شرف الخيانة العظمى

بقلم/محمد سلام

الجمعة 5 أيلول 2008

 

النظام السوري أعلن خطة حرب العودة إلى لبنان.

 

الإعلان صدر عن قمة الهرم، وفي قمة رباعية، جمعت إلى الرئيس بشار الأسد أمير قطر, ورئيس وزراء تركيا ... والرئيس الفرنسي نيقولا ساركوزي.

 

حدد النظام السوري بوابة العودة، والخصم.

 

بوابة العودة هي شمال لبنان، والخصم، كما حدده، هو التطرف السلفي.

 

ومع الإعلان جرى تسريب معلومة خطرة: الأسد أبلغ ساركوزي أن السلطات السورية اعتقلت شاكر العبسي.

 

التزامن بين إعلان خطة حرب العودة والاعتقال المزعوم لذلك العبسي خطير ... جدا.

 

الخطة تريد أن تقول، لمن يريد أن يصدق، إن "الإرهاب" السني يعشعش في لبنان، وإن النظام السوري قادر على "اجتثاثة"، إذا كلف بالمهمة، حفاظا على استقرار "لبنان والمنطقة والعالم".

 

العرض أعلن بحضور ساركوزي في دمشق مع أن النظام السوري لم يقدمه له، لأنه يعلم أن فرنسا غير قادرة على رعاية "دور إقليمي".

 

العرض أعلن بحضور ساركوزي، ورئيس الوزراء التركي وأمير قطر، كي يقدم لإسرائيل التي تجمع تركيا بينها وبين دمشق، ولأميركا التي تجمع قطر بينها وبين دمشق، علّ الدوحة تنجح في إقناع واشنطن، واسطنبول تنجح في إقناع تل أبيب بإعادة إحياء دور للنظام السوري في لبنان.

 

الخطة، تقول التالي: "الإرهاب السلفي الذي يتحصن في جبال أفغانستان وباكستان والصحراء الأفريقية انتقل الآن إلى ساحل المتوسط واتخذ من مدينة طرابلس وشمال لبنان أول قاعدة بحرية له، يستطيع منها التسلل إلى أوروبا وتهديد الغرب عمومًا. لذلك وجب اجتثاثه ... كلفونا بالمهمة. نحن جاهزون".

 

أما "بدل الأتعاب" الذي يريده من يسعى للحصول على "المناقصة" فهو ... لبنان مجددا.

 

ببساطة هذه هي الخطة. ولكن ذلك لا يعني أن أحدًا قبل بها ... حتى الآن. لم يتم، بعد، بيع ولا شراء. ولكن ذلك لا يعني أن نواقيس الخطر لم تقرع.

 

قرعت نواقيس الخطر بمجرد أن أعلن الأسد "خوفه" على لبنان ونصحه لرئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان بنقل تعزيزات عسكرية إلى الشمال لمنع انفجار الوضع، ما استدعى توضيحًا من قيادة الجيش بأن لا صحة للمزاعم بأن قواتها تعد لعمل عسكري ضد تيارات سياسية معينة، وأنها تنفذ قرارات السلطة السياسية.

 

النصيحة المزعومة  تهدف، استنتاجا، إلى التمهيد لإعلان دمشقي لاحق بأن الجيش اللبناني "فشل" في تأمين الاستقرار في الشمال ما يعزز، من وجهة نظر النظام السوري، التوجه الدولي لتكليفه بـ"ضبط" لبنان.

 

وهذا يستدعي استحضار العبسي مجددا إلى الصورة الإعلامية عبر الإعلان  المزعوم عن اعتقاله في سوريا، بعد "اختفائه" المشبوه من نهر البارد.

 

العبسي، يوم خرج أو أخرج من نهر البارد، عاد، أو أعيد، إلى الجهة التي أرسلته إلى لبنان، والأرجح أنه أعيد لأنه لم يكن ليعود من تلقاء نفسه لمواجهة مصير أسود لأنه يعلم أن نظام دمشق سيقتله عقابا له على الفشل في مهمته، كما قتل قبله "معلمه الشرعي" المعروف باسم أبو القعقاع على باب مسجده في حلب بعد فشل مخطط إعلان الإمارة الإسلامية في شمال لبنان.

 

العرض قدم للعودة إلى لبنان. ولكن شروط قبوله لم تكتمل، لأن ظروف التكليف الأول للنظام السوري بالدخول إلى لبنان في العام 1976 غير متوافرة الآن.

