أقدام الإيرانيين وصلت المتوسط.. من بيروت إلى غزة

صالح القلاب

الأربعاء 14 مايو

لشرق الاوسط اللندنية

 

لان انقلاب الخميس الماضي، الثامن من هذا الشهر، وضع لبنان على أعتاب مرحلة جديدة، كما كان قال السيد حسن نصر الله في خطاب البلاغ العسكري رقم «1»، ولأن الأحداث تتلاحق بسرعة بين يوم وآخر بل بين ساعة واخرى، فان السؤال الذي بات مطروحاً والذي لا بد لكل مهتم ومعني ومتابع ان يبحث عن اجابة شافية له هو: ماذا بعد.. وما هي الخطوة المقبلة بعد ان وقع ما وقع وبعد ان اختلطت الاوراق وغدت المعادلة السابقة، التي قام هذا النظام الطائفي التوافقي على اساسها منذ الاستقلال في بدايات اربعينات القرن الماضي وحتى قبل اسبوع، معرضة للاهتزاز والتغيير..؟!

 

بداية لابد من التخمين الذي يصل الى حد اليقين بأن اللجنة التي شكلتها الجامعة العربية، والتي من المفترض انها الآن في لبنان، وانها وصلت الى بيروت امس الاربعاء، لن تجترح ما عجز عن اجتراحه الامين العام عمرو موسى، وانها قد تقوم برحلات مكوكية، كما فعل هو، بين القاهرة وبيروت قد تأخذها الى الدوحة، وربما الى عواصم عربية اخرى، لكن يجب عدم انتظار اي شيء جدي مقبول من طرفي الصراع الذي انتقل من مواجهة سياسية مُضْنية وطويلة الى الاقتتال بالسلاح والى الخنادق المتقابلة.

 

لم يعد ما كان موضع مساومات ومناورات وأخذ وعطاء وكرٍّ وفر مقبولا من قبل أصحاب انقلاب يوم الخميس الماضي الذين قلبوا من خلال ما قاموا به، الطاولة على رؤوس خصومهم وعلى رأس لبنان والمنطقة كلها، والذين كانوا قد رفضوا المبادرة العربية، التي دار بها عمرو موسى على العواصم وتنقل بين القاهرة وبيروت وهو يضمها الى صدره بحرص الأم على طفلها المريض، والذين سيركلونها الآن بأرجلهم بعدما غَيَّرَ ما قاموا به المعادلة السابقة والواقع على الارض.

لن يقبل اصحاب انقلاب الخميس الماضي الذين هم مجرد صدى للاصوات الحقيقية والفعلية في طهران ودمشق حتى بمجرد اعتبار هذه المبادرة، ارضية للنقاش وهنا ولأن المثل يقول: «خذوا أسرارهم من صغارهم»، فان ما قاله الجنرال ميشيل عون في آخر مؤتمر صحافي يدل على ان «السيناريو» اصبح بالنسبة لهؤلاء هو اجراء انتخابات برلمانية مبكرة سيفوزون فيها حتما ما دام ان موازين القوى التي استجدت سوف تتحكم في نتائجها ثم بعد ذلك سيتم انتخاب رئيس جديدٍ للدولة لن يكون الجنرال ميشال سليمان في كل الاحوال وبعدها ستتشكل حكومة جديدة برئاسة احد «إمّعات» الطائفة السنية، وعندها فإن لبناناً جديداً غير هذا اللبنان سيولد ووفقا لصيغة طائفية جديدة، ستكون ثلاثية حسب ما طالب به حسن نصر الله، كبديل للصيغة الثنائية الحالية المسيحية ـ الاسلامية.

 

لم يأت انقلاب الخميس الماضي مفاجئاً، الا بالنسبة للبسطاء وطيبي القلوب والذين تعاملوا مع صراع هو في حقيقته اقليمي ودولي، وان هو اتخذ الطابع المحلي اللبناني، فالمعلومات التي تداولتها بعض العواصم العربية المعنية والمتابعة على مستوى الملوك والرؤساء عشية هذا الانقلاب تحدثت عن ان قرارا قد اتخِّذ على مستوى اصحاب القرار الفعليين في طهران ودمشق بان يحصل ما حصل وبسرعة وقبل زيارة الرئيس الاميركي جورج بوش المقررة الى المنطقة والهدف هو توجيه صفعة قوية له ولزيارته، واظهار ان الولايات المتحدة في وضع لا تحسد عليه إن في العراق وإن في الاقليم كله بينما حلف «فسطاط الممانعة» في حالة الهجوم ويحقق انتصارات في كل بؤر الشرق الاوسط المتوترة.

