلته الميليشيات الأفغانية بعد خروج الاتحاد السوفييتي من أفغانستان؟ في تلك الليلة نفسها التي تحولت تلك الميليشيات من أبطال وطنيين إلى ثلة من تجار المخدرات والإرهابيين. وتضخمت النزعة الحربية/التسلطية لدى كل منهم حتى وجهوا أسلحتهم إلى بعضهم، وسقط عشرات الآلاف من الأفغان بأيدي الأفغان أنفسهم، تماماً مثلما سقط اللبنانيون قتلى في الأسبوع الماضي، بأيدٍ لبنانية، وإن بأسلحة (غير لبنانية) بالطبع! هذه هي ثقافة لوردات الحروب، في كل بلد وتحت أي لواء، مجموعة من اللاهثين وراء السلطة، بغض النظر عن هوية من يقتلون.

 

ما الفرق بين ما فعله حزب الله الأسبوع الماضي وبين الخمير الحمر في كمبوديا الذين تحولوا من حزب سياسي إلى آلة ذبح عمياء أودت بحياة مئات الآلاف من الناس، ما نقموا منهم إلا أن خالفوهم وجهة النظر السياسية. آنذاك، غزا الخمير الحمر دولة فيتنام المجاورة زاعمين أنها خطوة استباقية لنوايا فيتنام في غزوهم، وهذا ما يفعله حزب الله اليوم عندما يحرق بيروت لأنه، وحسب ما قاله نصر الله نفسه (معلوماتنا تؤكد أن موضوع شبكة الاتصالات هو خطوة أولى تتبعها خطوات لاحقة). فإذا كان حزب الله قد بدأ في قتل اللبنانيين من الآن فماذا سيفعل إذن لو اكتملت مقاليد الحكم في أيديه؟ وإذا كان حزباً متسلطاً قبل أن تكون له سلطة أصلاً، فكيف سيتصرف إذا حازها إذن؟

 

*نقلا عن جريدة "الوطن" السعودية