ما بعد قمة دمشق!
محمد سلام

 قرار لبنان مقاطعة قمة دمشق وطلب رعاية عربية للأزمة اللبنانية ـ السورية يرقى إلى إعلان انتهاء حقبة جامعة الدول العربية، وبدء البحث في صيغة للعمل العربي المشترك تتجاوز الصيغة الفاشلة التي حكمت العلاقات العربية ـ العربية لأكثر من نصف قرن.

 بمقاطعة لبنان الصغير المستضعف للقمة، معطوفة على قرار الرياض أن تتمثل المملكة العربية السعودية في دمشق "بموظف" ـ في أول تصرف من نوعه في تاريخ القمم العربية ـ انتهت حقبة صيغة "الإجماع" التي حكمت جميع قرارات جامعة الدول العربية على مستوى مؤسسة القمة.

 هل يعني ذلك أن تجربة الجامعة قد فشلت وأن البحث بدأ عن تجربة جديدة للعمل العربي المشترك؟

 كلا.

 ذلك يعني أن "صيغة" اتخاذ القرارات بالإجماع قد سقطت، وبدأ البحث عن صيغة جديدة لاتخاذ القرارات العربية بالاقتراع.

 هل يعني ذلك أن الانشقاق قد بدأ في الواقع العربي؟

 كلا.

 لأن الانشقاق كان دائما سيد الواقع العربي، منذ حلف بغداد والوحدة المصرية ـ السورية في خمسينات القرن الماضي، مرورا بحرب اليمن، والحرب العراقية ـ الإيرانية، والاجتياح العراقي للكويت ... وصولاً إلى الأزمة اللبنانية ـ السورية.

 الانشقاق العربي كان سيد المواقف في الاجتماعات والجلسات المقفلة لمؤتمرات القمة، لكن تظهيره غاب عن البيانات الإجماعية لمؤتمرات منظومة العمل العربي المشترك ... وعلى كل المستويات.

 الآن، وبعد استفحال الأزمة اللبنانية ـ السورية ووصولها إلى مستوى تجاوز الاجتياح العراقي للكويت واحتلالها ليصل إلى محاولة إلغاء دولة لبنان، لم تعد المسألة مقتصرة على عدم قدرة بيانات الإجماع العربي على إخفاء الانشقاق العربي.

 أصبحت بيانات الإجماع العربي تهدد بإسقاط دولة عربية تحت الاحتلال الفارسي، ما يقتضي لمعالجته توحد العرب ضد العدو الجديد كما توحدوا ضد العدو التقليدي، إسرائيل.

 هنا سقط فجور الإجماع لأن بعض العرب، وتحديدا النظام السوري المتحالف مع طهران، لا يمانع في إسقاط الدولة اللبنانية لحساب إيران، عله يستطيع أن يرث أرضها، ويخضع شعبها ويقضي على محكمتها الدولية.

 ولأن العرب يدركون أن سقوط لبنان تحت الاحتلال الفارسي يعني بداية سقوط دولهم، إنطلاقا من الخليج العربي، بدأ بعضهم في دراسة جدية لملامح حقبة ما بعد تجربة جامعة الدول العربية، وكيف يمكن الانتقال من صيغة الإجماع إلى صيغة الاقتراع.

 والتحدي الآن هو في الانتقال من صيغة "اللعم" والـ "التشاؤل" إلى حقبة الـ"نعم" أو الـ"كلا"، الـ"مع" أو الـ"ضد"، بل الانتقال إلى صيغة الفعل العربي المشترك، بعدما وسمت الحقبة السابقة بصيغة اللافعل العربي المشترك.

 بعد قرون من البقاء على هامش التاريخ بدأ العرب التوجه إلى صنع التاريخ، إلى صنع تاريخهم، فالمسألة باتت تتعدى مفردات قديمة خاوية على مثال النظام العربي ... الذي كان دوما أنظمة، وعلى مثال "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" ... الذي كان دوما كاذباً، منذ شعار "ماكو أوامر" الذي ميز حرب فلسطين الأولى في العام 1984 إلى فلول "علوج" نظام صدام حسين الذي ضيع البوابة الشرقية للعالم العربي، وفتحها أمام الغزو الفارسي، مرورا بشعار الاحتلال "الشرعي والمؤقت" للبنان من قبل قوات نظام الأسد ووصولا إلى معزوفة المقاومة التي تحرر أرضاً من محتل لتقدمها إلى محتل آخر.

 مهمةٌ هذه القمة التي ستعقد في دمشق يوم السبت المقبل لأنها ستطلق في عواصم أخرى احتفالاً عربياً سعيداً بإنهاء حقبة الخواء العربي والاستعداد لصنع تاريخ العرب الحديث بدءاً بترسيم حدود لبنان التي ستحمي حدود كل الشعوب العربية.

 مهمةٌ جداً هذه القمة لأنها ستسقط ما تبقى من أوراق توت، هذا إذا كان قد بقي من يخجل من عريه، أو حتى ... من عورته.

 ما بعد القمة الآتية، حتماً، لن يكون كما قبلها. حتى من أطلق الشعار المعكوس يعلم أنها لن تكون كما قبلها لأنه وعد بهدر دم الثوريين والكتاب والصحافيين والمثقفين، وحتى المقاومين الذين لا يوافقون على رأيه.

 إذا كان ما بعد قمة دمشق كما قبلها فإن ذلك سيعني، بالاستنتاج المنطقي البسيط، أن من سيمارس القتل بعدها هو نفسه من مارسه قبلها.

 التحدي الذي يواجه جميع اللبنانيين والعرب، من غير المستعربين، هو أن يكون ما بعد قمة دمشق هو تماماً عكس ما كان قبلها.

عن موقع لبنان الآن
26 آذار 2008