أيها الرئيس، "أرنا قيامته المجيدة"

بقلم الدكتور فيليب سالم

 

إثنان أعيا الدهر أن يبليهما لبنان والأمـل الـذي لذويه ( إيليا أبو ماضي)

 

كما تعمَدوا بالحزن والألم! وكان اللبنانيون قد نسوا ان هناك شيئاً اسمه الفرح. لذا، فهم اليوم في دهشة وحيرة، يتساءَلون اذا كان هذا الفرح الذي جاء البارحة، قد جاء ليبقى! وهم، لا يزالون في خوف كبير على الوطن الصغير. يخافون ان يتسلل الأمل الى نفوسهم، يخافون ان يتسلل الفرح الى قلوبهم. كلهم، منتشرين ومقيمين، يتطلعون اليك ايها الرئيس ويقولون لك: لقد انتظرنا طويلا "فأرنا قيامته المجيدة".

 

ولربما تعتقد ايها الرئيس، وبتواضعك المعهود، ان "قيامته" مؤجلة لأجل ما، ليوم ما، لان هذه القيامة تحتاج الى قوة تفوق قوتك. لذلك جئنا لنقول لك إننا نعتقد عكس ذلك. نحن نؤمن بأنك تمتلك فرصة تاريخية لم يمتلكها رئيس من قبلك، وبأنك بالفعل قادر على الوصول بنا الى "القيامة". هذا، اذا عرفت، وبكل موضوعية، اين تقف انت اليوم، واذا عرفت، وبكل جرأة، اي طريق تسلك بنا غدا.

 

ولنبدأ، بأين تقف أنت اليوم؟

 

لم يأت رجل، ايها الرئيس، الى سدة الرئاسة، في لبنان أو قل في العالم كله، بالاجماع الذي أتيت به أنت. لقد وصلت الى هنا بإجماع لبناني لا مثيل له، وإجماع عربي ودولي لم يشهده لبنان من قبل. وأهم من ذلك، انك وصلت الى هنا، وأنت لست مثقلا بالفساد والجرائم كالكثيرين ممن سيجلسون ال  الطاولة عينها معك. وحدك انت اليوم، تمثل الارض والشعب والمؤسسات. وحدك انت اليوم، تجسد الشرعية اللبنانية.

 

هنا تكمن قوتك. اما في الجهة الثانية، فيمكن ضعفك. انت تعرف، ايها الرئيس، ولربما، اكثر من غيرك، انك لست الحاكم الفعلي للبنان. فالحاكم الفعلي هو سيد المقاومة. فسيد المقاومة يمتلك القوة العسكرية التي لا تمتلكها انت. وهو اليوم، باتفاق الدوحة الجديد، يمتلك حق الفيتو في مجلس الوزراء، وهو حق لا تمتلكه انت. واهم من ذلك، فسيد المقاومة يمتلك حق صنع القرار المحوري، قرار الحرب والسلم مع اسرائيل وقرار التفاوض معها. وايضا، يكمن ضعفك ايها الرئيس، في انه ستكون مكبلا بحكومة، ستمثل، على الارجح، كل شعوب لبنان وطوائفه وحروبه، لكنها لن تمثل لبنان. وزراء يمثلون الغالبية، ووزراء يمثلون الاقلية، ووزراء يمثلونك انت. فاين الوزراء الذين يمثلون لبنان، كل لبنان؟ وأين الوزراء الذين لا ينتمون الى احد الا لبنان؟ وكيف ستصنع هذه الحكومة قراراتها وهناك من يمتلك حق الفيتو على قرارها؟

 

ونحن ايها الرئيس لسنا ببسطاء لنجهل انك تعرف كل ذلك، لكننا جئنا لنقول لك، انه على رغم الضعف الذي انت فيه، انت تمتلك اكبر قوة وهي قوة الشرعية اللبنانية. ونود ان نقول لك ايضا، كم مهم انك تمتلك هذه القوة الا ان الاهم هو كيف تستعملها.

