كبّة حلبية

بقلم/ريمون جبارة

 

يوم الاحد الماضي كانت الذكرى السنوية الاولى لاستشهاد البطل فرنسوا الحاج. حارب هذا البطل بعقيدته وبجسده فما اختبأ تحت الارض كما فعل غيره ولا يزال يفعل. في وطننا الشقيق وحدهم الابطال يموتون.

 

مات كل ابطال الاستقلال الثاني لأنهم ليسوا وطاويط ليل. ذاك الاحد تفرجت على ذكرى البطل على شاشة التلفزيون وبكيت لا على الشهيد فالشهداء تبدأ حياتهم لحظة مماتهم، بل بكيت على لبنان الذي فرّغوه من ابطاله لتبقى "الساحة" للزعبرجية يسرحون ويمرحون. أصحاب العقول الصغيرة منهم يظنون انفسهم ابطالاً، مكتفين بتصديق انفسهم.

في ذاك الاحد نفسه، كانت مأدبة اخوية في حلب اجتمعت حولها عائلتان تمثّلان الاخوّة الصادقة غير القابلة للزغل، وكان افراد العائلتين يتبادلون انخاب تلك الاخوّة بين كدشة وأخرى من أقراص الكبّة المشهورة بها حلب، ويتبادلون من حين الى آخر ابتسامات الأخوّة (واحد منهم كان يضحك على الآخرين)، وقد جمعت المناسبة الاولاد والزوجات والصهورات (من تبقّى منهم).

 

ويقول المثل: "طعمي الفم تستحي العين"، لذلك استحى مَن من عاداته الاّ يستحي. وقد استحى بالسؤال عن المفقودين لدى ربّ المائدة (بسيطة، المشوار الجايي).

 

من غرائب الامور، ان مرويات ذاك الاحد حملت خبراً من العدو يقول ان سلطاته ستفرج عن 250 اسيراً فلسطينياً، وليس غريباً ان يكذب العدو علينا. ولأن الاطفال لا يكذبون فقد عرض التلفزيون (احدى المحطات العربية) صوراً لأطفال جائعين وخائفين يروون كيف أحرق أهلهم كتبهم المدرسية لحاجتهم الى التدفئة بعدما ضيقت السلطات العدوة الخناق عليهم. فالشعب المحتل فلسطين، كل نفر فيه جندي مدرّب على الاختباء من صاروخ ينفجر فيؤذي الحجر أكثر مما يؤذي البشر، والعدو مبسوط جداً (شو بدّو افضل من هيك حجة لقتل الاطفال والابرياء الفلسطينيين؟).

 

زمن الابطال في فلسطين ولّى، فلقد استشهد عرفات وابطال زمانه تاركين الساحة للبهورجية الذين يشبهون "تبعولنا" ويبقى شعار الأمة الأبية (الحكومات البهورجية): موتوا ولا تخافوا فنحن معكم ومع قضيتكم. كأن القضايا هي أهم من لقمة الخبز وحبة الدواء للجائعين والمرضى. وكما عندنا كذلك عندهم، فالمخلصون من السياسيين الفلسطينيين متهمون بأنهم عملاء للغرب.

 

كثر ينسون ان ابا عمار لم يكن عميلاً ولا جورج حبش وكل الذي استشهدوا فداء فلسطين. الذين يتهمونهم يختبئون كالذين هم عندنا. فلا يطال غدر العدو الاسرائيلي سوى الاطفال والناس العزل الابرياء.

 

في الختام أشفق عليكم أنتم الاتقياء في هذه الأمة والذين تعيشون جحيماً لا تحتمل بعدما اجتاحت كوليرا النفاق شعوب المنطقة من الخليج الى المحيط... وأبعد شويّ.

والله وليّ التوفيق.

 

15 كانون الأول 2008