 

في ذلك الوقت طلبت "الجبهة اللبنانية" من النظام السوري "العربي" إنقاذ مسيحيي لبنان من "خطر عربي" هو منظمة التحرير الفلسطينية. رحبت إسرائيل بالفكرة لأنها تخلصها من جوار ياسر عرفات على ألا  تتجاوز قوات النظام السور خط نهر الأولي جنوبا وألا يحلق طيرانها في سماء لبنان، ورحبت أميركا بالفكرة بعدما أطلق مستشارها للأمن القومي إذذاك زبيغنيو بريجنسكي عبارته الشهيرة "وداعا منظمة التحرير"، ولم يمانع بعض العرب ... فكان الدور السوري.

 

الدور السوري أنهاه في لبنان من طلبه اساسا. تصدى له المسيحيون بعد مسار انكافئي منذ مقتل الرئيس بشير الجميل في العام 1982، فكان النداء الأول للمطارنة الموارنة في أيلول العام  2000، وانضم إليهم الدروز بعد زيارة غبطة البطريرك الشهيرة إلى الجبل وما أعقبها من توقيفات نفذها نظام الرئيس السابق إميل لحود في السابع من آب على باب قصر العدل ... وانضم اللبنانيون السنة إلى المسيرة على وقع دماء الرئيس الشهيد رفيق الحريري بعد جريمة 14 شباط العام 2005، فخرج الجيش السوري ... بعد شهر.

 

مسار العودة إلى لبنان بدأه النظام السوري مع مسيرة 8 آذار الشهيرة التي أعلن خلالها "حزب السلاح" الولاء للأسد، وأهدى بندقية مقاومته لرمز مخابراته في لبنان.

 

الحلقة الثانية من مسار عودة النظام السوري إلى لبنان كانت استعادة ميشال عون ليتولى مهمته غير المقدسة مجددا: شق المسيحيين وفتح أبواب لبنان أمام جيش الأسد كي تفتح له أبواب قصر بعبدا.

 

المحطة الثالثة، بعد تعثر المسار العوني، كانت في ذلك اللقاء المسيحي "الوطني" الذي جمع في صورة واحدة رموز الوصاية السورية على لبنان ولم ينس ... حتى ميشال سماحة.

 

محطة العبسي في نهر البارد فشلت كما فشلت بعدها محطة التفاهم السيء الصيت بين بعض المسامير السلفية و"حزب السلاح"، ما اقتضى تحذيرا مباشرا من الأسد من الخطر "السلفي الإرهابي" لأن، السلفيين، الذين رفضوا أن ينضموا إلى "ملائكة" حزب السلاح تحولوا في أقل من اسبوعين إلى "إرهابيين" خطرين.

 

ولا ينقص صورة الإرهابيين كي تكتمل سوى لحية العبسي القابع في سوريا.

 

الفارق الأساسي بين تكليف العام 1976 والعرض المقدم الآن هو في المكونات:

 

-في العام 1976 كان طالب التدخل لبنانيا-مسيحيا.

الآن، لا يوجد من يجرؤ على طلب التدخل السوري ... علنا.

 

-في العام 1976 كان الخطر المشكو منه عربيا، وكان "المخلص" الذي يتم الاستنجاد به، عربيا أيضا. هذا ما تفتقت عنه عبقرية بعض المشاركين في اللقاء المسيحي "الوطني" الحالي، أو بعض ورثتهم.

 

الآن، الخطر المزعوم من قبل النظام السوري هو لبناني سني. ومهما فعل النظام السوري لن يستطيع أن يوطن شاكر العبسي في لبنان، أقله لأن عون يرفض التوطين، ولأن اتفاق الطائف يرفض التوطين، ولأن الدستور يرفض التوطين، ولأن نواب 14 آذار قدموا اقتراح تعديل دستوري يجعل من تبني قرار بالتوطين مجرد استحالة، ولأن الرئيس الفلسطيني محمود عباس يرفض التوطين ... أيضا.

 

-في العام 1976 كان المطلوب من نظام عربي قومي علماني أن يتصدى في لبنان لمنظمة عربية وطنية ترفض الاستلحاق القومي.

 

الآن، يريد النظام العلماني السوري مواجهة لبنانيين في لبنان. ما يعني أن اي محاولة منه لاجتياز الحدود ستكون إعلان حرب على دولة سيدة ... ما لم يطلب حلفاؤه من المشاركين في النظام اللبناني وسلطاته الدستورية تدخلا أجنبيا.

 

المطارنة الموارنة، في ندائهم التاسع، استبقوا مثل هذا التواطؤ فأعلنوا صراحة أنه "خيانة عظمى".

 

دبابات النظام السوري تنتظر خيانة عظمى ... لاجتياز الحدود اللبنانية، فهل من يسعى إلى مثل هذا "الشرف" الذي سيقودنا إلى ... كوسوفو؟

 

عن موقع لبنان الآن