 

تستعمل هذه القوة وتقف مكانك. إياك ان "تزيح أنمل شعرة" وإياك ان تخاف الموت. إياك ايها الرئيس ان تقبل بشيء اقل من "بسط سلطة الدولة على جميع اراضيها" ومن يعرف الارض وماذا تريد، اكثر منك؟ وإياك ان تقبل بشيء اقل من ان يكون "السلاح، كل السلاح في عهدة الدولة" وانت تعرف اكثر منا جميعا انه ليس هناك سلاح للداخل وسلاح للخارج. كما انه ليس هناك سلاح خارج المخيمات وسلاح داخلها. فالسلاح هو السلاح. ومن يمتلك السلاح، يمتلك القوة. ومن يمتلك القوة، يمتلك القرار السياسي.

 

كيف نصل الى ذلك؟ نصل الى هذه الاهداف بالابتعاد عن سياسة الشعارات والتحدي، وسياسة الحقد والارتجال والارتفاع الى سياسة الديبلوماسية الجريئة والذكية وسياسة الحياد الفاعل. وفي موضوع الحياد. هناك نوعان منه: فإما ان تكون حيادياً من جميع الافرقاء وتدعهم يقودونك في كل اتجاه، ويكون هذا الحياد حياداً غير فاعل. واما ان تكون حيادياً وتقود جميع الافرقاء الى الهدف الذي تريد، ويكون هذا الحياد حياداً فاعلاً. وماذا عن الديبلوماسية الذكية؟ هي الديبلوماسية التي تكون مصلحة لبنان، وحده لا غيره، هدفها. وتقوم هذه الديبلوماسية على العقل ومعرفة العالم والقدرة على الحوار مع جميع الافرقاء في الداخل وجميع الافرقاء في الخارج وبالاخص مع الدول المتصارعة في لبنان: اميركا والسعودية وسوريا وايران. والقدرة على اقناع هؤلاء واولئك بأن لبنان يريد ان يكون صديقاً لكل منهم ولا يريد ان يكون عدواً لاحد. وترتكز هذه الديبلوماسية على مفاهيم عدة، نتكلم هنا عن بعضها:

 

اولاً: في يدك ايها الرئيس "ورقتان" لم تحلم يد من قبلك ان تمسك بهما: ورقة الشرعية الدولية المتمثلة بقرارات مجلس الامن، وورقة الشرعية العربية المتمثلة بقرارات مؤتمر الدوحة، كل هذه القرارات تقول "ببسط سلطة الدولة على جميع اراضيها". هذا هو المدخل الكبير للديبلوماسية ايها الرئيس. فلا بد ان تحول الديبلوماسية الذكية هاتين الورقتين حقيقة سياسية جديدة وواقعاً جديداً على الارض.

 

ثانياً: ومن الاخطاء الفادحة التي وقعنا فيها الاعتقاد ان "نزع" سلاح المقاومة يمكن ان يتم بواسطة القوة. اية قوة اكانت قوة "القوات المتعددة الجنسية" ام قوة قوات اخرى قد تطلبها الدولة اللبنانية. واكبر خطيئة يمكن ان ترتكبها الدولة هي ان توجه سلاحها ضد سلاح المقاومة. هذه القضية، قضية السلاح، لا تحل بالسلاح، بل تحل بالديبلوماسية الذكية. وان هذه القضية لا تحل بالحوار الداخلي، بل بالحوار مع سوريا وايران. نحن نرفض اذلال المقاومة او هزيمتها. ولكن في الوقت ذاته، نرفض ان يكون لبنان، كما هو الآن، دويلة في دولة المقاومة. وكذلك نرفض ان تعود المقاومة دويلة في دولة لبنان. نحن نريد دولة واحدة، لا دويلات فيها هي دولة لبنان.

