الخطوات العملية في مواجهة الهيمنة الإيرانية في الخليج

بقلم/الكولونيل شربل بركات

 

النزاع القائم بين ايران والدول العربية في الخليج ليس وليد الساعة ولا هو من الظواهر المرحلية إنما استمرار لحالة طبيعية من التنافس بين الجيران لها جذورها التاريخية التي تعود إلى بدايات السيطرة الفارسية على المنطقة وانحسارها أمام اليونانيين أولا ومن ثم تجدد الصراع مع البيزنطيين حيث استعملت قبائل عربية للمناوشة من قبل الطرفين ونهايتها كسلطة توسعية مع الفتح العربي بتحول الفرس إلى الدين الاسلامي وقبولهم بسلطة العرب. ولكن هذا القبول لم يكن نهائيا ما جعل هذا الصراع يأخذ أشكالا متنوعة بحسب قدرة السلطة المركزية على معالجة الأمور.

 

وعندما خبا نجم العرب مقابل انفلاش الترك وسيطرتهم على الشرق الأوسط انحسر الصراع العربي الفارسي لعدم قدرة اي من الفريقين على المواجهة ولكن الفرس عادوا في نهاية القرن التاسع عشر للتحرر بشكل أو بآخر من سيطرة العثمانيين بمساعدة الانكليز ومن ثم قام عرب الحجاز، وأيضا بمساعدة بريطانيا، على تنظيم الثورة العربية التي ساهمت بانهاء الدور التركي وقيام الدول العربية المستقلة ومنها امارات الخليج التي زادت أهميتها الاستراتيجية بعد فورة النفط وتأثيرها في الدورة الاقتصادية العالمية.

 

لم تسع دول الخليج الناشئة إلى تقوية قدراتها العسكرية ولا هي وضعت أمام عينيها برامجا للتوسع بل اكتفت بالقانون الدولي والاتفاقيات المتبادلة لحماية الحقوق وفتحت أبوابها لاستقبال أعداد من العمال من كل حدب وصوب وزعت بواسطتهم الرفاه على دول المنطقة وساهمت بالانماء والاستقرار. بالمقابل فقد سعت أيران الشاه لامتلاك قدرات عسكرية توسعية معتمدة على أموال النفط ومستندة إلى قدرات بشرية وطموحات تاريخية تدغدغ المشاعر. وهكذا وقبل أن تنهي ثورة الخميني حكم الشاه كانت إيران تحتل الجذر الثلاث التابعة لدولة الامارات العربية المتحدة وهي طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى وهذه تتحكم بمضيق هرمز الممر المائي المهم الذي تعبر منه السفن المحملة بنفط الخليج.

 

أعتقد الجميع بأن ثورة الخميني هي ثورة اجتماعية ترغب في تنظيم الداخل الإيراني وانصاف الشعب بتوزيع أفضل للثروة واقامة نهضة عمرانية تسهم بتطور البلد واستغلال طاقاته. ولكن الامام الخميني، وعندما نجح بقلب نظام الشاه المعتمد على الجيش المنظم والمخابرات التي تحصي الأنفاس، لم يكتف بما حصل عليه في الداخل وقرر تصدير ثورته إلى المحيط ما زاد في الاعتماد على عسكرة المجتمع بخلق جيش جديد هو الحرس الثوري ونظام مخابراتي أقوى وأشرس من "السافاك" تغطيه فتاوى الأئمة بدل أوامر الشاه وتدعمه الاعدامات العلنية في الساحات وتحركه خطط توسعية إين منها أحلام العظمة التي دغدغت أفكار الشاه وجماعته.

 

اعتمدت الدولة الخمينية في خططها التوسعية على وراثة الخلافة الاسلامية ولكن بحسب المذهب الصفوي الشيعي وأصبح الولي الفقيه هو الذي يحضر لعودة المهدي المنتظر "ولي الزمان" وبهذا فإن قراراته لا ترد وأحكامه مطلقة ما أعطى الحكم الجديد سيطرة تامة على البلاد وأطلق ورشة التحضير الجدي للسيطرة على المحيط الغني بثرواته وتعددية سكانه المذهبية والاثنية على السواء.

