أوتوستراد" الغجر- الوزاني و"الوعد الصادق-2"

محمد سلام

 هل سد الأفق، الداخلي، بوجه حزب الله وبدأ يعد لحرب جديدة مع إسرائيل بهدف إعادة جيش نظام الأسد إلى لبنان بعدما فشلت حربه السابقة التي حققت نصره "الآلهي" في إنجاز هذه المهمة تحديدا؟

 

نعم، مهمة حرب "الوعد الصادق" في تموز العام 2006 كانت إعادة الاحتلال الإسرائيلي للأرض اللبنانية، ما يبرر "الاستنجاد" بالجيش الشقيق للعودة إلى لبنان و"إنقاذه" من العدو الإسرائيلي.

 

الاحتلالان، السوري والإسرائيلي، عاشا في لبنان بالاتكاء إلى بعضهما البعض على صدور اللبنانيين.

 

قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701 هو الذي أفشل مهمة "الوعد الصادق"، وأخرج إسرائيل من الجنوب، وبالتالي أفقد حزب الله ورقة الاستنجاد بالجيش "الشقيق" وفتح أبواب الحدود أمامه للعودة إلى لبنان.

 

من هنا حقد حزب الله على حكومة الرئيس فؤاد السنيورة لأنها ساهمت، بل أدت دورا رئيسيا، في إنجاز القرار 1701 الذي أقام منطقة عازلة جنوبي نهر الليطاني، وأدخل الجيش اللبناني إلى الحدود الجنوبية للمرة الأولى منذ 30 عاما، وأعطى المنطقة الحدودية 18 شهرا من الهدوء الذي لم تنعم به منذ اتفاق القاهرة البائس في العام 1969.

 

وبعد انتقال "المقاومة إلى شمالي نهر الليطاني، حظي ما تبقى من لبنان بـ 18 شهرا من الاضطرابات الموجهة ضد حكومة السنيورة وقوى 14 آذار وما تمثله من توجه سياسي سيادي، استقلالي، يرفض إبقاء لبنان ساحة لصراعات نظامي دمشق وطهران مع بقية العالم.

 

بدأ الاضطراب، ميدانيا، بإقامة مستوطنة الخيم ذات السيادة في ساحة رياض الصلح الاستقلالي ببيروت في الأول من كانون الأول العام 2006 لإسقاط تلك التي كانت قبل ثلاثة أشهر "حكومة المقاومة". وفي 23 كانون الثاني العام 2007، نفذ الاجتياح المقنع للبنان السيادي. وتوالت المهمات "المقاومة" وصولا إلى "بوابة" مار مخايل و"تخوم" عين الرمانة في 27 كانون الثاني الماضي بعدما كانت قد جالت على "خطوط التماس" الأخرى في بيروت، وغيرها.

 

ما اثار السؤال عن تحضير حزب الله لحرب جديدة مع إسرائيل هو ما جرى أوائل هذا الأسبوع في منطقة الوزاني-الغجر من القطاع الشرقي في جنوب لبنان، حيث أطلقت القوات الإسرائيلية النار، فقتلت مواطنا لبنانيا من عرب الوزاني، وأصابت ثانيا من خارج المنطقة واختفى الثالث.

لماذا كان "المواطنون" الثلاثة "يتنزهون" ليلا على "أوتوستراد" الشريط الشائك في منطقة الوزاني-الغجر التي لا يتجرأ الضبع على التجول فيها ليلا أو نهارا؟

 

ولماذا سارعت عناصر أمن حزب الله إلى مستشفى مرجعيون لنقل الجريح ولم تسمح للصحافيين بتصويره أو التحدث إليه مع أنها تعتمد عادة نظرية الترويج للضحايا؟

 

أين "المواطن" الثالث الذي كان ضمن مجموعة "المتنزهين" على "أوتوستراد" الغجر-الوزاني؟

 

السؤال حق لكل لبناني، وواجب على حكومة السنيورة تحديدا التي تقدمت بشكوى إلى الأمم المتحدة ضد الاعتداء الإسرائيلي على الأرض اللبنانية وعلى المواطنين اللبنانيين.

 

والسؤال يوجه أيضا إلى حكومة السنيورة: هل تعلم لماذا كان "المواطنون" "يتنزهون" في المنطقة ليلا؟

 

وإذا كانت تعلم، فلمَ لم تقل لشعبها؟ وإن لم تكن تعلم، هل استعلمت، وما نتيجة الاستعلام؟

 

للشعب اللبناني حق في الاستعلام وفي الاطلاع على نتائجه، تماما كما هو حق للشعب اللبناني الاطلاع على نتائج التحقيق في مسببات ونتائج أعمال الشغب على "بوابة" مار مخايل يوم 27 كانون الثاني الماضي.