 

ثالثا: نحن معك أيها الرئيس عندما قلت في خطاب القسم "ان نشوء المقاومة كان حاجة في ظل تفكك الدولة". ونحن معك ايضا عندما قلت "ان نجاحها في اخراج المحتل يعود الى بسالة رجالها وعظمة شهدائها". لكننا لسنا معك "على ان بقاء مزارع شبعا تحت الاحتلال، ومواصلة العدو تهديداته وخروقاته للسيادة يحتم علينا استراتيجية دفاعية". ان الاستراتيجية الوحيدة التي نؤمن بها لتحرير باقي الارض هي الديبلوماسية. والاستراتيجية الدفاعية الوحيدة التي نقبل بها هي ان يكون قرار الحرب وقرار استعمال القوة في يد السلطة اللبنانية وحدها. ونرفض وبكل قوة، ان يكون قرار الدفاع عن لبنان في يد المقاومة. كما نرفض ان يكون هذا القرار قرارا ثنائيا بين الدولة والمقاومة.

 

 رابعا: سوريا وفن التعامل معها. كيف ستتعامل معها يحدد من ستكون كرئيس. نحن نحثك بقوة على الحوار معها. لكننا نذكرك بأن هناك خطا رفيعا بين ارساء افضل العلاقات معها والاحتفاظ بالسيادة والاستقلال والحرية. هذا الخط تحدده الديبلوماسية. ونقول: ان سوريا اليوم هي غير سوريا البارحة. فسوريا اليوم تقوم بمفاوضات علنية بينها وبين اسرائيل. وتجري هذه المفاوضات في رعاية دولة اسلامية. وللمرة الاولى في غياب الراعي الاميركي. ان سوريا اليوم تحتاج الى غطاء الشرعية اللبنانية. لقد استعملت سوريا لبنان في الماضي ورقة للوصول الى أهدافها، فهل أنت حاضر أيها الرئيس لاستعمال سوريا اليوم ورقة للوصول الى أهدافنا؟ هناك زلزال سياسي آت الى الشرق أيها الرئيس، نتيجة الصراع بين الغرب وايران على مشروعها النووي. فهل نحن حاضرون لديبلوماسية جديدة، وعقلية جدية لاستثمار هذا الزلزال في مصلحة لبنان؟ قلنا ونكرر ان العداء لسوريا خطأ وان الخروج من الازمة يتطلب حوارا في العمق ليس فقط مع سوريا، بل مع ايران ايضا.

 

ونطلب منك المغفرة ايها الرئيس ان كنا قد أسهبنا في النصح. فنحن نخاف عليك ونخاف أكثر على لبنان. نحن، نخاف ان تغادر القصر بعد ست سنوات، كما غادره غيرك، مباشرة الى النسيان. نحن نريدك ان تبقى حيا في ضمير لبنان. نحن نريد أن نرى قيامته المجيدة.

 

ونتوجه الى المقاومة ونقول لها: ننحني أمام شهدائك، أيتها المقاومة، وننحني امام تضحياتك، ولن نكون يوما كافرين أمام بطولاتك. ولكن نرجو أن تسمحي لنا ولو مرة واحدة أن نكون صادقين معك، وأنت من يحترم الجرأة، ويحتقر الرياء، وان نبوح لك بأنه قد قامت في الماضي مقاومات اخرى غيرك في لبنان، ثم ما لبثت ان ذهبت، وبقي لبنان. لقد حان الوقت أيتها المقاومة ان ترتقي الى البطولة، وتنحني امام لبنان. لقد حان الوقت ان تعودي الى حضن الدولة، الى لبنان، انه الوحيد الباقي. وإياكم ان يصدق أحد. وحده لبنان "إلهي" اذ ان هذه الارض كانت قد سكنتها "الآلهة" قبل ان تسكنها البشر. سلوا الارض. ولماذا أنتِ صامتة أيتها الارض؟ تكلمي.