قادة الجحُور أضلُّوا أبرياء غزة

أحمد الجارالله

الأحد 4 يناير

جريدة السياسة الكويتية

 

يكرر التاريخ نفسه وتعود النكبة في نسختها الجديدة مع كامل الأوداج خالد مشعل الذي خرج من جحره في دمشق "ليزف" للعالم - وبكل قلة حياء - ان صواريخ "حماس" في مأمن وأنها لم تتأثر بالغارات التي تشنها اسرائيل ضد غزة.

 

نشكر مشعل على "بشراه السارة" لكننا نسأل: الى متى يدخر ما يدعيه من ترسانة الصواريخ? ألا يستحق ما سفك من دماء فلسطينية في غزة ان يشعل فتيل تلك الصواريخ لترد ولو بالحد الادنى على ما يرتكب بحق مواطنيه الفلسطينيين? أم ان مشعل يسير على نهج "حزب الله" الذي توعد في حرب 2006 ان تطال صواريخه "ما بعد بعد حيفا", فانتهت الحرب الاسرائيلية المدمرة ضد لبنان, وصواريخ "حزب الله" لم تغادر مخابئها, وبقي التهديد دون أي فعل يحقق "توازن الرعب" الذي طالما تحدث عنه "الحزب الالهي".

 

استشهد المئات في لبنان ولم تتحرك الصواريخ الموعودة, واستشهد المئات في غزة حتى الآن وخالد مشعل يكرر سيرة حسن نصر الله, فهل يريد الاحتفاظ بصواريخه, اذا كان لديه صواريخ, حتى يصدر قرار دولي ملزم بوقف اطلاق النار, وعندها تكون هناك حماية دولية لاسرائيل مثل الحماية الدولية التي ازاحت "حزب الله" من موقعه المتاخم للحدود مع اسرائيل الى مواقع اخرى وراء حدود نهر الليطاني, وأصبح لا حيلة له ولصواريخه الا اذا استخدمها ضد الشعب اللبناني, وقد فعل ذلك في اليوم الاغبر الذي اجتاحت فيه ميليشياته بيروت وبعض قرى جبل لبنان?

 

لقد ورط حسن نصر الله شعب لبنان في حرب غير متكافئة دمرت الوطن, ليدعي رغم ذلك انه حقق نصرا إلهيا, واخطأ نصر الله هدفه لاحقا ليحول صواريخه نحو بيروت التي اصبحت بديلا من حيفا.

 

استطاع حسن نصر الله ان يغسل أدمغة بعض الناس بالكلام او بالمال, وأفاق اللبنانيون لاحقا على هول النكبة التي حلت بهم, والآن نحن أمام صورة مشابهة يجسدها خالد مشعل الذي يقود معركة لا يعرف متطلباتها, ويظن ان ستراتيجية الصراخ والتهديد كفيلة بقتل اليهود ودحر اسرائيل وجيشها "العرمرمي" تسليحا وبشرا.

خالد مشعل يقود من جحره في دمشق معركة قتل اهل غزة وتدمير بيوتهم وممتلكاتهم, يخطئ ويرمي خطأه على الآخرين, ويلقنه حسن نصر الله ماذا يقول, بما في ذلك مهاجمة مصر وقياداتها السياسية والعسكرية وحتى أهلها, ظنا منه ان التاريخ هو سنة 1952 او 1956 عندما حكم جمال عبدالناصر والقيادات التي صنفت نفسها ثورية بعض الدول العربية.

 

ان عالم اليوم ليس عالم الأمس, ولم يعد سهلا على زعماء "النصر الالهي" الضحك على ذقون الناس وجرهم الى الموت والتهلكة من دون عدة واستعداد. وبذلك ذهب كلام نصر الله وتابعه مشعل أدراج الرياح, وقد يأتي قريبا يوم الحساب الذي يسأل فيه هؤلاء عن مسؤوليتهم في قيادة اهلهم, والضاربين لهم الطبول الى حفلات الموت والدمار.

 

سيحاسب هؤلاء عن كذبهم على شعبهم وتخديره بأوهام الرد الصاروخي الذي يزلزل الارض تحت أقدام العدو, وسيحاسب الناس اولئك الذين ينصبون انفسهم "أولي الأمر" على شعوبهم وعلى الشعوب العربية الاخرى, ويشنون حربهم عبر الفضائيات من جحورهم ومخابئهم ليدفع الابرياء, من الاطفال والنساء والشيوخ, وحدهم فاتورة التضحية بعدما تركوا يواجهون تحت حصار الجوع ودون ملاجئ آلة الدمار الاسرائيلية الفتاكة.

 

ثمانية أيام من الحرب الضروس ضد غزة والحدود القصوى لتضحيات "أشاوس حماس" شاشات واستديوهات بعض الفضائيات التي تستفيد منهم للتندر وكشف ألاعيبهم وكذبهم على شعبهم وعلى العالم, وليتأكد للجميع ان اسرائيل هي المستفيدة الوحيدة من سوء إدارة هؤلاء "الأشاوس" للقضية الفلسطينية.

لقد دار هؤلاء في فلك مصلحة اسرائيل, بعلمهم او بجهلهم, وأثبتوا غباء مفرطا في دراسة الساحة الفلسطينية وتطورات الساحة الدولية, وأكدوا أنهم مجموعة هواة في العمل السياسي يقودون شعبهم في مغامرات خاسرة وغير مدروسة.

 

واذا كانت جريمة اسرائيل أنها تتصرف كعدو فتقتل اهلنا في غزة, فإن جريمة مشعل وأتباعه أنه تحت شعار المقاومة, يرتكب أشد الجرائم بحق شعبه, فيقدم لاسرائيل ذريعة القتل والتدمير, ويؤمن لها التأييد العالمي من خلال تقديم تل أبيب كدولة معتدى عليها وتمارس حقها في الدفاع عن نفسها وحماية شعبها.

يوما بعد يوم تتعمق المأساة, ولا يملك معها من يراقب ساحة المعركة في غزة إلا القول "حسبنا الله ونعم الوكيل لقد أضلنا قادتنا وأضرونا", أعان الله شعب فلسطين, فقد قتله قادته الذين تاجروا بدمه, والدنيا دار جزاء... ويوما ما سينال هؤلاء جزاءهم على ما ارتكبوه.