إيران ترث سوريا في لبنان
بقلم/محمد سلام

تعمل إيران وجهازها اللبناني الممثل بـ"حزب السلاح" على حقبة ما بعد انتهاء التحالف بين دمشق وطهران عبر تحقيق وراثة فعلية للنظام السوري في لبنان منذ اجتياح بيروت في السابع من أيار الماضي واستكمالاته المستمرة في البقاع وطرابلس ... والبيان الوزاري الشهير، مع فقرته الملتبسة ذات المكونات الثلاثة غير المتساوية.
هذا في الانعكاس المحلي للوراثة.

ولكن الدور السوري في لبنان، الذي بدأ في حزيران العام 1976، لم يكن مقتصرا على المسألة الداخلية فقط، بل هو جزء من دور إقليمي له ضوابط إقليمية كانت دائما تحدد إيقاعه، وترسم مساره، وتنظم أجندة حياته.

المؤشر الدائم إلى المدى العمري لهذا الدور، ومساره، كان سلاح الدفاع الجوي، وبتحديد أكثر، بطاريات الصواريخ المضادة للطائرات، التي منع جيش النظام السوري من إدخالها إلى لبنان عندما عبر الحدود في الأول من حزيران العام 1976 تحت شعار "حماية المسيحيين".

بقي جيش الأسد مكشوف الرأس، من دون غطاء جوي في لبنان، حتى أثناء الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982، وفقد لواءًا مدرعًا كاملا على طريق حمص-الهرمل من دون أن يتمكن من تغطيته في مواجهة الطائرات الإسرائيلية المغيرة.

في العام 1985 أدخل جيش النظام السوري أربع بطاريات صواريخ مضادة للطائرات سوفياتية الصنع من طراز سام-6 لمواجهة الطائرات المحلقة على مستوى مرتفع ومن طراز سام-8 للطائرات المحلقة على مستوى منخفض، وكاد الأمر أن يتطور إلى حرب مع إسرائيل، فسارع إلى سحبها من الأراضي اللبنانية لقاء تعهد بألا تستخدم ضد الطائرات الحربية الإسرائيلية المحلقة في الأجواء اللبنانية وألا تخترق الطائرات الإسرائيلية التي تحلق فوق لبنان الأجواء السورية.

واستمر الاحترام السوري-الإسرائيلي لهذا المؤشر الصاروخي للدور السوري في لبنان إلى تشرين الأول العام 2003 عندما أغارت الطائرات الحربية الإسرائيلية على قاعدة عين الصاحب على بعد 15 كيلومترا من دمشق التابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة بقيادة أحمد جبريل ... ولم ترد سوريا في لبنان.

السؤال ليس لماذا لم ترد دمشق في لبنان، أو عبر لبنان، على صفعة عين الصاحب. بل لماذا شنت غارة عين الصاحب؟
الغارة شنت تحديدا لتعلن انتهاء الدور السوري في لبنان بعد ستة أشهر من غزو العراق.

ولم ترد سوريا على غارة عين الصاحب من لبنان، لتقول إنها فهمت رسالة انتهاء دورها فيه بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من الشريط الحدودي في أيار العام 2000.

سوريا ردت في العراق، عبر تسريب ما عرف بالجهاديين العرب إليه، في محاولة لا لتحريره بل لاستغلاله ساحة تتيح رسم دور إقليمي جديد لدمشق.

وصدر قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1559 في أيلول العام 2004 معلنا النهاية التنفيذية للدور السوري في لبنان، فردت دمشق بالتمديد للرئيس إميل لحود، متحدية القرار الدولي وتلت ذلك التمديد سلسلة الاغتيالات ومحاولات الاغتيال منذ الأول من تشرين الأول من ذلك العام مستهدفة وزير الاتصالات مروان حمادة.

إذا، سقط مؤشر الصواريخ المضادة للطائرات من معادلة الدور السوري منذ ذلك التاريخ، ولم يتجدد، لأن الدور السوري لم يتجدد في لبنان.

وأبرز مثال على ذلك الغارة الإسرائيلية على الموقع النووي السوري المشتبه به في دير الزور في أيلول 2007، التي لم ترد عليها سوريا لا صاروخيا ولا حتى سياسيا مع أنها نفذت بالتزامن مع المفاوضات غير المباشرة بين سوريا وإسرائيل عبر تركيا.

سوريا لم ترد، لكنها لم تقطع صلتها بمن كانت تعتقد أنه يرد نيابة عنها، أي "حزب السلاح"، فإذا به يتولى المهام لحساب طهران، لا دمشق.

