سبقته إحالة مسؤولين على "المجلس التأديبي" اعتراضاً على تعاظم دور جبران باسيل ...

أسباب تأجيل الانتخابات في "التيار الوطني" سياسية أم فنية؟

الحياة 6/4/2008

طرح القرار المفاجئ الذي اتخذه رئيس "تكتل التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون بتأجيل الانتخابات في "التيار الوطني الحر" التي كانت مقررة في 4 أيار (مايو) المقبل الى 26 تشرين الأول (أكتوبر)، تساؤلات حول أسباب هذا التأجيل بعدما كانت التحضيرات للانتخابات قد قطعت شوطاً كبيراً، ولم يعد ينقصها سوى انتظار النتائج التي ستصدر عنها باعتبارها تأتي في سياق الخطوة الأولى لإرساء أول هيكلية تنظيمية منتخبة لـ "التيار الوطني الحر" بعد عودة زعيمه العماد عون من منفاه الباريسي في ربيع 2005.

 

 وعلمت "الحياة" أن التساؤلات في شأن تأجيل الانتخابات تنطلق من وجهتي نظر، الأولى يتبناها شخصياً العماد عون وفيها ان السبب الوحيد لقرار التأجيل يكمن في إفساح المجال أمام استكمال الجاهزية الفنية والتقنية لتأتي النتائج تعبيراً عن التنافس الديموقراطي خصوصاً ان "الجنرال" كان حدد موعدين لإجراء الانتخابات الأول في 4 أيار والثاني في 21 تشرين الأول كحد أقصى.

 

 وحرصت مصادر وثيقة الصلة بعون على حصر أسباب التأجيل بأمور تقنية ولوجستية ونفي ما يشاع عن وجود أسباب سياسية وتنظيمية استدعت التأجيل، بخلاف وجهة النظر الثانية المدعومة من مصادر مواكبة لما يدور في داخل "التيار"، والتي تتحدث عن اختلافات في الرأي في شأن مشروع الهيكلية التنظيمية التي ستؤدي بصيغتها المطروحة الى تكريس مسؤول العلاقات السياسية في التيار جبران باسيل الذي هو صهر العماد عون، الرجل الثاني بعد حميه لما يمنحه التنظيم الجديد من صلاحيات سياسية وتنظيمية، وذلك على حساب التوجه السائد لدى المسؤولين الآخرين الذين يطالبون بتوزيع الصلاحيات على المكاتب الأخرى في التيار اضافة الى اقتراحهم ضرورة اعادة تقويم السياسة العامة التي يتبعها "تكتل التغيير والإصلاح" على قاعدة أن لا اعتراض على ورقة التفاهم القائمة بين التيار و "حزب الله"، بمقدار ما ان المطلوب منه في الوقت ذاته ان يحتفظ لنفسه بهامش سياسي يميّزه عن الأخير من دون المساس بجوهر التفاهم.

 

 وفي هذا السياق، قالت مصادر مواكبة للأسباب الجوهرية التي اضطرت عون الى التدخل طالباً تأجيل الانتخابات، إن المشكلة بدأت عندما أحس فريق أساسي في التيار بأن الجنرال عون يدعم انتخاب باسيل نائباً له وان لديه نية لإعطائه المزيد من الصلاحيات على حساب المواقع التنظيمية الأخرى في التيار.

 

 وتابعت المصادر نفسها ان لا مشكلة بين المعترضين على تعزيز صلاحيات باسيل ومؤسس التيار العماد عون، لكن مسؤولين أساسيين رأوا أن من الأفضل ايجاد صيغة تنظيمية تمنع أي مسؤول من احتكار الصلاحيات وبالتالي التحكم بالقرارات المصيرية التي يجب أن تتخذ بعد نقاش مستفيض للظروف والمعطيات لئلا يغلب عليها طابع التسرع، خصوصاً أن هناك في داخل التيار من يندفع في حماسته، تأييداً لهذا الموقف أو ذاك، ليكتشف لاحقاً انه لا بد من التروي في تحديد المواقف لئلا تضطر قيادة "التيار" الى التراجع حيناً أو الى الانقلاب على مواقفها حيناً آخر.

 

 وأوضحت المصادر عينها أن مسؤولين في التيار ممن لديهم ملاحظات على انتخاب باسيل نائباً لعون كانوا صارحوا الأخير بموقفهم وانهم اقترحوا اسم الوزير السابق اللواء عصام أبو جمرة بديلاً منه، على قاعدة أنه لا بد من تشكيل فريق عمل يشرف على إدارة الملف السياسي والاتصالات اليومية التي يجريها التيار بحلفائه في الساحة اللبنانية أو القوى السياسية الأخرى.

 

 وكشفت المصادر أن الاعتراض على اختيار باسيل نائباً للرئيس طاول أيضاً رئيس مكتب التنسيق بيار رفول باعتبار ان الأخير يشكل مع باسيل ثنائياً يتمتع بتأثير مباشر في التحضير لاتخاذ القرارات أو تحديد الخيارات السياسية.