 

السؤال عن الحرب مع العدو لإلحاق الهزيمة بالداخل طرح للمرة الأولى في الثامن من آذار العام 2005، عندما أخرج حزب الله جمهوره إلى شوارع بيروت ليهتف "شكرا سوريا" ويشتم كل من يطالب قواتها بالانسحاب من لبنان.

 

هتافات ذلك الثامن من آذار وضعت العنوان السياسي لما جرى بعد ذلك، وتحديدا عنوان "الوعد الصادق" بشن حرب إعادة جنود الأسد إلى لبنان.

 

في ذلك الآذار، أهدت المقاومة بندقيتها إلى رستم غزالي، شخصيا، يوم كان لبنان يتهمه، شخصيا أيضا، ومع غيره، بالضلوع في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

 

في ذلك الآذار، هدر جمهور حزب الله "يا بشار لا تهتم عندك ... بتشرب دم." والهتاف موثق ومسجل على أكثر من شريط فيديو، وموجود في أكثر من أرشيف، كي لا نقول في أكثر من ملف.

 

المهمة، بما هي المحافظة على بقاء قوات الأسد في لبنان لإدامة السيطرة عليه، بدأت في حزيران العام 2000، بعد أيام من الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان، الذي أربك قيادة دمشق، لأنه أطلق المطالبة بسحب قواتها من لبنان، تحت شعار خجول في البداية اقتصر على المطالبة بإعادة انتشار الجيش السوري تطبيقا لاتفاق الطائف.

 

في خطابه الشهير الذي القاه من ثانوية بنت جبيل بعد التحرير مباشرة في أيار العام 2000، أهدى أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله النصر إلى الشعب الفلسطيني، ولم يأت على ذكر استمرار المقاومة حتى تحرير مزارع شبعا.

 

بعد أيام فقط، أخرج"ساحر" الدور السوري في لبنان من قبعته مزارع شبعا، التي احتلتها إسرائيل من قوات الدرك السورية في حزيران العام 1967، وقال إن "المقاومة مستمرة" في مهمتها حتى تحرير المزارع من الاحتلال الإسرائيلي.

 

والمزارع كانت تحت سيطرة الدرك السوري منذ العام 1958، وأكثر من يعلم هذه الحقيقة هو العماد ميشال عون شخصيا لأنه حاول الدخول إليها على رأس قوة راجلة في ستينات القرن الماضي، وكان برتبة ملازم، فأعاده الدرك "الشقيق" ... إلى لبنان. 

 

واستمر فولكلور مزارع شبعا في أداء مهمته "المقدسة" المقتصرة على إبقاء الاحتلال الإسرائيلي، نظرا للخلاف على الهوية السورية أو اللبنانية لمزارع شبعا، بهدف إدامة بقاء جيش الأسد في لبنان.

 

لكن الدماء التي سالت في 14 شباط العام 2005، وانتفاضة الاستقلاليين اللبنانيين على وقعها أخرجت ذلك الجيش "المقاتل" من الأراضي اللبنانية بعد أقل من شهرين.

 

وما أن بدأت تباشير الجلاء عن لبنان، حتى أطلق حزب الله مهمته الجديدة لإعادة جيش الأسد إلى الأرض التي احتلها لثلاثين عاما.

 

لذلك، يبدو السؤال منطقيا:

 

متى سينفذ حزب الله، مباشرة أو عبر أداة ما، حرب الوعد الصادق-2 لإعادة إسرائيل إلى لبنان، وإعادة جيش الأسد في ظلها؟

 

إنها مسألة وقت فقط.

 

وعلى حكومة الرئيس السنيورة أن تقدم الإجابات لشعبها عما جرى على "أوتوستراد" الشريط الشائك في "منتجع" الوزاني-الغجر، وعما يجري في غيره من "المنتجعات"، ولن يكفي هذه المرة أن تنتظر ساعة الصفر التي سيحددها حزب الله لتقول "لم أستشر ولا أعلم".

 

حكومة الرئيس السنيورة مطالبة بأن تعلم (بفتح التاء)، وبأن تعلم (بضم التاء)، خصوصا أننا نعلم أنها تعلم. 

 

المقالة تخذت عن موقع لبنان الآن

الاربعاء 6 شباط 2008