هل يفرض العهد الجديد سياسة جديدة؟

بقلم/الكولونيل شربل بركات

 

طاول طرح الرئيس سليمان في خطاب القسم أغلب الملفات التي تواجه الحكم في لبنان ولو أنه لم يعط الحلول المتوخاة لكل هذه المشاكل ولكننا نرى أن الاعتراف بوجودها هو بحد ذاته بداية لإمكانية الحل.

 

في خطاب القسم مثلا طرح الرئيس الجديد تنفيذ القرارات الدولية وشدد على القرار 1701 ومن ثم في زيارته إلى الأمم المتحدة أعاد التشديد على هذا القرار. وفي خطابه أمام اللبنانيين في واشنطن أصر الرئيس على هذا الموضوع ورأى فيه أساسا لخلاص لبنان.

 

اليوم وبعدما ليّن موقف الرئيس، بزيارة سوريا، التصلب حتى المواجهة القائم بين البلدين، بادر "الإعلام المهجن" لتصوير عودة سوريا إلى الساحة اللبنانية أمرا واقعا حتى مع رستم غزالة نفسه مستندا طبعا إلى الأحداث التي وقعت هنا وهناك والكلام على الحشود السورية التي تبعتها.

 

يحق للبنانيين التخوف من الحشود السورية لأنها لم تأت مرة بالخير للبنان وإنما كانت دوما سببا لمصائب جديدة وأياما سوداء لا يحبون تذكرها. ولكن تحريك الجيش السوري وحشده على الحدود مع لبنان لا يخيفنا لأن من أخرج السوريين كان الإرادة الدولية والقرار 1559 وليس فقط جريمة القتل التي ارتكبوها والتي ستنظر بها المحكمة الدولية بعد شهرين تقريبا والثورة الشعبية التي تبعتها. ولكن ما يسيء إلى صورة لبنان وما يشمئز منه اللبنانيون هو وقوف بعض رموز الحقبة السورية وخاصة من كانت غيّبتهم الأحداث، وبدء التطبيل والتحضير لعودة السوريين وكأنها واقعة لا محالة.

 

السوريون صحيح يحاولون الخروج من عزلتهم وهم جربوا كل الطرق القديمة وخاصة الإرهاب والهجمات الإعلامية المركزة ولما لم تفلح خططهم عادوا إلى تجربة استرضاء المجتمع الدولي والكلام المنمق عن السلام والذي نتمنى لهم أن ينجحوا به لأنه يشكل بالفعل مدخلا لمستقبل زاهر لكل المنطقة وليس لسوريا ولبنان فقط. ولكن بين الكلام عن السلام والنوايا الحقيقية هناك فرق، ولا يعني السلام مع أحد الجيران وكالة مفتوحة للسيطرة والهيمنة على الجار الآخر.

 

السوريون توصلوا مؤخرا لطرح متقدم في استرضاء المجتمع الدولي وهو أنهم مستهدفون من الإرهاب ويريدون الدخول في النادي العالمي لمحاربته وكأن العالم ساذج لهذه الدرجة ومستعد بدون ثمن لأن يتراجع عن كل المبادئ بمجرد أن يطرح السوريون أفكارهم الجديدة.

 

مشكلة لبنان الأساسية ليست مع السوريين بقدر ما هي مع اللبنانيين أنفسهم فلو عرف اللبنانيون أن يستعملوا القرارات الدولية والفرص السانحة لصالحهم لكان لبنان هو من يقرر اليوم أن يقبل بعودة سوريا إلى المجتمع الدولي أم لا وهو الذي يسهم في الاستقرار في المنطقة ككل وليس العكس. لو عرف اللبنانيون أن يتخلوا عن الأحقاد ويسيروا في بناء الدولة القادرة وينسوا المشاريع الصغرى والمصالح الضيقة لكان لبنان محصن من كل جهاته وقادر على ضبط الداخل ولا يخاف من أي تهويل خارجي.

 

العهد الجديد طرح مشاريع بناء دولة والعالم كله تنمى له الخير وهو يريد أن يمنحه الفرصة، فهل سينجح في تثبيت حق لبنان بالحياة كدولة مستقلة أم أن ظلال الماضي ستخيفه وتجعله يعود عن إقدامه ويتعايش مع مخلفات الماضي؟

 

نحن نرى حتى في ما يجري على الحدود اليوم فرصة للبنان بعكس ما يحاول الجميع تصوره لأن نشر الجيش السوري على الحدود وادعاء السوريين بأن خطرا قد يأتي من لبنان يجب أن يكون فرصة لإثبات دور لبنان كدولة قادرة على ضبط حدودها ونشر جيشها بموازاة السوريين وبمساعدة الأمم المتحدة التي يفرض عليها القرار 1701 منع تهريب الأسلحة عبر الحدود وهذا بالضبط ما يجب أن يكون. وعلى لبنان أن ينشر الجيش على كامل الحدود مع سوريا وليس فقط في الشمال ولكي نمنع أي اشتباك أو تجاوز صلاحيات يجب أن ينتشر في الجانب اللبناني من الحدود مراقبين دوليين إذا لم يكن هناك إمكانية لنشر قوات دولية وجب أن تضم أية لجان تنسيق بين الطرفين عناصر من المراقبين الدوليين وعندها يكون لبنان استفاد من التحرك السوري إيجابيا وتكون سوريا قد أمنت عدم دخول أي "مخرب" من لبنان بدون أن تنشر جيشها فيه أو مخابراتها ما سيرتد بالسوء على العلاقات بين البلدين.

 

مجددا الكرة في ملعب الحكم اللبناني وبما أن الرئيس الجديد يتمتع حتى الآن بعطف دولي وعلاقات جيدة مع كافة الأطراف نأمل أن يخرج لبنان من هذه التجربة قويا وقادرا على تثبيت استقلاله وحقه بالحياة الكريمة. وإذا كانت هذه التجربة هي أول محاولة لمعرفة ردة فعل العهد الجديد في الأمور المصيرية نتمنى أن يكون تضامن اللبنانيين وتماسكهم ووضع مصلحة البلاد العليا فوق كل مصلحة هي أساس القرار في سياسة لبنان الجديدة. فهل سيقدر العهد الجديد على فرض سياسته الجديدة؟ 

 

تورنتو/كندا في 12 تشرين الأول/2008