سليمان والرقص على حافّة الهاوية

 كتبها ابراهيم الأمين

الجمعة, 11 ديسمبر 2009 04:01

 

العلاقة بين رئيس الجمهورية ميشال سليمان وسوريا ليست على ما يرام. والعلاقة بين سليمان وأبرز قوى المعارضة ليست على ما يرام أيضاً. والعلاقة بين سليمان ومسيحيّي 14 آذار كذلك ليست على ما يرام. العلاقة الجيدة الوحيدة التي يمكن رئيس البلاد أن يتفاخر بها، هي مع آل المر

 

نصح النائب نهاد المشنوق للرئيس ميشال سليمان بأن لا يذهب بعيداً، وأن يصرف جهده في المنطقة، لأن العالم البعيد ليس مهتماً بأمورنا، بينما الجهود متروكة للإقليم. طبعاً ليس هناك أيّ مؤشر إلى اعتزام رئيس البلاد الأخذ بنصيحة أحد. بمَن فيهم المقرّبون أو الذين يودّون هذا التقرّب، باعتبار أن النصيحة التي يرغب في الاستماع إليها، هي التي ترد من العائلة الرئاسية التي تتعاقب على كل العهود بقدرة فائقة على التلوّن والتكيّف، وإذا كان النائب ميشال المر قد استهلك زمانه وكاد يطيح ما ترك للبقية، فإن نجله وزير الدفاع الياس، يحاول التميّز بهدوء ظاهر، مع قدر غير مسبوق من التوتر تجاه كل الخصوم.

 

وزيارة الولايات المتحدة ليست أمراً سهلاً، ومن يُرِدْ الاجتماع بالرئيس الأميركي باراك أوباما يجب أن يكون لديه ما يقوله، أو عليه أن يستمع إلى دفتر شروط معيّنة. ومن لا حظَّ له، فعليه القيام بوساطات مختلفة بغية الحصول على موعد. وقد استفاد سليمان من أحد كبار الموظفين في القصر الجمهوري، ومن دبلوماسي في أوروبا لإقناع الفاتيكان بالتوسط لدى الإدارة الأميركية من أجل ترتيب هذه الزيارة.

 

إلا أنّ جدول الأعمال الذي توزّعه الجهات المعنية في بيروت وواشنطن، لن يكون له مكانه سوى في جيب رجال التشريفات في الجانبين. أما الجدول الحقيقي الذي يعمل عليه السفير جيفري فيلتمان مع وزير الدفاع وآخرين، بينهم شخصيات قريبة من سليمان، فيركّز على ضرورة أن يكون لرئيس الجمهورية موقف لا يتبنّى المسار العام الذي تتخذه الأوضاع في لبنان والمنطقة الآن، ومنحه جرعة لكي يكون واقفاً بوجه ما تراه واشنطن «سياسة الاحتواء» التي تقوم بها دمشق في لبنان اليوم.

 

ولأن رئيس الجمهورية يعرف ـــــ على الأقل ـــــ حساسية الملف، سارع فور تبلغه الموافقة المبدئية على الزيارة إلى طلب موعد عاجل من الرئيس السوري بشار الأسد، وقال سليمان بعد عودته إنه أثار معه موضوع الزيارة إلى واشنطن، وإنه سمع منه تشجيعاً وترحيباً.

 

كذلك لم يفت رئيس الجمهورية أن يشيع في بيروت عبر بيانات وتسريبات أن الأسد أكد له دعمه في كل المجالات. وتولت جوقة من الزوّار، الذين تتفاوت مراتبهم بين راسبين في الانتخابات النيابية ومرشحين للانتخابات البلدية، شرح هذه العبارة على أنها موجّهة إلى الجميع في بيروت، ولا سيما إلى العماد ميشال عون.

كادت الأمور تقف عند هذا الحد، لولا أن الرئيس سليمان يتطوع عادةً لأدوار يبدو فيها طرفاً منحازاً في اللعبة الداخلية إلى جانب فريق ضد آخر. وهو الأمر الذي احتاج إلى سلسلة من الخطوات بين بيروت ودمشق ويمكن حصرها بالآتي:

 

أولاً ـــــ إن القيادة السورية ليست الجهة المعنية بتشجيع أو منع رئيس لبنان من القيام بزيارة إلى هذه العاصمة أو تلك. لكن القيادة السورية تعرف أنه ليس هناك الآن من جدول أعمال مثمر بالنسبة إلى أحد في الولايات المتحدة. وأكثر من ذلك، فإن القيادة السورية اهتمت بوضع الجميع بمن فيهم الرئيس سليمان نفسه، في جوّ أن الأولويات العربية التي تحتاج إلى جهد هي التي تعزز مناخات المصالحة والتوافق سواء بين العواصم العربية أو داخل الدول العربية نفسها.

