المستقبل يبلغ بكركي موافقته على مشروع الدوائر الصغرى و14 آذار تنجو من فخ الاقتراح الأرثوذكسي لقانون الانتخابات؟

بقلم/ميشلين أبي سلوم*

 

دخل الصراع على القانون الانتخابي مرحلة حاسمة مع وصول مشروع الحكومة الى المجلس واحالته الى اللجان النيابية التي عقدت اول اجتماع لها لدرسه. بالاضافة الى اقتراح قانون آخر تقدم به النائبان نعمة الله ابي نصر وآلان عون باسم تكتل التغيير والاصلاح. لكن النقاشات لن تنحصر في هذين القانونين وستتعداهما الى مناقشة اقتراحات اخرى، في مقدمها اقتراح الدوائر الصغرى.

ورغم أن اتفاق الطائف نص صراحة على اعتماد الدوائر الانتخابية ذات الاختلاط الطائفي، حرصاً على الانصهار الوطني، وذلك على ضوء إعادة النظر بالتقسيمات الإدارية والمحافظات المناطقية، إلا أن التطبيق الأعرج لبنود الطائف، والاعتراض الماروني المستمر على الدوائر الانتخابية، أديا إلى اعتماد قانون جديد للدوائر الانتخابية في كل موسم انتخابي، وكان آخر القوانين وأشهرها قانون انتخاب عام 2000، الذي أصبح يُعرف بقانون غازي كنعان!.

 

حتى هذا القانون الذي لم يشفع اسم صاحبه له بالاستمرار أكثر من دورة، كان مرشحاً للتعديل في جلسة مجلس النواب الأخيرة التي حضرها الرئيس رفيق الحريري يوم اغتياله في 14 شباط 2005، وذلك استعداداً للانتخابات التي كانت ستجري في صيف العام نفسه!.

 

بعد الخروج السوري من لبنان، واستلام فريق 14 آذار للسلطة، ارتفعت أصوات مارونية تطالب بتعديل قانون الانتخابات، واعتماد الدوائر الصغرى، بدل دوائر المحافظات التي جرت على أساسها انتخابات عام 2005، من دون تعديل يُذكر في قانون غازي كنعان، نظراً للحالة الانتقالية والحسّاسة التي كان يمر بها البلد.

 

وفي انتخابات 2009 أصر البطريرك الماروني الكاردينال مار بطرس صفير، على اعتماد الدائرة الصغرى، ولو أدى ذلك للعودة إلى «قانون الستين»، سعياً لتصحيح التمثيل الماروني خاصة، والمسيحي عامة.

 

فكان أن جرت الانتخابات الأخيرة على قاعدة الدائرة - القضاء، على نحو ما تمّ اعتماده في عهد الرئيس فؤاد شهاب قبل خمسين عاماً!!.

اليوم، ومع اقتراب موعد الانتخابات في صيف العام المقبل، وبعد سبات عميق استمر ثلاث سنوات ونيّف، عادت الحرارة إلى السجالات المحمومة بين القيادات المارونية، حول حجم الدوائر الانتخابية، والتي يريد البعض أن يقسمها إلى خمسين دائرة دفعة واحدة!.

 

عندما انعقدت الجلسة الاولى للجان النيابية برئاسة نائب رئيس المجلس، فريد مكاري، كان واضحا ان جلسات المناقشة ستطول، وان الخروج باتفاق على قانون انتخابي جديد، لن يكون امرا سهلا. وقد تأكد هذا الأمر في اعقاب انتهاء الجلسة التي أفضت الى إعادة مشروع القانون الى الحكومة لكي يُصار الى توقيعه من قبل وزير الخارجية عدنان منصور، بعدما اكتشف النواب انه غير موقّع منه. وفي حين اعتبر البعض ان ما جرى مجرد تضييع للوقت، برّر آخرون، وعلى رأسهم مكاري، ان توقيع وزير الخارجية مهم لأنه مسؤول عن متابعة مسألة إشراك المغتربين اللبنانيين في الانتخابات، كما هو متفق عليه في مجلس النواب.

 

طبعاً من حق كل فريق سياسي أن يسعى إلى تحسين مواقعه في البرلمان العتيد، وأن يزيد عدد نوابه، خاصة وأن مجلس النواب المنتخب هو الذي سيختار رئيس الجمهورية الجديد.

