فضائل" ... قمة دمشق!؟

محمد سلام

 

الفضيلة الوحيدة للقمة العربية التي عقدت في دمشق، هذا إذا كان لها من فضائل، هي أنها أثبتت بما لا يقبل الجدل والشك والتشكيك أن موقف النظام السوري من رفض كل ما هو وطني ما زال مستمرا منذ توليه السلطة في العام 1970، على الرغم من تبدل أولويات العالم.

 

الموقف السوري الثابت في ابرز تجلياته عبر عنه وزير الخارجية وليد المعلم بغبطة ظاهرة عندما قال "لا كلمة لمن لا يشارك." وكان يقصد، طبعا، لبنان.

 

المعلم كان واضحا وبليغا في التعبير عن حقيقة موقف دمشق: من لا يقف وراء نظام الأسد لا كلمة له في ظل رئاسة الرئيس الأسد لمؤسسة القمة. كل من يتحدث عن وطنية شعب عربي هو خائن للتوجه القومي. والتوجه القومي تقوده دمشق.

 

هذه الخلاصات ليست جديدة. ففي العام 1974، بعد أربع سنوات من حركته التصحيحية، أنهى النظام السوري نزاعه الوطني مع إسرائيل باتفاقية هدنة، منعت القيام بأي نشاط من الأراضي السورية لتحرير الأراضي السورية.

 

ومع أنه تخلى عن دوره الوطني في تحرير ترابه الوطني، أي مرتفعات الجولان، حافظ نظام الأسد على أولوياته "القومية" على خلفية عدائية شرسة للحركات الوطنية العربية التي يتهمها بأنها "كيانية" بمعنى أنها انشقاقية عن الأمة، وفق مفهومه الشمولي القهري الاستلحاقي... للأمة، التي لا يشابهه فيها إلا حزب ولاية الفقيه عندما يتحدث عن "الأمة".

 

على هذه الخلفية العدائية الشرسة كانت حركة التحرير الوطني الفلسطيني، فتح، حركة معادية من وجهة نظر النظام السوري لأنها "وطنية" أولا.

 

وعلى هذه الخلفية الوطنية أيضا كانت منظمة التحرير الفلسطينية حالة معادية من وجهة نظر النظام السوري، لا لشيء إلا لأنها أرادت أن تكون الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.  فنظام البعث لا يقبل بأن يكون لأي شعب عربي ممثل شرعي ووحيد باستثناء قيادة بعث "الأمة" الواحدة ذات الرسالة الخالدة، رسالة سحق الوطنيات، وصهرها في قيادة قومية دكتاتورية شمولية واحدة.

 

نظرة سريعة على موقف البعثين، الدمشقي والبغدادي، من الفصائل الفلسطينية التابعة لكل منهما، تظهر لنا كيف تم استبعاد حتى اسم فلسطين عنهما.

 

الفصيل الفلسطيني الذي كان تابعا لبعث العراق حمل اسم جبهة التحرير العربية. أين فلسطين في تلك الجبهة التي تعني أن للعروبة أفضلية وأولوية على الوطنية الفلسطينية؟

 

التنظيم الفلسطيني التابع للبعث السوري حمل اسما غابت عنه أيضا فلسطين ... وحتى العروبة: "طلائع حرب التحرير الشعبية-قوات الصاعقة"!!!! هل لهذه القوات علاقة بفلسطين؟

 

هذه القوات قتلت من الفلسطينيين أكثر مما قتلت منهم إسرائيل، ثم استخدمت للانتقام من لبنان، بشقيه اليميني واليساري، لأنهما كانا يعكسان حالة وطنية، وإن متناقضة المنطلقات.

 

قوات الصاعقة تلك، بدل أن تحرر فلسطين استخدمت لتكون طلائع الجيش السوري الذي غزا لبنان، رسميا، في حزيران العام 1976 بعدما كانت الصاعقة قد أقامت قواعد لها على الأراضي اللبنانية منذ العام 1969 بموجب اتفاقية القاهرة السيئة الصيت، والتي ألغاها المجلس النيابي اللبناني لاحقا، وما زالت دمشق وفصائلها تعترف بها، على الرغم من أن منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية اسقطتا اتفاق القاهرة من قاموسهما السياسي.

 

وبعدما اجتاحت إسرائيل لبنان في العام 1982 وأخرجت ياسر عرفات من بيروت، ومعه الجيش السوري، أكملت دمشق مهمة آريل شارون بإخراج عرفات من طرابلس في العام 1983، وأعادت جيشها إلى بيروت في العام 1987، وأسقطت اتفاق الطائف اللبناني-الوطني باغتيال الرئيس رينه معوض ثم احتلت كامل لبنان بعدما هرب العماد ميشال عون من قصر بعبدا تاركا جيشه من دون أوامر ومن دون وثيقة استسلام تحميه من الإبادة في 13 تشرين الأول العام 1990.

 

وحكم نظام الأسد لبنان على أنه محافظة سورية على قاعدة الشعب الواحد في الدولتين والرئيس إلى الأبد، الممثل بقيادة مخابراته في عنجر.