 

 وقالت ان المعترضين على باسيل ورفول كثر ومن أبرزهم: الن عون ونعيم عون ومسؤول الإعلام انطوان نصرالله ولواء شكور وسامر بشعلاني، اضافة الى آخرين، وان جميع هؤلاء لم يتحركوا "من وراء ظهر" عون، وانما حرصوا على مصارحته بكل ما لديهم من ملاحظات أكانت سياسية أم تنظيمية، "تأكيداً منهم أنهم لا يخططون للقيام بحركة انفصالية عن التيار وان "الجنرال" يبقى صاحب المبادرة في تصحيح الأخطاء لا سيما أن التيار يشكل حالة شعبية ويتمتع بحضور فاعل في الشارع المسيحي ويتطلب منه الحفاظ على فاعليته ونفوذه وهذا يستدعي مراجعة الأخطاء لقطع الطريق على من يراهن على ان عامل الوقت لن يكون لمصلحته وان خصومه سيستفيدون من تراجعه، في ضوء احساسهم بأن تمدده لم يعد كما كان في السابق".

 

 ولفتت المصادر أيضاً الى وجود محاور أخرى في "التيار" "لكنها ليست مؤثرة ولن تؤدي الى اضعاف نفوذه في الشارع المسيحي باعتبارها نابعة من تعاظم الحساسيات بين مسؤولين وآخرين". وقالت ان نواباً في تكتل التغيير من غير المنتمين الى "التيار"، أخذوا يطرحون أسئلة حول الجدوى من بعض المواقف خشية من ان ترتد تداعياتها سلباً على الوضعية الشعبية لعون.

 

 وتابعت: "المعترضون على توسيع دور باسيل في "التيار" تداعوا الى عقد اجتماع طارئ في فندق "لورويال" في ضبيّة في شمال بيروت للتداول في آلية للتحرك للتوجه من خلالها الى العماد عون ومطالبته بتصحيح الخلل التنظيمي باعتباره القادر على احتضان الجميع من ناحية، والممسك بزمام المبادرة من ناحية أخرى، على خلفية قدرته على رعاية الخطوات لدرء الأخطاء التنظيمية قبل فوات الأوان، ومنع منافسي التيار من استغلال أي ثغرة تتخذ ذريعة لمواصلة الحملة ضده وضد سياسته. علماً ان المعترضين "ليسوا ضد ورقة التفاهم مع "حزب الله" لكنهم ينشدون منه اتباع سياسة متوازنة تحمي الخصوصيات التي يتميز بها "التيار" عن حليفه الشيعي وبالتالي تحول دون ذوبانه فيه".

 

 وأضافت المصادر ان الفريق المناوئ للمعترضين المذكورين "أخذ يروّج لمعلومات مفادها أنهم عمدوا الى استغلال مواقعهم التنظيمية واستغلال اسم عون لتوجيه الدعوات للقاء "لورويال" وذلك في محاولة لتأليب "الجنرال" ضدهم، مع ان دعوتهم جاءت على أساس أن هناك مجموعة من الأهداف المحددة تصب جميعها في خانة التشدد ضد أي شكل من أشكال الانفصال أو الانقسام وان غاية اللقاء الوحيدة تكمن في التعاون لاستيعاب حركة التملل وتوظيفها باتجاه اعادة رص الصفوف اضافة الى لا نية في تحضير الأجواء للقيام لاحقاً بحركة تصحيحة عندما تكون الظروف مناسبة". وأكدت أن عون لم يكن مرتاحاً للتحرك الاحتجاجي الذي نظمه الفريق المعترض على الدور المناط بباسيل وحليفه رفول، "خصوصاً أن الأخيرين ومن معهما تقدموا من عون بمطالعة أرادوا منها تحريضه على من يتحرك لتصويب المواقف ويدعو الى إعادة النظر في الأفكار التنظيمية المطروحة كإطار عام للانتخابات الداخلية التي يجرى الإعداد لها".

 وتردد – بحسب المصادر نفسها – ان الفريق المناوئ لتحالف باسيل رفول – التقى مطولاً عون الذي استمع منه الى ملاحظاته، لكنه فوجئ لاحقاً بقرار اتخذه زعيم "التيار الوطني الحر"، يقضي بإحالتهم على المجلس التأديبي المؤلف من اللواء المتقاعد نديم لطيف والقضاة المتقاعدين سليم العازار ويوسف سعد الله الخوري وجوزيف جريصاتي كخطوة أولى على طريق "محاكمتهم".

 

 وعليه يبقى السؤال في شأن ما يدور داخل "التيار" من تجاذبات، مطروحاً ووحده العماد عون يملك الإجابة الصريحة عليه نظراً الى انه يمسك بجميع الأوراق ويعود اليه حسم الاختلاف في وجهات النظر. فهل ينجح في التدخل في الوقت المناسب، أم أن رعايته للاختلاف في وجهات النظر تعزز مواقعه مع انه ليس في حاجة الى ترك التنافس يأخذ مداه خوفاً من أن يأتي الوقت الذي يجد صعوبة في السيطرة على لعبة التوازن؟