 

لقد كان قرار الانقلاب متخذا، وكانت ساعة الصفر محددة قبل حكاية قراري مجلس الوزراء اللبناني المتعلقين بشبكة اتصالات حزب الله وبالضابط المسؤول عن امن مطار رفيق الحريري. وكانت التعليمات التي وصلت الى حسن نصر الله في هيئة خطة عسكرية جرت مناقشتها طويلا في غرفة عمليات مشتركة ايرانية ـ سورية ان يبدأ الهجوم اولا على بيروت الغربية لتجميد قيادات الرابع عشر من آذار ثم الانتقال بالعمليات العسكرية الصاعقة الى جبل لبنان لتأمين خطوط اتصالٍ بين العاصمة ومنطقة البقاع في اتجاه الحدود السورية ثم الى منطقة الشوف والى المناطق المسيحية الشرقية التي تقرر ان يكون غزوها واجتياحها باسم قوات الجنرال ميشيل عون وباسم جيش المردة التابع لسليمان فرنجية الحفيد الذي كان قد تجرأ أكثر من مرة ووجه اتهامات الخيانة والعمالة حتى الى البطريرك الماروني نصرالله صفير.

 

وحسب هذه المعلومات الآنفة الذكر التي وصلت بدروها الى بعض العواصم الاوروبية، فان هذه الخطة التي بدايتها انقلابُ الخميس الماضي الذي جاء خطاب امين عام حزب الله الذي سبقه بساعات قليلة فقط بمثابة بلاغه العسكري رقم «1» نصت على ضرورة اسقاط حكومة فؤاد السنيورة وبسرعة واغتيال عددٍ من قادة الرابع عشر من آذار؛ وفي مقدمتهم اولا وليد جنبلاط وثانيا سمير جعجع وتدمير كل المؤسسات الاعلامية المعادية (كما حصل) والهيمنة على الحياة اللبنانية كلها وتحييد الجيش بقدر الإمكان، وبالتالي تحويل لبنان من بلد تعايش وتعددية الى بلد شمولي يكون فيه دور المسيحيين والسنة مجرد ضرورة «ديكورية» لإمارة مذهبية تابعة للولي الفقيه في طهران؛ على رأسها من الناحية الفعلية حجة الإسلام والمسلمين حسن نصر الله.

 

ان هذه ليست تصورات خيالية انها معلومات جرى تداولها بين بعض العواصم العربية المعنية، وهي معلومات وصلت الى عواصم اوروبية محددة مُطلة وبصورة مباشرة على الاوضاع في الشرق الاوسط ومتابعة للأزمة اللبنانية بحكم عوامل دينية وسياسية قديمة وجديدة. وفي هذه المعلومات، ان الجبهة الثانية التي سيفتحها تحالف «فسطاط الممانعة» الايراني ـ السوري ستكون في غزة عبر الحدود الفلسطينية ـ المصرية والهدف هذه المرة ايضا هو اجتياح منطقة العريش بطوفان بشري فلسطيني على غرار الاجتياح السابق لزعزعة أمن مصر وإحراجها ولدفع المعارضة الداخلية، وعلى رأسها «الاخوان المسلمون» للانتقال من حالة التردد الى حالة الهجوم.

 

 كان الخطأ القاتل الذي وقع فيه «استراتيجيو» الرابع عشر من آذار انهم كانوا يعتقدون ان ضعف حزب الله يكمن في قوته، وان هذا الحزب قد يستعرض عضلاته العسكرية للتأثير على الازمة السياسية المستفحلة لكنه لن يستعملها خوفا من فقد شرعيته كـ«مقاومة» والمشكلة ان هؤلاء لم يكتشفوا حجم خطئهم هذا إلا بعد ان اجتاح مغاوير حزب الله منطقة بيروت الغربية وعاثوا فيها فسادا وأحرقوا ونهبوا ودمروا المؤسسات الاعلامية وحاصروا سرايا الحكومة ومنازل كبار القيادات.

 

لقد حقق الإيرانيون من خلال ما جرى حتى الآن إنجازاً عسكرياً وسياسياً «استراتيجياً» كبيرا فها هي عاصمة عربية اخرى تصبح تابعة للولي الفقيه في طهران بعد بغداد التي لم يحسم فيها الصراع بعد، وبعد صنعاء المهددة بالحوثيين الذين حولوا صعدة الى جبهة استنزاف لنظام الرئيس علي عبد الله صالح، وبعد دمشق التي ألبسها تحالف «فسطاط الممانعة» جلبابا مذهبيا غير عباءتها العربية، وهذا كله يضع العربَ الآخرين أمام مسؤولية تاريخية، إذ ان وصول الأقدام الايرانية الى مياه المتوسط إن على شواطئ غزة او على شواطئ بيروت يعني أن خطراً فعلياً وحقيقياً قد اقترب من عواصم الدول التي توصف بأنها معتدلة!!