مصالحة الضحايا ... و"اللواط السياسي"

محمد سلام

الاربعاء 10 أيلول 2008

 

لماذا نجحت المصالحة في طرابلس ووقع الجميع على وثيقتها؟ لأن المصيبة ساوت بين أطرفها: جميعهم ضحايا. وليس أدل على ذلك سوى أن المصالحة الطرابلسية لم تتم قبل 20 عاما لعدم المساواة، إذ ذاك، بين أطرافها. كان هناك ضحية وكان هناك جلاد. الضحية خضعت، أو أخضعت، والجلاد انتصر ولم يكن بحاجة إلى إقرار ضحيته بوجوده، فلم يأبه بمبدأ المصالحة.

 

الآن، وبعد 20 عاما، المصالحة أنجزت شكلا في طرابلس، ولم يبق سوى ترجمتها موضوعيا على الأرض. ونجاح ترجمتها يعتمد على أساسين لا ثالث لهما:

1- عدم شعور أي من الطرفين بأنه انتصر، ما يبقي التوازن قائما بين حاجة كل ضحية منهما إلى نجاح المصالحة.

2- قدرة القوى الأمنية على فرض التنفيذ عبر قمع كل مخل بمبدأ المصالحة.

 

سيخضع تنفيذ المصالحة إلى عدة اختبارات ميدانية، بدأ ظهور بعضها، ولكنها تبقى هامشية طالما أنها ضمن الطرف الواحد، أو الضحية الواحدة، وبمعنى أكثر صراحة وأكثر وضوحا وواقعية وصدقا، طالما أنها بين ابناء الطائفة الواحدة، حتى وإن تناقضت انتماءاتهم السياسية أو المصلحية، كما حصل أمس بين أسامة شعبان وعبد الهادي حسون، على ما بينهما من تناقض.

 

بعد إعلان المصالحة الطرابلسية، التي تمت بجهد أساسي من رئيس "تيار المستقبل" الشيخ سعد الحريري، توالت التصريحات المرحبة والمؤيدة ... والمطالبة، وإن على عجل، بتعميم التجرية وإطلاق مصالحات أخرى، في مناطق أخرى، ولا سيما في بيروت، على الرغم من أن الظروف التي أملت مصالحة طرابلس غير متوافرة لبيروت.

 

النزاع القائم في بيروت، على نقيض العنف الذي استشرى في طرابلس على مدى أربعة أشهر، ليس بين ضحيتين.

النزاع القائم في بيروت منذ السابع من أيار الماضي هو بين معتد، هو "حزب السلاح" وملحقاته، الذي غزا المدينة فاحتلها، وما زال، ولم يتمكن من إخضاع أهلها بسلاحه، على الرغم مما أوقعه فيهم من ضحايا وخسائر، فسعى إلى إخضاعهم بمصالحة ما تكرس له ما غنمه، وتكرسهم ضحايا بالخضوع.

 

على هذه الخلفية نفهم سعي الحزب الدائم، منذ ما قبل محادثات الدوحة، إلى إجراء المصالحة في بيروت وطي الصفحة وما إلى ذلك من العبارات الإيجابية لفظا، إضافة إلى مصلحته في تجاوز ارتدادات اجتياح أيار في العالمين العربي والإسلامي.

 

فهل يمكن أن تستوي مصالحة، في المبدأ، بين جلاد وضحية من دون إنصاف الضحية؟

السؤال مربك فعلا، ومطروح بشدة على كل الداعين إلى هذه المصالحة من خارج فلك "حزب السلاح" وملحقاته.

 

علمنا رئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، وهو من أشد المتحمسين لمصالحة بين الشيخ سعد الحريري وسيد "حزب السلاح" حسن نصر الله، معادلة مهمة جدا في العلاقات السياسية بين الأطراف المتنازعه، لخصها بعبارة "نسامح ولا ننسى".

أطلق جنبلاط معادلته للعلاقة بالنظام السوري بعد 30 عاما من اغتيال والده المعلم كمال جنبلاط وقال نسامح ولا ننسى.

 

لم يقل جنبلاط "نصالح" قال "نسامح" مقرونة بـ"لا ننسى" وقالها بعد ثلاثة عقود من الاعتداء، وبعدما مات أو قتل أو اختفى من شارك في قتل المعلم.

حتى بعد 30 سنة لم يقرر جنبلاط أن يصالح. لماذا؟

لأنه ضحية. كان ضحية قبل 30 عاما من إطلاق شعاره، وسيبقى ضحية طالما أن الجلاد لم يعترف بجريمته، او يدان بها، وطالما أن الجلاد لم يعتذر عما اقترفت يداه.

 

الرفيق وليد بيك، الذي دافع عن بيروت في 23 كانون الثاني العام 2007 في مواجهة الغزو المقنع، والذي دافع عن بيروت وفتح قلبه وبيته لأبنائها الضحايا في اجتياح أيار الماضي، يعلم عمق الجرح النازف في جسد أهل بيروت ويعلم أن المدينة لن تسامح ولن تنسى.

 

بيروت تعلم أن عليها دفع فاتورة السلم الأهلي. وبيروت مستعدة لدفع هذه الفاتورة .. ولكان لحساب لبنان، لا لحساب من يريد أن يخضع اهلها وبيوتها وعائلاتها ويسوقهم بإصبعه.

 

تعزيز السلم الأهلي يعني عدم الدخول في نزاع مسلح. بيروت لم تدخل في نزاع مسلح مع أحد، ولن تدخل في نزاع مسلح مع أحد. هكذا تدفع بيروت فاتورة السلم الأهلي.

 

من أراد احتلال بيروت، احتلها، ومن يرغب في احتلال بيوت أهلها يستطيع احتلال هذه البيوت متى شاء، فليس هناك قوة تردعه، وهذا ما ثبت في ايار ... وما زالت المعادلة قائمة... وصولا إلى سجد.

 

بل المعادلة في سجد الآن أسوأ، إذ إن بعض ممارسي "اللواط السياسي" يريدون التحقيق مع الجيش بتهمة أن مروحيته حلقت... فوق سجد.

 

بيروت، تعزيزًا للسلم الأهلي اللبناني، حتمًا، لن تقاتل جلادها، ولن تنتقم منه لن ترد عليه، بل قد لا تراه حتى وهو جاثم على صدرها، ولا فرق عندها إذا ما أزيلت الصور واللافتات أو لم تزل.. هذا قرار يلتزم به أهل بيروت ... لكل لبنان.

 

يستطيع السلاح حسم معركة. يستطيع تحقيق انتصار على أرض وما عليها، لكن السلاح لا يستطيع إخضاع الكرامات.

 

يستطيع وليد بيك أن يصالح سيد "حزب السلاح" من موقع المنتصر، فجبله وأهله وبيئته وتراثه وكرامات أهله لم تهزم في أيار... من الشويفات إلى الباروك.

ولكن لن يستطيع أحد أن يأخذ من بيروت بمصالحة غير متكافئة ما لم يأخذه منها بالسلاح.

 

عن موقع لبنان الآن