14 آذار والسير على الحبال

بقلم/محمد سلام

 

ستة انتصارات مباشرة حققتها حركة 14 آذار عبر تأليف الحكومة الأولى في عهد الرئيس ميشال سليمان:

 

-الانتصار الأول، والأبرز، وهو أساس الانتصارات، يتلخص بالضربة الموجعة التي وجهت للأقلية بزعامة "حزب السلاح" عبر تكليف الرئيس فؤاد السنيورة تأليف الحكومة. بقي السنيورة في السراي الكبير وخرجوا من ساحة رياض الصلح هم وخيامهم وما كانت تحتويه.

 

-الانتصار الثاني سجله السنيورة بنجاحه في تأليف حكومة كي لا يبقى الرئيس ميشال سليمان، الذي كان انتخابه أيضا انتصارا للدستور، من دون حكومة تواجه معه الآتي من الوعود الصادقة. وقد تكون الصدف لعبت دورها فصدرت مراسيم التأليف عشية الذكرى الثانية لتلك الحرب البائسة ... التي هزم فيها لبنان ... وانتصر غيره.

 

-الانتصار الثالث تمثل بوضع وزارة العدل في عهدة القوات اللبنانية، نعم القوات اللبنانية ما غيرها، التي دعمت اتفاق الطائف وسلمت سلاحها للدولة في حقبة الاحتلال السوري ... فضربت لأنها رفضت الخضوع للمحتل، واضطهدت وحظر نشاطها وسجن طبيبها 11 عاما، فتخرج من معاناته حكيما ... بالعدل.

 

-الانتصار الرابع سجلته 14 آذار في مواجهة احتكار "حزب السلاح" وملحقاته للتمثيل الشيعي، فحل إبراهيم محمد مهدي شمس الدين وزيرًا ليرفع في قلب السلطة التنفيذية صوتًا لبنانيًا-شيعيًا-عربيًا يقول لا لولاية الفقيه الفارسي على جبل عامل الذي كان قد شيع إيران في عهد الأسرة الصفوية. ومن لا يعرف هذه الحقيقة عليه مراجعة تاريخ العاملي حسن الكركي، إبن جباع، لؤلؤة إقليم التفاح.

 

-الانتصار الخامس هو انتصار مقارن، إذا صح التعبير، ويتمثل في قدرة 14 آذار على ضم وزير شيعي مستقل، من خارج الهيكلية التنظيمية لقواها، إلى الحكومة هو إبراهيم شمس الدين، بما يعنيه في رمزيته الشيعية كونه نجل سماحة الإمام الراحل محمد مهدي شمس الدين صاحب الوصايا الوطنية، مقارنة بفشل مجموعة "حزب السلاح" في إيجاد شخصية سنية تقبل بالمشاركة الحكومية تحت مظلتها.

 

-الانتصار السادس تعددي بلورته  قدرة 14 آذار على التمثل بأربعة وزراء مستقلين - سني، وشيعي، وأرثوذوكسي وكاثوليكي - مقابل عجز مجموعة "حزب السلاح" عن ترشيح أي مستقل، من أي طائفة. مبدأ الاستقلال ممنوع في "وثيقة التفاهم" بين "حزب السلاح" وأتباعه. 

 

هزيمتان سجلتا على 14 آذار وانعكست آثارهما إحباطا في صفوف جمهورها، وجب تدارك أسبابهما ... وبسرعة كي لا يستشري الاحباط، ويتحول إلى لا مبالاة في انتخابات العام 2009 ... وهذه أضعف الخسائر.

 

-هزمت 14 آذار أدبيا لأنها تسرعت، ومن دون مبرر أو مسوغ دستوري، في رفض توزير الرئيس السابق للحزب السوري القومي الاجتماعي علي قانصو، ما أدى إلى تراجعها عن الرفض لاحقا على حساب رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري الذي امتص الخسارة ليخرج من ارتكب الخطأ من المأزق.

 

مشاركة قانصو في الحكومة، على الرغم من خصومة 14 آذار السياسية معه منذ ما قبل مآثره في اجتياح بيروت، تعطي العمل الحكومي نكهة، إذا أحسن استثمارها سياسيا، فتعزز عصب جمهور 14 آذار وتحرج عصب مسيحيي الأقلية، وتضيء الطريق للمسيحيين المستقلين.

 

لكن الخسارة كانت محسوبة، فدخل قانصو الحكومة وزير دولة من دون حقيبة، وليس وزيرا للشباب والرياضة، كما كان الرئيس نبيه بري قد طرحه رسميا، وذهبت الحقيبة للوزير طلال أرسلان، الذي كان "حزب السلاح" يقول له إن الحريري يوافق على توزيره، من دون أن يتولى حقيبة.

 

خسرت 14 آذار من هيبتها، وخسر "حزب السلاح" من مصداقيته. 

 

ولكن أما كان من الأفضل لـ 14 آذار أن تجبي "عائدات" توزير قانصو من دون أن تريق ماء وجهها برفضه؟

 

-وهزمت 14 آذار أيضا لأن بعض قواها لم يقرأ جيدا احتياجات مسيحييها. فصعد، ووتر، وأربك ... ثم عاد وهادن وقبل.

 

ألم يكن من الأجدى القبول بهدوء، ومن دون تصريحات تثير كوابيس مسيحية يجهد الإعلام البرتقالي في نبش قبورها؟  

 

على قوى 14 آذار أن تدرك حقيقة أن لا خيار أمامها لمواجهة استحقاقات المستقبل سوى انتظام الحالة الجبهوية "الطائفية". هكذا تكلمت الأرض في الطريق الجديدة، والشمال، والبقاع. هكذا تكلمت الأرض في الجبل الدرزي. وهكذا ستتكلم الأرض في الجبل المسيحي إذا تعرض للتجربة، لا قدر الله.

 

الانتخابات الآتية بعد عشرة أشهر ستخاض على أساس طائفي صرف، حتى من قبل "العلمانيين" الذين سيترشحون عن مقاعد "طوائفهم". قد يفوزون، أو يهزمون، بأصوات طوائف أخرى ولكن فقط لتعزيز حقيقة أن لبنان إما يعيش حالة تحالف طائفي، كما يجب أن تكون 14 آذار، أو حالة استلحاق طائفي، كما هو معسكر "حزب السلاح".

 

لا توجد منطقة وسطى.

 

 

السبت 12 تموز 2008/عن موثع لبنان الآن