هدف إغتيال الحسن إنهاء إستقلالية شعبة المعلومات الأمنية وجعل لبنان "جائزة ترضية" لإيران بعد سقوط الأسد

كتبت ميشلين أبي سلوم*

 

في المرة الثالثة التي استُهدف فيها قبل أشهر، نجا الحسن من الشرك ليقع فيه في المحاولة الرابعة، فكسرت مقولة "الثالثة ثابتة" ليهوي في الرابعة منها صريعاً حيث كان يتوقع غير مرة ان يستهدف، وحتى في الشارع نفسه. فاستشهد ومعه أحد مرافقيه ومجموعة من اللبنانيين المدنيين الذين كانوا في الطريق الى بيوتهم وفي منازلهم، في لعبة كبيرة لا تتسع لها أزقة بيروت.

 

ان جريمة اغتيال شهيد الحقد والكراهية العمياء، هي من الحرفية والدهاء تخطيطاً وتنفيذاً وتفجيراً، ما يتجاوز إمكانيات أفراد جمعت بينهم ظلامية فكرية، أو ثأر عابر. وبالتالي فإن وراء هذه العملية الغادرة جهات وأطراف تمتهن حرفة القتل والتفجير، وتعرف جيداً كيف تصطاد ضحاياها، مهما بلغت احتياطاتهم الشخصية والأمنية، ومهما كانت الخسائر والأضرار التي سيحصدها التفجير الآثم بشراً وحجراً، كما شاهد العالم اجمع ما أحدث انفجار الأشرفية من خراب في المنازل والمباني، ومن إصابات في صفوف المدنيين الأبرياء الذين سقطوا بين قتلى وجرحى.

 

ففي طريقة التفجير، وفي شدّته التي تحوّل الخصم إلى أشلاء متفحّمة، فإن اغتيال العميد وسام الحسن ينتمي إلى فئة إغتيالات الرئيس الحريري، والصحفي جبران تويني، وعدد آخر من الشهداء نذكر من بينهم وليد عيدو وأنطوان غانم، والضابط وسام عيد والضابط سمير شحادة. هل من الضروري أن نضيف أن إطلاق النار ابتهاجاً في الضاحية الجنوبية بعد إعلان مقتل وسام الحسن ذكّرَنا بـ"توزيع البقلاوة" بعد مقتل جبران تويني؟ أي أنه، في الشكل، يختلف عن اغتيال سمير قصير وجورج حاوي.

 

طبعاً، يمكن القول أن "أمر إعدام" وسام الحسن صدر مباشرةً بعد نجاح "فرع المعلومات" في إبطال مخطط ميشال سماحة، وفي توجيه أصابع الإتهام لعلي مملوك و.. الجزار بشّار الأسد مباشرةً.

من قتل الجنرال فرنسوا الحاج؟

 

لكن اغتيال العميد الحسن، وهذا ما لم يسجّله بيان ١٤ آذار الصادر مساء الجمعة الماضي، هو ثاني اغتيال (منذ انسحاب الجيش السوري من لبنان) لمسؤول عسكري-أمني يُشغّل منصباً حسّاساً جداً في الدولة اللبنانية.

 

فقد سبقه اغتيال مدير العمليات في الجيش اللبناني، الجنرال فرنسوا الحاج، في عملية تفجير أثناء مرور سيارته أيضاً، وذلك في ١٢ كانو الأول/ديسمبر ٢٠٠٧. وحتى الآن، لم يتم العثور على القَتَلة، ولم يُوجّه الإتهام لأي طرف باغتيال الضابط الذي كان أبرز مرشّح لمنصب قائد الجيش، والذي قاد عمليات "نهر البارد" ضد "فتح الإسلام" ضارباً عرض الحائط بتحذير حسن نصرالله من أن "نهر البارد خط أحمر"!