ففي كل الاحوال، من البديهي ان قوى 14 آذار ليست مستعجلة في بت القانون، بانتظار التفاهّم على قانون بديل. وقد أصبح واضحا ان النسبية لن تمر على اساس 13 دائرة، ولا وفق تقسيمات اخرى. وقد اتفقت قوى 14 آذار مع النائب وليد جنبلاط، وبات إسقاط المشروع امراً محتوماً.

مفاجأة عون

هذا الواقع طرح سؤالاً حول القانون البديل الذي سيجري الاتفاق عليه. وقد جاءت المفاجأة من قبل رئيس تكتل التغيير والاصلاح، من خلال تقدمه بمشروع انتخابي تبنّى فيه طرح اللقاء الارثوذكسي. أسباب المفاجأة ان حزب الله وحركة امل سبق أن رفضا هذا الطرح. بالاضافة الى أن المناقشات في بكركي حول توحيد موقف الموارنة والمسيحيين حول مشروع واحد لا تزال قائمة، وتقديم المشروع في المجلس النيابي، بدا وكأنه قطع للطريق على استمرار المفاوضات، ووضع الجميع امام الامر الواقع.

 

في هذا الاطار، كادت قوى 14 آذار ان تقع في الفخ الذي نُصب لها من خلال هذا الطرح. إذ اعتقدت ان عون، الذي يدرك ان هذا المشروع لن يمر، لأن القوى الاسلامية، بالاضافة الى قوى وشخصيات مسيحية ترفضه، انما تقدم باقتراحه لكي يُحرج مسيحيي 14 آذار، ويُظهرهم بموقف الرافض لمشروع يتيح للمسيحيين فرصة انتخاب كل نوابهم ال 64 في المجلس. وقد سارعت هذه القوى، ومن ضمنها حزب القوات اللبنانية، الى الاعلان انها مستعدة ان تمشي في هذا المشروع اذا أمّن العماد ميشال عون تأييد حليفه الشيعي للاقتراح.

ما هي مفاجأة بري؟

 

النقزة الاولى بالنسبة لقوى 14 آذار جاءت من خلال الموقف المتقدّم الذي أعلنه رئيس المجلس النيابي نبيه بري، من انه جاهز لدعم اي اقتراح انتخابي يتوافق عليه المسيحيون. وبعد ايام سُئل نواب من كتلة بري بوضوح ما اذا كان كلامه يعني انه مستعد ان يمشي بقانون اللقاء الارثوذكسي الذي ينصّ على أن ينتخب ابناء كل مذهب نوابهم، في حال توافق المسيحيون على هذا المشروع، فاجابوا ب نعم!

في هذه اللحظة ادرك مسيحيو 14 آذار ماذا يجري. وعرفوا ان طرح مشروع اللقاء الارثوذكسي في المجلس النيابي من قبل عون ليس مجرد مناورة لذر الرماد في العيون، بل انه يخفي خطة مبرمجة هدفها استدراجهم الى الموافقة على المشروع انطلاقا من حسابات خاطئة مفادها ان الفريق الشيعي لن يوافق عليه. لكن حزب الله وحركة امل يفاجئان الجميع بالموافقة، ويمشي المشروع.

 

هذا السيناريو، يؤدّي الى النتائج نفسها التي كان سيؤدّي اليها مشروع الحكومة في قانون النسبية في 13 دائرة. والحسبة في هذا السياق بسيطة. اذ ان الثنائي الشيعي يحصد في الانتخابات لاعتبارات معروفة، من ضمنها السلاح، حوالى 90 او 93 في المئة من الاصوات الشيعية، بما يؤمّن له الفوز في غالبية المقاعد المخصصة للطائفة. في المقابل، لا يستطيع تيار المستقبل ان يحصل على اكثر من 70 في المئة من الاصوات السنية بما يعني حصوله على القسم الاكبر من المقاعد، لكن خصومه السنة سيحصلون بدورهم على حصة مقبولة. أما المسيحيون فان المقاعد سوف تنقسم مناصفة في ما بينهم، على اساس 8 و 14 آذار. ولن تكون حصة جنبلاط الدرزية كافية لاعادة التوازن بين الطرفين. وسيخرج فريق 8 آذار منتصرا بحصوله على الاكثرية النيابية.

