عندما تتقاطع الطرق!

بقلم/محمد سلام

الاربعاء 15 تشرين الأول 2008

لبنان الآن

 

ثلاثة تطورات إقليمية بالغة الأهمية وفائقة السرعة سجلت في أقل من 24 ساعة:

 

-التطور الأول: حزب كاديما وحزب العمل اتفقا على ائتلاف حكومي، يحظى بموجبه إيهود باراك بمنصب مستحدث هو النائب الأكبر لرئيسة الحكومة الإسرائيلية المقبلة تسيبي ليفني، الذي خول صلاحية متابعة مفاوضات السلام من دون إبلاغ مجلس الوزراء المصغر.

 

ماذا يعني ذلك؟

ذلك يعني أن مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر، صاحب الصلاحية الرئيسية في اتخاذ قراري الحرب والسلم، قد جرد، مؤقتا على الأقل، من قرار السلم. ما يعني أن قرار السلام... مع سوريا قد اتخذ.

 

ويعني، أيضا، أن مجلس الوزراء المصغر ما زال يحتفظ بقرار الحرب مع "أعداء" السلام السوري-الإسرائيلي.

ويعني أيضا وأيضا، أن سوريا لن تكون شريكا في أي حرب تخاض ضد إسرائيل، لأنها شريك في السلام مع إسرائيل.

ويعني أيضا، وأيضا، وأيضا أن سوريا لن تساعد "أعداء" إسرائيل.

 

ويعني أيضا وأيضا وأيضا وايضا ان على سوريا ان تضع علاقتها بإيران في قالب جديد، بحيث تكون علاقة إيرانية-سورية لا تعبر إلى لبنان.

ذلك يعني... وأيضا أن على جماعة سوريا في لبنان، إذا أردوا حربا مع إسرائيل، لأي سبب كان، أن يخوضوها من دون الاعتماد على سوريا، شريكة إسرائيل في" صنع السلام".

ذلك يعني.... وأيضا وايضا أن الدولة اللبنانية، بعد دخول الدولة السورية في مسار سلام مع إسرائيل، لن تخوض حربا مع الدولة العبرية لأي سبب كان، وخصوصا إذا كان لسبب لا علاقة للدولة اللبنانية به، على مثال الثأر لعماد مغنية، الذي تم اغتياله في شهر شباط الماضي في سوريا، التي هي الآن شريكة إسرائيل في صنع "السلام".

 

-التطور الثاني: التصريح الذي أطلقه وزير الخارجية السعودية الأمير سعود الفيصل أثناء زيارة فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان للمملكة، وخلاصته أنه لا داعي لمصالحة دمشق والرياض. فالرياض لا هم لها سوى أن "يسلم لبنان". عندها فقط تنتهي الخلافات.

 

ذلك يعني أن كل من تحدث عن س-س ومصالحة السعودية وسوريا كان يرى الصورة بالمقلوب. الصورة الصحيحة هي صورة مصالحة بيروت-دمشق، التي ما أن تستوي، حتى تزول الخلافات العربية-العربية، بل بتعبير أدق، العربية-السورية.

 

 ذلك يعني أيضا أنه على لبنان، كل لبنان، أن يكون عربيا، في القرار، وليس "إقليميا"، اي ليس إيرانيا، وهذا هو التحدي الداخلي.

ذلك يعني أيضا وأيضا أنه ليس باستطاعة إيران أن تعين بطريركا سياسيا للعرب، أولا لأنها ليست عربية، وثانيا لأنها ليست حاضرة الفاتيكان، الموجودة في روما لا في قم.

 

ذلك يعني أيضا وايضا وايضا أن من يمثل لبنان في انتمائه وولائه هو فخامة الرئيس ميشال سليمان، وليس اي شتام مسيحي، خصوصا إذا كان ممن اختاروا الخروج ليس من جذورهم اللبنانية فقط، بل من انتمائهمم العربي الذي حفظ كنائس الشرق منذ العهدة التي وقعها الخليفة عمر بن الخطاب لبطريرك القدس عربون وفاء للمسيحيين العرب الذين لم يقاتلوا مع الحملة الصليبية. وما زال النص الأصلي لهذه "العهدة العمرية" محفوظا في القدس... حتى الآن. العماد ميشال عون يريد الآن أن يدفن هذا التاريخ المسيحي، ليضع المسيحيين في خدمة الإمبراطورية الفارسية بعيدًا عن موقعهم العربي التاريخي.

