بري يقوم بأشياء كثيرة والمطلوب واحد

محمد سلام

 

لماذا قال وزير الخارجية الفرنسية برنارد كوشنير إن الرئيس نبيه بري ليس مدعواً إلى فرنسا وإنه، أي بري، لا يتمتع بحرية الحركة؟

 

لماذا انتقد كوشنير بري لإقفاله المجلس النيابي؟ ومن ثم سعيه لإطلاق جولة جديدة من الحوار الوطني بين القادة اللبنانيين، من غير النواب، في المجلس النيابي؟

 

تكثر التساؤلات، وتكثر الردود، ويحتدم السجال حول بري، فقط ... لأنه فقد موقعين:

 

موقع الحكم، الذي مارسه قبل انتهاء مداولات طاولة الحوار "الوطني" التي انفضت عندما وصلت إلى موضوع سلاح حزب الله، قبل أيام قليلة من اندلاع حرب الوعد الصادق في تموز العام 2006.

 

ولأنه، أي الرئيس بري، فقد دوره المتمايز كرئيس "محايد" للمجلس النيابي بعدما تحول إلى محاور باسم المعارضة، قبل أن يتم استبداله، بطلب منه على حد قوله، بالعماد ميشال عون.

 

وعلى خلفية الاستمرار في إقفال المجلس النيابي، تحول الرئيس بري إلى طرف كامل في نزاع بين اللبنانين، ما أفقده الأهلية المنطقية لقيادة حوار وطني من موقع محايد، خصوصا بعد شغور موقع رئاسة الجمهورية منذ أكثر من أربعة أشهر.

 

أما عدم تمتع بري بحرية الحركة، فوصف استخدمه كوشنير لأن بري كان يعد الموفدين الفرنسيين بالسير معهم في مضمون المبادرة الفرنسية، ثم يقوم باستدارة لاحقة فيخرج مما كان قد وعد الفرنسيين به ووافق عليه، ما أعطى الانطباع لدى باريس، وغيرها أيضا، بأن دولته أصبح مرتبطا بموقف القوة الكبرى في تحالف الثامن من آذار، أي حزب الله.

 

 

وعندما توجه بري إلى دمشق للاجتماع إلى الرئيس بشار الأسد بصفته رئيسا لمؤسسة القمة العربية، كان دولته ممثلا لحركة أمل، وقد اصطحب معه "نائبه" النائب علي حسن خليل، ولم يكن برفقته أي عضو من هيئة مكتب المجلس، التي لم تعد موجودة، ولا رئيس لجنة العلاقات الخارجية، من اصحاب الاختصاص، ولا أي عضو من كتلة نيابية، باستثناء ممثل حركة أمل.

 

وحركة أمل طرف رئيسي في المعارضة، ما ينزع عن رئيسها صفة الحكم البرلماني، وبالتالي يحرمه، وبإرادته، من الدعوة إلى حوار بين اللبنانيين.

 

 

كي يعود الرئيس بري حَكَماً، ورئيساً فعلياً للمجلس النيابي، عليه أن يعيد الوضع إلى ما كان عليه قبل حرب تموز العام 2006 ... لكن عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء.

 

 لذلك، استهدف كوشنير الرئيس بري في مؤتمره الصحافي الذي عقد الثلاثاء، وتساءل لماذا لا يفتح أبواب المجلس للحوار بين مختلف الكتل النيابية في المجلس النيابي.

 

مهمة بري لم تعد استضافة حوار أو حتى الدعوة إليه، مهمة بري الحصرية هي فقط فتح أبواب المجلس النيابي لانتخاب رئيس للجمهورية.

 

هذه هي حقيقة ما وصل إليه وضع الرئيس بري.

 

لذلك فإن دعوة الرئيس بري للحوار، التي لم يعلن عنها رسمياً بعد، قد لا تلاقي قبولاً لا في لبنان، ولا في المنطقة، ولا في العواصم الغربية التي قد يزورها "سائحا".

 

أما الاستشارات، أو المشاورات، مع الدول العربية التي يمكن أن يقوم بها الرئيس بري فلن تحمل طابعاً رسمياً، للأسباب المذكورة اعلاه، ولسبب قانوني هو أنه ليس من مهمة رئيس المجلس النيابي أن يتصل بغير رؤساء المجالس النيابية، التي ليس من صلاحياتها الاتصال بالحكومات، صاحبة القرارات.

 

فهل يسعى الرئيس بري إلى تقطيع الوقت، أم أنه أطلق "مناورة" للالتفاف على جولة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة العربية؟

 

هل أراد الرئيس بري من زيارته للرئيس الأسد، ونيته القيام بزيارات أخرى، أن يحبط إمكانية الدعوة إلى مؤتمر لوزراء الخارجية العرب للبحث في أزمة العلاقات اللبنانية ـ السورية؟

 

ربما.

 

لأن أي اجتماع لوزراء الخارجية العرب لن يكون لمعالجة الأزمة اللبنانية. فالأزمة تعاملت مع موجباتها المبادرة العربية، وإذا حاول وزراء الخارجية العرب البحث مجددا في الأزمة اللبنانية سيواجهون استحالة تجاوز مبادرتهم التي أقرتها حتى القمة العربية تحت الرئاسة السورية في دمشق التي تغيب عنها نصف القادة العرب.

 

الرئيس بري قال إنه بحث مع الرئيس الأسد في الوضع اللبناني، والوضع الفلسطيني، والوضع العراقي. ما يعني أنه بحث، عملياً، في التدخلات السورية في العراق وفلسطين ولبنان، واستنتاجاً، يعني ذلك أنه بحث في كيفية مساعدة النظام السوري على تجاوز المواجهة مع العرب.

 

فهل يؤهله ذلك لاستضافة حوار لبناني في الشأن اللبناني؟

 

وإذا كان هناك من يعتقد أن الرئيس بري يستطيع التوسط في العلاقات بين الرؤساء أو الزعماء العرب، فهذه مهمة تحتاج، بروتوكولياً على الأقل، إلى رئيس جمهورية، لا إلى رئيس مجلس نيابي ... أو رئيس حركة أمل، أو ممثل "سابق" للمعارضة التي يتكلم باسمها الآن العماد عون.

 

الرئيس بري يقوم بأشياء كثيرة ... والمطلوب واحد.

 

الاربعاء 9 نيسان 2008

عن موقع لبنان الآن