رداً على هذا السيناريو، يقول مسيحيو عون، ان المهم في هذا الموضوع ان المسيحيين يكسبون قانونا يتيح لهم انتخاب نوابهم في المستقبل، بصرف النظر عن 8 و 14 آذار. لكن هذا الرأي لا يبدو مُقنعا لمسيحيي 14 آذار، لأنهم يطرحون سؤالين:

أولاً - ما الذي يضمن ان هذا القانون سيستمر في الدورات المقبلة، ما دامت القوانين تتغير كل اربع سنوات، فكيف سيكون الوضع بعد ان يضع حزب الله يده بقوة على السلطة. هل سيسمح باستمرار هذا القانون. وحتى لو افترضنا ان الحزب تعهد لعون بالابقاء على هذا القانون في المستقبل. هل سيبقى عون خالدا لكي يضطر الحزب الى الوفاء بتعهداته له؟

ثانياً - كيف سيكون شكل البلد ووضعه خلال السنوات الاربع المقبلة التي سيضع خلالها حزب الله يده على السلطة، في ظل تطورات غامضة في سوريا، تشير حتى الآن الى انها قد تطول. فهل المطلوب أن يكون لبنان، في هذه الحقبة، في عهدة المحور الايراني؟

 

في النتيجة، يتبيّن ان طرح اللقاء الارثوذكسي هو مجرد كمين هدفه الاول والاخير تمهيد الطريق لفوز 8 آذار بالأكثرية النيابية. ولذلك، هذا الطرح لن يمشي ايضا، كما هي حال طرح النسبية، وسيتركّز الجدل على قانون الدوائر الصغرى.

نقاشات 14 آذار

في المقلب الآخر، تبدو قوى 14 آذار قادرة على تمرير مشروع الدوائر الصغرى الذي يحظى، من حيث المبدأ، بموافقة القوى الاساسية فيها، ومن ضمنها تيار المستقبل الذي أبلغ وفد منه البطريرك الماروني، موافقته على الطرح. لكن تبدو العقدة في التفاصيل. وعنوان الدوائر الصغرى يتضمّن الكثير من التفاصيل التي تؤدّي الى ظهور خلافات ضمن الفريق الواحد. حزب القوات اللبنانية، من جهته، أعدّ اقتراحا مفصلا لتقسيمات الدوائر الصغرى. لكن هذا التقسيم قد لا يحظى بموافقة تيار المستقبل، والنائب وليد جنبلاط. وبالتالي، الجدل يدور حاليا داخل صفوف 14 آذار، في محاولة للاتفاق على تقسيمات الدوائر، بعدما تمّ الاتفاق على مبدأ الدوائر الصغرى.

 

وتتصرّف قوى 14 آذار حاليا، على اساس انها مسؤولة عن إصدار قانون انتخابي يُرضي كل مكونات المجتمع التعدّدي في لبنان. وتنطلق في هذا التفكير من واقع انها تملك الاكثرية مع النائب جنبلاط، وبالتالي، ان أي اتفاق بينها على قانون معين ستكون قادرة على تمريره من خلال التصويت في المجلس النيابي، فهل تنجح قوى 14 آذار في التفاهم قريبا على تقسيم الدوائر الصغرى، لكي يبدأ العمل على تمرير المشروع في المجلس، ولإسدال الستارة على المشاريع الاخرى التي تحمل في غالبيتها افخاخا هدفها الوحيد إقصاء هذه القوى عن امتلاك الاكثرية في المجلس النيابي المقبل؟

 

لا شك أن لبنان بحاجة إلى قانون انتخابات عصري، يُراعي توازنات النسيج الوطني، ولكن يُعزّز التلاحم اللبناني، ويُنمّي الالتزام للوطن وللدولة، لا للطائفة ولا للزعيم السياسي، ويقوّي الانصهار الوطني بين اللبنانيين المتمسكين بصيغة «الوطن الرسالة» الذي يجمع هذا التعدّد الديني والتنوع الثقافي، في إطار من الوحدة، أصبح نموذجاً رائداً حسب كلمات البابا بنديكتوس.

*صحافية لبنانية

 

03 تشرين الأول/12