 

اختار الخمينيون شعار محاربة اسرائيل وأمريكا لدغدغة مشاعر العرب والمسلمين وبالتالي فقد أمنوا عنصرا مهما للتدخل في شؤون البلاد المجاورة؛ وهو المزايدة على الكل في المضي بمشروع تحرير القدس وقد بدأه الخميني بتكريس يوم القدس وانشاء فيلق القدس في الحرس الثوري الذي سيبدأ أولى مهامه بالسيطرة على الشيعة في لبنان وتنظيمهم كمؤشر لمحاربة إسرائيل، ومن خلالهم العمل لتنظيم المجموعات الشيعية المنتشرة في دول الخليج. وكان تفاهمه مع البعثيين العلويين في سوريا الأسد هو المدخل إلى شيعة لبنان حيث أكمل جيش الأسد انهاء حالة عرفات الفلسطينية وافساح المجال لسيطرة حزب الله الإيراني على ساحة مفتوحة تدغدغ مشاعر العرب فهو سيسهم بسقوط حكم الموارنة نهائيا وسيحرر الأرض من الاسرائيليين بوسائل دعائية أين منها مشاريع الدعاية النازية وسينتقل إلى العمل الخارجي في الدول العربية والعالم لترسيخ الدور الإيراني وتعميق قدراته التوسعية.

 

من جهة أخرى أخذ النظام الإيراني على عاتقه كسب الجانب العاطفي عند العرب فانطلق ببرنامجه النووي الذي يبدو من خلاله بأنه يواجه العالم والقوى العظمى فيه فيكسب بذلك خضوع الضعفاء وموالات المحبين للقوة. وتصب كافة تحركاته بما يسمى في التكتيك العسكري "التظاهر" فهو يريد أيهام العدو بأنه أقدر من أن يفكر أحد بمواجهته. ومن هنا خطابه الهجومي الدائم ومناوراته في البر والبحر و"اختراعاته" في مجال تكنولوجيا الطيران والصواريخ وصناعاته العسكرية وما هنالك من حالات "التظاهر" هذه.

 

في المقابل يواجه الخليجيون الذين يعرفون تمام المعرفة بأن كل هذا التظاهر موجه إليهم، يواجهون الخطط الإيرانية بهدوء وبمتانة أعصاب حتى الآن وهم يتحركون استراتيجيا في مجالات متعددة. فإذا كان تحرك قوات درع الصحراء في البحرين يعتبر خطوة أساسية في ردع الماكينة المخابراتية الإيرانية من السيطرة على راس جسر في الجانب الغربي من الخليج وقد تمت بهدوء واصرار متميزين، فإن المساهمة في دعم تحرك السوريين ضد الأسد يعتبر ردا مباشرا ولو متأخرا على مشاريع إيران في لبنان وسوريا، ومثلها كان استيعاب التحرك في اليمن وتقليل خسائره. ولكن الخطوة السريعة التي قامت بها الامارات العربية المتحدة مؤخرا وبدون ضجة اعلامية كبيرة بحفر ومد خط أنابيب لتقل النفط من أبو ضبي إلى الفجيرة أي من الجانب الشمالي لمضيق هرمز إلى الجانب الجنوبي منه والذي تبلغ قدرته ما يقارب المليون برميل يوميا تعتبر الخطوة الاستراتيجية الأبرز في تنفيس تضخم القوى الإيراني وتطمين السوق العالمي وعدم الهلع كلما قرر نجاد أو غيره من المسؤولين الإيرانيين التهويل.

 

الإيرانيون الخمينيون ماضون بتحركاتهم التوسعية وهم يبذلون الأموال هنا وهناك ويدعمون خططهم بالرجال والسلاح حيث يلزم، وهم، كما فعل الحزب النازي قبلهم في تحريك الشارع في النمسا وتشيكوسلوفاكيا باللعب على العواطف القومية، يحاولون استغلال المذهبية الشيعية لتوريط السكان في دول الخليج واحداث القلاقل كمقدمة لعمليات ذات طابع عدواني قد تكون مباشرة. ولكن في المقابل لا ينام الخليجيون على حرير التطمينات ولا يتجاهلون قدرات ومطامع جيرانهم وهم على ما يبدو يستعدون للدفاع عن حقوقهم وثرواتهم وبلادهم بثقة وتصميم. وفي نفس الوقت يعرفون كيف يمتنون علاقاتهم مع العالم الحر بمواجهة المتغطرسين. فهل يستمر التصعيد أم يقبل الكل بما قسم له وتعود الأمور إلى مجرياتها والعلاقات إلى طبيعتها؟

 

يعلمنا التاريخ بأن القوة والعدد لم يكونا دوما نقاط الحسم الوحيدة وبأن التحضر والاستعداد لكل مفاجأة يحسّن من فرص الصمود لا بل قد يقلب المعادلات. فهل تجري دول الخليج الاستعدادات الكافية للمواجهة إذا ما وقعت أم أن الثروة تضعف العزيمة على القتال أمام البطون الجائعة؟ وهل حرمان الإيرانيين من التمتع بثروات النفط الإيرانية هو جزء من هذا التوجه لزيادة الرغبة في القتال والطمع بالجيران؟  

 

08 تموز/12

تورونتو - كندا