 

حتى تاريخ كتابة هذه السطور, لم يتم العثور على قَتَلة فرنسوا الحاج، ولكن حزب الله وسوريا الأسد بات، منذ اغتيال الحاج، وبعد غزوة ٧ أيار ٢٠٠٨، يملك "حق فيتو" على اختيار قائد الجيش وقادة الأجهزة الأمنية كلها، كلّها.. ما عدا "فرع المعلومات" في قوى الأمن الداخلي!

 

وليس سرّاً أن "وليد جنبلاط" هو الذي فرض بقاء وسام الحسن وأشرف ريفي عند تشكيل حكومة نجيب ميقاتي. وكان حزب الله وحليفه المدلّل ميشال عون قد طالبا بإقالتهما، ولكن جنبلاط ربط دخوله إلى حكومة ميقاتي ببقاء الضابطين في مناصبهما.

 

غليان المنطقة ولبنان

استشهد وسام الحسن في زمن بلغ فيه الغليان في لبنان والمنطقة أوجه، وبلغ الصراع بين الأحلاف الدولية الكبرى مداه الأقصى، وبلغت فيه لوائح الرؤوس المستهدفة ما لا تتسِع له مثل هذه اللوائح من قبل في اي زمان ومكان.

 

لم يكن وسام الحسن مجرد رئيس فرع او شعبة للمعلومات في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي في لبنان، فقد تمكن في السنوات الماضية، وتحديدا منذ تعيينه في 12 شباط 2006 رئيسا لفرع المعلومات بعد عام إلّا يومين من اغتيال صديقه الرئيس رفيق الحريري، بناء شبكة من العلاقات الدولية والاستخبارية جعلته متقدما على العديد من الأجهزة الدولية في المنطقة والعالم.

وسام الحسن والمحكمة الدولية

 

لم يكن ذلك بالصدفة، فقد تمكن الحسن من تفكيك الكثير من رموز جريمة 14 شباط2005  وأسرارها، وما وضعه في رصيد المحكمة الخاصة بلبنان ومن قبلها لدى لجنة التحقيق الدولية المستقلة التي كلفت التحقيق في جريمة الحريري، فحوّلها من هيئة تسعى الى اكتشاف المجرمين الى هيئة تسعى الى تثبيت معلومات الحسن، والبحث عمّا يثبت من الأدلة التي تدعم معلومات الحسن وتثبّتها بالوقائع، وما الرسالة الأولى التي تلقاها بداية باغتيال الرائد وسام عيد إلّا الإنذار الأول.

 

...والربيع العربي

لم يتوقف الحسن عند حدود هذه اللعبة، فواصل العمل بكل القدرات التقنية والعلمية والاستخبارية التي باتت في حوزته. فتجاوز، وعبر الحدود اللبنانية والإقليمية، الى ما هو اكبر فتحوّل هدفا مهما للكثير من الأعداء الإقليميين والدوليين، الى ان تمكن أحدهم منه بالأمس بعدما رفع الكثير من اوراق التين التي كانت تحميه وتغطي جرائمه في لبنان والمنطقة، الى ان بدأت فصول الربيع العربي وبلوغ الثورة دمشق ودرعا والعديد من المدن السورية، وصولاً الى توقيف الوزير السابق ميشال سماحة على خلفياتها السورية قبل اللبنانية، فعاد ليكون اول المستهدفين في السر والعلن.

 

يعتقد بعض اللبنانيين بأنه كان من الأجدى لو ان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قد تخلى عن العميد الشهيد، وأقاله من موقعه لكان نجا من الموت. لكنّ آخرين يعتقدون انه كان عليه ان يخوضها معركة حتى النهايات الكبرى، وهو ما اختاره الحسن طوعاً. فهو الذي قيل عنه انه كان يعيش اياما من الزهو بما حقق، فمع اكتشاف كل شبكة من شبكات التجسس لصالح إسرائيل كان يعيش هذه اللحظات، ولمّا وصل الى اكتشافاته الأخيرة عاش ذروة هذه النشوة، فلم تعد تتسع له الدنيا وهو ما جعله اقرب من لحظة الاستشهاد.

