ألمقاومة" ... من بوابة فاطمة إلى بوابة مار مخايل!

بقلم المحلل السياسي محمد سلام

 

السبت 2 شباط 2008

وقع الصدام وبدأ التحقيق "السريع وغير المتسرع" لتحديد المسؤوليات والإجابة عن السؤال الأساسي: ماذا حصل في منطقة مار مخايل مساء الأحد بالتزامن مع اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة. التحقيق سيجيب حتما عن السؤال حيال ما حصل. ولكن، الأدهى والأكثر خطورة، ليس ما حصل، بل ما استجد بعد الذي حصل، ولا علاقة للتحقيق به. الذي استجد هو أن فصائل الثامن آذار، ومن دون استثناء، وحتى ما يستجد من فصائل سيعلن عن تأسيسها في وقت لاحق من هذا الشهر على الساحة البيروتية-السنية تحديدا، اتفقت على "رواية" تقول إن ما حصل يستهدف "المقاومة"!

 

"المقاومة"! ما دخل "المقاومة" بما تسميه تنظيمات الثامن من آذار مجموعة من الشبان الذين اعترضوا "عفويا" على أمر ما؟

أين هي "المقاومة" من إحراق الإطارات وقطع الطرقات وتحطيم السيارات والتسلل إلى عين الرمانة وإطلاق النار على موقع للجيش في منطقة غاليري سمعان؟

ما دور "المقاومة" في مثل هذه التحركات، أكانت إعتراضية أم مجرد أعمال شغب؟

 

بل أكثر من ذلك، وإذا افترضنا أن التحرك سياسي موجه ضد حكومة الرئيس فؤاد السنيورة وتحالف 14 آذار، فما دخل "المقاومة" به؟

وإذا كان التحرك يستهدف الجيش لاستهداف قائدة مرشح "التوافق" لرئاسة الجمهورية، فما دخل "المقاومة" بذلك؟

والأدهي، بل الأكثر خطورة، أن "المقاومة" أدخلت عنصرا في ما جري بقرار من قياداتها، أو من القيادات التي تقول إنها مسؤولة عنها.

هل فعلا كانت "المقاومة" عنصرا في تلك المواحهة؟

 

وهل كان ذلك الملثم الذي ظهر على شاشات التلفزة وهو يلقي زاجاجة حارقة على صهريج محروقات ويكرج كما الحجل هو عنصر من "المقاومة؟" ومن أي "مقاومة؟" وما هي "العقيدة القتالية" لهذه المسماة "مقاومة"؟ ومن تقاتل هذه "المقاومة؟"

وإذا كان الاستنتاج البديهي من أحاديث وتصريحات ومواقف قادة "المقاومة" أن المستهدف المزعوم من مواجهات مار مخايل هو "المقاومة" ما غيرها، فيعني ذلك أن تلك "المقاومة" ليست مقاومة، بل ميليشيا.

 

فالمقاومة تقاتل "العدو"، والعدو هو الجيش الإسرائيلي، أو أي جيش آخر يستهدف لبنان. هذا في التعريف المنطقي-الواقعي لمهمة المقاومة، أي مقاومة.

أما إذا كانت "المقاومة" معنية بما جرى في ساحة مار مخايل، وما تلاه من "تسلل ميداني" إلى عين الرمانة، فهذه كارثة حقيقية.

كارثة، بالمعنى السياسي، وكارثة بالمعنى القانوني، وكارثة بالمعنى الكياني.

 

الكارثة سياسيا:

أصبحت "المقاومة" وفق تعريف "أهلها" طرفا في صراع مع الداخل. وإذا كان ما جرى في مار مخايل هو المقدمة، فمعنى ذلك، استنتاجا، أن "المقاومة" بدأت تستهدف علنا، جهارا نهارا، الدولة اللبنانية، باعتبار أنها خاضت المواجهة الأولى مع جيش هذه الدولة.