تحت هذا العنوان شن حزب الحرس الثوري الإيراني حرب 12 تموز العام 2006، وتحت هذا العنوان شن الحزب نفسه حرب مدينة الخيم في وسط بيروت في الأول من كانون الأول العام 2006، وما تبعها من حروب مبعثرة، وصولا إلى حرب السابع من أيار الماضي على بيروت والجبل ومرفقاتها.

أتم "حزب السلاح" انتشاره الميداني في لبنان، بغض النظر عن محاولات البعض نفي ذلك، فهو القوة الأولى، والوحيدة، في الجنوب، وبيروت الغربية، وهو موجود على أطرف الجبل الدرزي وفي المتن وكسروان والبترون وجبيل والكورة وطرابلس وعكار.

تحويل الانتشار إلى سيطرة هو، بالنسبة إلى "حزب السلاح"، مسألة وقت فقط، لا مسألة قدرة واقتدار.
لذلك انتقل الآن إلى محاولة تفعيل الاعتراف الدولي بالدور الإيراني الذي يمثله في لبنان أي وراثة الدور السوري، عبر محاولة القيام بما لم يستطع نظام الأسد القيام به وتجاوز الخط الأحمر الاستراتيجي وإدخال بطاريات مضادة للصواريخ إلى لبنان.

تثبيت هذا التحول الاستراتيجي الكبير يتم، وفق ما توحي به أدبيات الحزب المنشورة لا المعلومات الخاصة، عبر التصدي للطيران الحربي الإسرائيلي في الأجواء اللبنانية، وإسقاط طائرة حربية إسرائيلية في لبنان ... وأسر طيارها.

لذلك أصدرت "المقاومة الإسلامية" مؤخرا بيانها الأول منذ انتهاء حرب صيف العام 2006، لافتة إلى الخروق الإسرائيلية للسيادة اللبنانية، برا-بحرا-جوا ومتعهدة بأن "المجاهدين قاربوا اتخاذ إجراء عملاني لوقف هذا الاعتداء".

ارتدادات عملية إسقاط طائرة حربية إسرائيلية في لبنان، أي حجم الرد الإسرائيلي مع ما يعنيه من قتل ودمار، لا تعني حزب الحرس الثوري الإيراني في لبنان.
ما يعنيه أمران:

أولا: أنها تعني ممارسة فعلية إيرانية لدور إقليمي في لبنان تجاوز كل حدود الدور السوري السابق.

ثانيا: أسر طيار إسرائيلي للتعويض عن خسارة الملاح رون آراد، الذي لا تمسك به إيران، بشقيها المنتشر في لبنان، أو في إيران. أسر طيار إسرائيلي يعطي "حزب السلاح" مفتاح الباب العريض للدخول إلى الشارع العربي، كل الشارع العربي، عبر عرضه على إسرائيل لمبادلته بكل الأسرى العرب لديها، من فلسطينيين وغير فلسطينيين، ما يضع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في مرتبة ملك ملوك العرب.

التحدي الحقيقي في مرحلة ما بعد إسقاط الطائرة الحربية الإسرائيلية سيكون أسر الطيار، وهنا يواجه حزب الحرس الثوري الإيراني احتمالين:

أولا: أن يأسره الجيش اللبناني، وهو احتمال ضعيف لأن الفرضية تعتبر أن الجيش اللبناني لن يسعى للوقوع في هذا المأزق ...!

ثانيا: أن تأسره قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفل) إذا هبط في منطقة عملياتها، وهذه القوة الدولية ملزمة بموجب قرار مجلس الأمن الرقم 1701 بأن تأسره لأن مجرد وجوده في منطقة عملياتها هو خرق للقرار الدولي.

المأزق الحقيقي يقع عندما تطلب اليونيفل من الجيش اللبناني استلام الأسير بموجب محاضر رسمية. واليونيفل ملزمة بتسليمه لقيادة الجيش اللبناني لأنها ليست صاحبة سيادة على الأرض، ولأن أمر عملياتها يلزمها بالبدء بأوامر الجيش اللبناني والانتهاء أيضا بأوامر الجيش اللبناني.

هذه هي المعضلة التي تواجه "حزب السلاح" الآن، لذلك نشرت صحيفته المفضلة، الأخبار، "خبرا" تحت عنوان "إسرائيل تجند اليونيفل" لإنقاذ الطيار الإسرائيلي.

إسقاط الطائرة سيدمر لبنان، وأسر الطيار، إذا هبط في منطقة عمليات اليونيفل، سيعلن الحرب على القوة الدولية ... وقد ينسحب على الجيش اللبناني.

هكذا ترث إيران الدور السوري في لبنان.

إذا ورثت إيران الدور السوري في لبنان، ستصدر طهران التعليمات لدمشق ... من بيروت.
 

بيروت/6 آب/2008

عن موقع لبنان الآن