 

-التطور الثالث: المرسوم الذي أصدره الرئيس السوري بشار الأسد بإقامة علاقات دبلووماسية مع لبنان للمرة الأولى منذ الاستقلال عن فرنسا في العام 1943.

ذلك يعني أن مرسوم الرئيس الأسد جاء تطبيقا للمعادلة التي أعلنها الأمير سعود الفيصل، بأن سلم لبنان هو الذي يزيل الخلافات العربية-السعودية.

 

ذلك يعني أيضا وأيضا أن الدولة السورية تعترف بالدولة اللبنانية، ما يعني أن الدولة السورية لن تفكر حتى في العودة العسكرية إلى أراضي دولة، لأن ذلك يرقى إلى مستوى إعلان حرب تقع مسؤولية التصدي له على عاتق الدولة المستهدفة والمجتمع الدولي "الملزم" بالدفاع عنها.

 

ذلك يعني، أيضا وأيضا وايضا "إلتزام" الدولة السورية بإقفال حدودها أمام العبور غير الشرعي إلى أراضي الدولة اللبنانية، وأن التصدي لمثل هذا العبور (البشري أو التسليحي) يقع على عاتق الدولة السورية أولا، إذا كان منطلقا من أراضيها، وعلى عاتق المجتمع الدولي أيضا.

 

وذلك يعني أن سوريا لم تعد محتاجة لأراضي لبنان لتزعج إسرائيل منها، كونها أصبحت شريكا لإسرائيل في "صنع السلام" والشريك لا يقاتل شريكه، لا في قاعة الاجتماعات ولا في خارجها.

 

وذلك يعني.... وأيضا أن أي تحرك إرهابي مفترض من الأراضي اللبنانية باتجاه الأراضي السورية تقع مسؤولية التصدي له على عاتق الدولة اللبناني، أولا، وعلى عاتق المجتمع الدولي، الذي يضمن سيادة الدول الأعضاء، ثانيا، ضمن الأراضي اللبنانية.

 

وذلك يعني.... وأيضا أنه أصبح من حق لبنان التنسيق مع الأمن العربي، والأمن الدولي، للسيطرة على أراضيه ومكافحة الإرهاب عليها، ولم تعد هذه المهمة مقتصر بـ "تنسيق" مع الأمن السوري فقط.

 

وذلك يعني... وأيضا أنه اصبح باستطاعة لبنان أن يطلب من المجتمع الدولي رصدا فضائيا لحدوده، بهدف ضمان السيطرة عليها، كي لا تستخدم أراضيه في تهديد جيرانه، وسوريا أحد هذين "الجارين".

 

وذلك يعني، من ضمن ما يعني، أن لبنان سيلجأ إلى إحياء اتفاقية الهدنة الموقعة مع إسرائيل في العام 1949 لأنها تلزم الطرفين، إسرائيل ولبنان، بعدم استخدام اي منهما لأراضيه ضد الدولة الآخرى، ويحدد عديد وعتاد القوات المنتشرة على طرفي الحدود ويخضعها لمواقبة مباشرة من مجلس الأمن الدولي.

 

المتغيرات هذه كلها تقود إلى هدف واحد، وهو قيام سلطة مركزية لبنانية واحدة تسيطر على جميع أراضي الدولة اللبنانية، وتكون صاحبة القرار الوحيد، والدور الوحيد، والسلاح الوحيد على الأرض اللبنانية.

 

لهذه الأسباب مجتمعة يسعى "حزب السلاح" إلى مصالحات مع خصومه الذين وجه إليهم سلاحه، وهو يعلم أن أقصى ما يمكن أن تصل إليه هذه المصالحات هو مستوى فض الاشتباك النفسي مع "عملاء" الأمس، و"لصوص" الأمس وضحايا الأمس.

 

لهذه الأسباب مجتمعة يسعي "حزب السلاح" عبر بوابة إيرانه إلى تعيين النائب ميشال عون بطريركا للمسيحيين "في الشرق" علّه يتمكن من المحافظة عليه تابعا نادرا في لبنان، يستطيع عبره أن يقارع خصومة الذين فض معهم الاشتباك... النفسي.

 

بغض النظر عمن يصافح من أو من يلتقي من، المصارحات التي أطلقها "حزب السلاح" لن تؤدي إلى أكثر من فض اشتباك نفسي. أما المصالحات، فهي تحصل في المحيط العربي... فقط.

هذه مصارحة.