واستهداف هذه "المقاومة" للدولة، سياسيا، يقود إلى أحد تفسيرين:

-إما أن "المقاومة" ما زالت مقاومة، لكن الدولة، من وجهة نظرها، تحولت إلى عدو، ولم يعد العدو هو الصهيوني. أو أن الدولة تحولت إلى "امتداد" لذلك العدو الصهيوني، تطبيقا لنظرية الرئيس السوري بشار الأسد الذي يعتبر السلطة اللبنانية "منتج إسرائيلي،" وفق تعبيره الشهير الذي أطلقه إثر "انتصاره" في حرب تموز-آب العام 2006.

-أو أن "المقاومة" تحولت إلى ميليشيا تسعى إلى إشعال حرب أهلية.

 

الكارثة قانونيا:

-إدخال "المقاومة" بقرار من "أهلها" طرفا في "شغب" يضعها، تلقائيا، في خانة الخارج على القانون، سواء من وجهة نظر القانون اللبناني أو القانون الدولي.

-إدخال المقاومة، وبقرار من "أهلها" أيضا طرفا في "اعتداء" على الدولة، يحولها، من وجهة نظر القانون، إلى عصابة، بالمفهوم الجنائي غير السياسي، أو إلى حالة انفصالية بالمفهوم القانوني السياسي-السيادي.

 

الكارثة كيانيا:

-استثمار "المقاومة" من قبل "أهلها" في نزاع بعد وقوعه، وقبل صدور نتيجية التحقيق فيه، يعني أن "أهل" تلك "المقاومة" يريدون استغلالها في "صراع مفتوح" للإطاحة بالتسوية التي أنهت الحرب الأهلية اللبنانية، والمعروفة باتفاق الطائف، الذي تضمنه الدستور لاحقا.

فوضع "المقاومة" في مواجهة "الجيش" يستعيد المشهدية السياسية التي مهدت لاندلاع الحرب في 13 نيسان العام 1975.

يومها كانت "المقاومة"، وإن فلسطينية، "جيش المسلمين" وفق التعبير المتداول.

 

الآن يريدون لهذه "المقاومة" أن تكون أيضا "جيش المسلمين". يريدون استعادة الانقسام الذي هندسه النظام السوري في سبعينات القرن الماضي.

المشكلة التي تواجه هؤلاء "المهندسين" هي أن للبنانيين، كل اللبنانيين، جيشهم الذي هو الجيش اللبناني، ماعدا الذين لهم "جيش آخر" اختاروا له "المقاومة" إسما، وأسسوا له أولى ثكناته في معسكر مدينة الخيم بساحة رياض الصلح في الأول من كانون الأول العام 2006، بعد ثلاثة اشهر فقط من انتصار المقاومة على العدو الإسرائيلي.

 

وبما أن المهمة تعترضها مشكلة رئيسية هي رفض المسلمين السنة لهذه "المقاومة" جيشا، تزامن الاستثمار السياسي في مرحلة ما بعد واقعة مار مخايل مع الإعلان عن تأسيس تجمع سني بيروتي يضم وجوها لفظتها كهوف التاريخ تعمل على تغطية "جيش" غير شرعي بعباءة رثة دفع ثمنها الحرس الثوري الإيراني وخاطها ريف دمشق بإبر تحقن القيح في الكيان اللبناني.

 

المشكلة التي يعاني منها من هندس واقعة مار مخايل واستثماراتها هي أنه يعيش وهم الماضي ولا يحسن قراءة الواقع: فمقاومة السبعينات هي الآن سلطة في الضفة الغربية وتسعى لأن تكون دولة، ومن أيدها من اللبنانيين في سبعينات القرن الماضي كان يؤيد خيارا عربيا.

أما الخيار الفارسي الذي تدير مخابرات ريف دمشق استثماره بعد واقعة مار مخايل فلن يكون بالنسسبة للبنانيين والعرب أكثر من رجع صدى يستظل ورقة "تفاهم" على إسقاط لبنان. لن يكون لا مقاومة ولا جيش.