حزب سلاح عون!

محمد سلام

انتبهوا. استفاق ميشال عون من سباته وأعلن أنه "مناضل".

 

استعاد عون هلوسات النضال بعدما كان قد زار قصر بعبدا وتناول طعام الغذاء إلى مائدة فخامة الرئيس ميشال سليمان، فعانى غصة لأنّ عمادًا استقر على سدة الرئاسة في قصر كان هو قد حلّ فيه بالإعارة وهرب منه قبل 18 عاما إلى ... باريس واستغرقت رحلة عودته إلى الرابية 15 سنة من "النضال" المخملي بأجساد شباب يحلمون بوطن موحد سيّد حر مستقل عن أي هيمنة خارجية.

 

على خلفية هذه الرغبة في السيادة والاستقلال عن أي هيمنة خارجية اقترعت شريحة مسيحية لعون في انتخابات العام 2005، وكانت تلك الشريحة تقترع فعليًا ضد خطيئة، بل ضد جريمة، الحلف الرباعي مع "حزب السلاح" وملحقاته، التي يمثلها حاليًا في المجتمع المسيحي تحديدًا ميشال عون ونضاله المتجدد بأمر مباشر من "حزب السلاح".

 

مساء الثلاثاء نقل عون المواجهة من تلال البقاع الأوسط إلى تلال الرابية. تلك هي مهمته التي سيستمر في محاولة تنفيذها، بغض النظر عما إذا كان سينجح أو يفشل.

 

المهمة، في تفاصيلها، انطلقت من حقيقة أن "حزب السلاح" غير قادر على اجتياح سعدنايل كما اجتاح بيروت.

 

لا أقول إن "حزب السلاح" غير قادر عسكريًا على اجتياح سعدنايل. بل قد يكون قادرًا جدًا على خوض هذه التجربة بتغطية من بطاريات مدفعيته المنصوبة في تلال البقاع الأوسط، وباستخدام أسلحته وذخائره التي نقلت إلى منزل مسؤوله "الشيخ" في تعلبايا، وبجهد مقاتليه الذين تم نقلهم من بعلبك وقضاء النبطية.  

 

ولكن اجتياح سعدنايل يضع "حزب السلاح" أمام اختبارين مرين، لا ثالث لهما:

-ردّ فعل الجيش اللبناني الذي لا يستطيع، بكل المقاييس، أن يكرر تجربة "الحياد السلبي" التي اعتمدها في أيار الماضي في بيروت لتناقضها المباشر مع المهمة المعلنة للقوى النظامية وفق اتفاق الدوحة، ما يحمل الجيش، في حال التكرار، مسؤولية إسقاط اتفاق الدوحة. والجيش اللبناني، بكل المقاييس، ليس حركة "حماس" ولا يقبل أن يسقط اتفاق الدوحة كما أسقطت "حماس" اتفاق مكة.

 

-معركة اجتياح سعدنايل تنقل "حزب السلاح" وملحقاته من "حافة الهاوية" التي انزلق عنها في أيار الماضي إلى "منحدر الهاوية" في ما يصفه بالعملية "الموضعية النظيفة" في بيروت ليستقر في "قعر الهاوية" في سعدنايل.

 

نعم. التدحرج من مرتفعات البقاع الأوسط إلى سهل سعدنايل يضع "حزب السلاح" في قعر الفتنة السنية-الشيعية، التي لن تتمكن كل قيادات لبنان، والمنطقة، من احتواء حقول قتلها وشلالات دمائها في العالم الإسلامي، مرورًا بإيران نفسها، العاجز ضيفها التلفزيوني أيمن الظواهري أو تجمع علمائها أو جبهات عملها عن التحكم بمسارها الهمجي.

 

لذلك أطلق "حزب السلاح" رئيس "تجمع العلماء النصارى" من مربع الرابية "ليناضل" زورًا باسم مسيحيين ويفتح نارًا على مسلمين سنة، مستهدفا صلاحيات رئيس الحكومة، أي موقع الطائفة الأول في هيكلية السلطة اللبنانية،على أمل أن يوفق في تغيير وجهة الصراع فيلبسه قناعًا مسيحيًا-سنيًا يكون، بكل المقاييس، أقل تكلفة في احتساب جردة خسائر "حزب السلاح" وإيرانه، من الصراع السني-الشيعي المحظر إقليميا ... أقله حتى الآن.

 

فتح الصراع بين "تجمع العلماء النصارى"  والطائفة السنية قد يساهم في كبح انزلاق "حزب السلاح" على تلال البقاع الأوسط إلى هاوية الفتنة في سهل سعدنايل حيث ارتكبت "الأعمال الإرهابية" وفق التعبير المحدد الذي أطلقه سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ الدكتور محمد رشيد قباني، ومن على منبر القصر الجمهوري.

 

لذلك بذل عون في مؤتمره الصحافي جهدًا خاصًا ليربط الصراع في سعدنايل بالواقع المسيحي في البقاع الأوسط عبر قوله إنه، أي النزاع، يؤثر على حياة الناس بين شتورة وبعلبك، وقوله إنه لا يوجد في المنطقة "مقاومة" ثم نقل الاتهام إلى الشمال زاعمًا بوجود عمليات تسليح زوده جهاز أمن "حزب السلاح" بمعلومات مزعومة عنها، لينتقل بعد ذلك فيصب صلب هجومه على رئيس الحكومة السني، مع الإعلان عن إحياء جبهة معارضة "مسيحية" ليعطي السيناريو "هوية" مسيحية.

 

الحرص المزعوم على المسيحيين، بواقع التجربة، ليس من أولويات عون الحقيقية. هذا ما تصرخ به دماء المسيحيين التي هدرتها حمم  قذائف جيش الأسد في حرب "تحرير" مجنونة، وهذا ما تصرخ به دماء المسيحيين التي هدرها عون في مؤامرة "حرب الإلغاء"  تحت شعار توحيد بندقية لم يقبلها مسيحية-لبنانية وتلحّف بها لاحقًا إيرانية معتقدًا أنها ستقوده إلى قصر بعبدا.

 

وهذا ما تصرخ به دماء 33 عسكريًا لبنانيًا من رتب مختلفة قتلتهم مخابرات النظام السوري بإطلاق النار عليهم من مدفع رشاش من طراز دوشكا نصب على شاحنة عسكرية بعدما رصفتهم على تلة ضهر الوحش في 13 تشرين الأول العام 1990 عندما تخلى عنهم قائدهم "المناضل،" وعقد لسانه لاحقًا عن المطالبة بنبش قبرهم الجماعي، ربما لأنه ليس على أوتوستراد حالات، بل في منطقة يأمل في أن يحصد منها دعما انتخابيًا.

 

انتبهوا. عاد ميشال عون إلى نغمة "النضال"... وأخرج له "حزب السلاح" من متحف مقتنياته نماذج يحفل تاريخها بكل ما هو عمالة.

 

انتبهوا. عاد ميشال عون إلى واجهة "النضال"، واختار خصمًا معلنًا، هو الطائفة السنية، وجدّد مهمته غير المعلنة لشق المسيحيين. والهدف، في الحالتين .... خدمة "حزب السلاح".    

 

"حزب السلاح" لعون؟ أم عون وجبهته لـ"حزب السلاح"؟   

 

الاربعاء 18 حزيران 2008

 

**عن موقع لبنان الآن