 

ماذا كان وسام الحسن يمثّل؟

كان يمثّل الجهاز الأمني الوحيد في لبنان الذي يثق به التيّار الإستقلالي. الوحيد، وبدون استثناء! ولهذا السبب، تعرّض وسام الحسن لحملة تشهير "منظّمة" متواصلة منذ سنوات لم يتعرّض لها مسؤول أمني قبله (الجنرال جميل السيّد شهّر به الشارع اللبناني قبل السياسيين). كان فحوى الحملة، التي قادها حزب الله وتابِعِه العوني، وإعلام بشّار الأسد في بيروت وفي دمشق، هو أن "فرع المعلومات" هو "جهاز غير شرعي"!

 

أي أن الجهاز الأمني الوحيد الذي لا يملك حزب الله "حق فيتو" على تعيين رئيسه "غير شرعي"، في حين تكتسب الأجهزة الأخرى "شرعيتها" من "التشاور المسبق" مع حزب "غير شرعي قانوناً" حول تعيين قادتها!

 

بهذا المعنى، فإن اغتيال العميد الحسن هو "محاولة إنقلابية" إلى جانب كونه عملية اغتيال سياسي وأمني.

 

المقصود هو إخضاع الدولة اللبنانية في آخر أجهزتها "شبه المستقلة". أي إخضاع "السيادة اللبنانية" التي تمثّلها أجهزة الدولة الرسمية لسيادة حزب غير شرعي، ولسيادة طاغية يذبح شعبه في سوريا.

بعد اغتيال وسام الحسن، يمكن لبشّار الأسد وحزب الله أن يطالبوا بحلّ "فرع المعلومات غير الشرعي"، أو بـ"حق فيتو" على من سيخلف وسام الحسن!

 

وفي جميع الأحوال، فإن سياسة "الإغتيالات" كفيلة ببث الرعب في قلوب من سيخلفون وسام الحسن!

 

وفي "إرهاب" من سيعيّنونهم! بدءاً برئيس الجمهورية اللبنانية الذي "هنّأ" وسام الحسن، و"تجرّأ" على الطاغية الدمشقي بعد عملية ميشال سماحة! بكلام آخر، اغتيال وسام الحسن هو، أيضاً، "رسالة" (سورية و"إنقلابية") لرئيس الجمهورية ولرئيس حكومته!

 

ماذا يعني ذلك؟

يعني أن اللبنانيين أمام "محاولة إنقلابية" جديدة ترمي إلى الإستيلاء على البلد في لحظة تهاوي نظام بشّار الأسد. فيصبح لبنان "جائزة ترضية" لإيران بعد سقوط حليفها الدمشقي.

***

المستهدف في انفجار الأشرفية ليس وسام الحسن وحده، بل الدولة بمؤسساتها وسلطاتها، وبدورها، بل وبوجودها من الأساس. وإذا لم يهبّ اللبنانيون للدفاع عمّا تبقى من الدولة ورموزها، فعلى البلد السلام، على الأقل لعقود جديدة من الزمن.

 

 ولكن، لا بدّ من التأكيد بأن الدفاع عن الدولة لا يكون بمهاجمة السراي الحكومي، أو أية مؤسسة رسمية أخرى، ولا بقطع الطرقات وإشعال الاطارات، ولا حتى بالتعرض للعابرين والمتنقلين بين بيروت والمناطق الأخرى.

 

الدفاع عن الدولة يتطلب خطة سياسية حاسمة وواضحة، تنتهج المقاومة المدنية والأساليب الديمقراطية والحضارية سبيلاً للتغيير، سواء عبر الإضراب السلمي المفتوح، أو من خلال صندوقة الاقتراع، أما ما عدا ذلك من أساليب العنف والغوغاء فيصب في خانة المخططين لتفجير الفتن وإعادة مسلسل الاغتيالات، وقد تكون جريمة اللواء وسام الحسن الحلقة الأولى في الجولة الجديدة!.

 

*صحافية لبنانية

 

24 تشرين الأول/12