 

ثانياً ـــــ أبلغت القيادة السورية الرئيس سليمان رفضها أيّ محاولة لاستخدام العلاقة معها في أيّ معركة داخلية في لبنان. وجدّدت موقفها من القادة البارزين في لبنان، وقالت للرئيس سليمان إنها تريد علاقة واضحة ومباشرة مع الحكومة في بيروت، لكن ذلك لا يعني أنها على الحياد في أيّ ملف اختلافي، وهي تقف علناً إلى جانب قوى المعارضة، وتتعامل مع سليمان بصفته رئيساً للجمهورية، ولكنها تتعامل مع العماد ميشال عون بصفته الزعيم المسيحي الأبرز.

 

ثالثاً ـــــ نصحت القيادة السورية لرئيس الجمهورية بعدم الوقوف خلف موقف فريق في لبنان ضد فريق آخر، وذكّرته بالنتائج السلبية لخياراته التي دفعته إلى موقف مخالف للحياد في الانتخابات النيابية وفي ما يجري الآن من إعداد للانتخابات البلدية، إلى جانب ملف التعيينات الإدارية.

 

رابعاً ـــــ سارعت قوى في المعارضة إلى إبلاغ رئيس الجمهورية أنها تريده طرفاً فاعلاً في تحقيق التوازن داخل السلطة التنفيذية، أي في مجلس الوزراء، لكن هذه القوى تعرب عن قلقها لكون رئيس الجمهورية لا يبدو مهتماً بدور خاص، بل هو يبدو غير مستفيد على الإطلاق من تجربتَي سلفيه الرئيس الراحل إلياس الهراوي والرئيس إميل لحود. وهو أمر يهدد استقرار مجلس الوزراء إذا اتخذ سليمان موقفاً منحازاً لمصلحة فريق 14 آذار، وقد يعوق هذا الموقف كل التفاهمات التي جرت.

 

الفاتيكان توسّطت لدى الإدارة الأميركية من أجل ترتيب زيارة سليمان إلى واشنطن

خامساً ـــــ يبدو أن الرئيس سليمان الذي رفض تمنيات لبنانية وسورية وعربية بأداء دور في الحد من الظلم والتعسف اللذين رافقا أعمال التحقيق اللبناني والدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، مستمر في هذا الدور، وقد حاول التطوع في الأيام القليلة الماضية للتدخل في ملف متصل بهذا الموضوع فما حصل على مبتغاه.

 

سادساً ـــــ أخطأ رئيس الجمهورية في إثارة ملفات في بيروت أو دمشق من النوع الذي يفتح الأعين عليه ولا يقرّبه من أحد. وهو مثلاً يظهر اعتزازاً بعلاقته مع النظام المصري، دون أن يشير إلى دور القاهرة في دعم وصوله إلى الرئاسة الأولى، ودون أن يدرك خطورة هذا الموقف، وكون النظام في مصر لم يعد يدخل أصابعه في مكان إلّا يحوّله خراباً، مثل حال أدواره في لبنان وفلسطين والصومال والعراق والسودان... والآن يسعى إلى التدخل في اليمن.

 

سابعاً ـــــ تلقّى رئيس الجمهورية نصائح بأن يعمل على كسب موقف أميركي يقول بتوفير الدعم الأساسي للجيش اللبناني لا لقوى الأمن الداخلي. وهو في هذا المجال يحاول استعادة نفوذ خسر جانباً كبير اً منه داخل المؤسسة العسكرية، وبالتالي إقناع البيت الأبيض برفض توصيات وزارة الخارجية الأميركية القائمة على دراسات أكاديمية ذات أبعاد سياسية، والتي تركّز على سبل دعم قوى الأمن الداخلي باعتبارها «القوة الضاربة» لدى فريق 14 آذار، مقابل عدم تزويد الجيش بأيّ دعم استثنائي ما لم يبادر إلى خطوات عملية ضد حزب الله، وضد ما تسمّيه الولايات المتحدة «الخلايا الأجنبية التي تديرها سوريا في لبنان».

 

ويبدو أن الرئيس سليمان المدرك لصعوبة الأمر على مختلف جوانبه، لن يحصد من زيارته سوى أيام الإجازة وبعض الصور التذكارية في البيت الأبيض، وبعض المؤسسات الأميركية الأخرى. ومشكلته مزدوجة: فإذا قرر نيل رضى الولايات المتحدة فسيجد نفسه معزولاً في لبنان وأمام مواجهة فعلية مع سوريا، أما إذا أغضبها، فلن يعود إلى واشنطن ثانيةً، وقد تتعقّد طلبات مواعيد في عواصم أوروبية وعالمية أخرى. لكن في محيط الرئيس مَن بات خبيراً في لعبة «عمى الألوان»، حيث لا يقدر أحد على ضبطه متلبّساً بهذا الموقف أو ذاك.

ابراهيم الأمين

الأخبار