 

بخل علينا النظام السوري حتى بمحافظ، فكنا أقل من شعبه في المحافظات السورية. تعامل معنا كما يتعامل مع اللاجئين الفلسطينيين عبر فرع فلسطين في المخابرات. الفارق الوحيد بيننا وبين الأشقاء الفلسطينيين هو أننا عوملنا بمزيد من الازدراء إذ كنا لاجئين ... على أرضنا.

 

عرفات، رحمه الله، ثأر بوطنيتة وكيانيته الفلسطينية من البعثيين الصهريين، فأعاد علم فلسطين إلى الضفة الغربية في العام 1994 بموجب اتفاقيات أوسلو، فجن جنون نظام دمشق واتهمه بشق "الصف" العربي، الذي ما أرادوه يوما إلا منتظما وراء القيادة القومية في دمشق.

 

وانتقم النظام السوري من عرفات في بيروت، في القمة العربية التي عقدت في آذار من العام 2002، فحاصره فضائيا، ومنعه من مخاطبة القادة العرب من مقره في رام الله الذي كانت القوات الإسرائيلية التي تحاصره قد منعته من مغادرته، على الرغم من الوساطتين المصرية والفرنسية.

 

وفي العام 2008 أراد نظام الأسد الانتقام من رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة الذي تحاصره قوات الحرس الثوري الإيراني في السراي الكبير منذ الأول من كانون الأول العام 2006.

 

لكن أبواب العالم، كل العالم، العربي والإسلامي والغربي، ما زالت مفتوحة على السراي الكبير، وعلى الرئيس السنيورة وحكومته، التي ألقى باسمها خطابا حدد مفاصل النزاع اللبناني-السوري وأوصله إلى جميع القادة العرب، المقاطعين والمشاركين في قمة دمشق، على الرغم من حرص المعلم على ألا تكون كلمة لمن لا يشارك.

 

الرئيس السنيورة قال كلمة لبنان، وأوصلها إلى كل العرب، وقاطع الرئاسة السورية للقمة، وحصد من القمة دعما هو الأول من نوعه في تاريخ جامعة الدول العربية لدولة مقاطعة.

 

العرب قالوا في البيان الختامي لقمتهم في دمشق، وبمجرد تبنيهم قرارات متعلقة بالشأن اللبناني وبالعلاقة اللبنانية-السورية المأزومة، ما معناه أن الدولة اللبنانية موجود في الأسرة العربية، وأن غيابها هو اعتراض ليس على النظام العربي ولا على منظومة العمل العربي المشترك، بل هو اعتراض على عدم أهلية النظام السوري لرئاسة القمة العربية كونه طرف في نزاع مع دولة عربية أخرى. المحرج في قمة دمشق لم يكن الدولة اللبنانية، بل النظام السوري.

 

السؤال الذي يبقى مطروحا الآن هو: من الذي كان الحاضر الأكبر في القمة العربية؟ الشقيقة الصغرى التي تجرأت على مقاطعة رئاسة القمة أم الرئاسة التي فشلت في مقاطعة المقاطع، سواء على مستوى مخاطبة القادة أم على مستوى القرارات النهائية؟

 

إنها البداية حتما، وما بعد قمة دمشق لن يكون كما قبلها إطلاقا. العرب بدأوا البحث الفعلي في النزاع اللبناني-السوري، وإذا فشلوا في حله، فسيحال إلى المجتمع الدولي ... وبمباركة عربية أيضا.

 

مهمة أمين عام جامعة الدول العربية السيد عمرو موسى المقبلة لن تقتصر على ترجمة الشق اللبناني من المبادرة العربية فقط، بل ستشمل أيضا الشق العابر للحدود أي النزاع اللبناني-السوري، أو ما يشار إليه دبلومسيا بتطبيع العلاقات اللبنانية-السورية بدءا بترسيم الحدود وصولا إلى تبادل الاعتراف الدبلوماسي على قاعد عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدولة الأخرى.

 

نعم. ترسيم الحدود أولا، لأن ترسيم الحدود عندما يتم يكون نهائيا ولا سبيل للتراجع عنه إلا بإعلان الحرب كونه وثيقة معتمدة لدى منظمة الأمم المتحدة. والتراجع عنه هو إعلان حرب على المجتمع الدولي الذي يحمي جميع الحدود في العالم.

 

أما العلاقات الدبلوماسية فالأرجح أن تقبل بها دمشق أولا للمناورة ولكسب الوقت، لكنها تستطيع قطعها لاحقا، او خفض مستواها تجنبا للوصول إلى حالة إعلان الحرب على لبنان، كما فعلت إيران عندما أبقت موظفا دبلوماسيا في سفارتها ببغداد طيلة عقد الحرب العراقية-الإيرانية. 

 

أما موضوع إعادة النظر في الاتفاقيات المعقودة مع النظام السوري في حقبة الاحتلال فهي شأن وطني لبناني لا دخل لأي قوة غير لبنانية به. 

 

"فضائل" قمة دمشق كثيرة وستبدأ بالظهور ... تباعا.

 

الثلاثاء 1 نيسان 2008

عن موقع لبنان الآن