جماهير الصبابيط

بقلم الكولونيل شربل بركات

 

كم كان مذلا ذلك المنظر لمن سمى نفسه صحافيا وهو يخلع حذاءه ويرمي به رئيس دولة أثناء مؤتمره الصحفي مرتين متتاليتين.

 

كنا تقبّلنا الموضوع بكل طيبة خاطر كما تقبّله الرئيس بوش نفسه عندما حاول ترطيب الأجواء بعد الحادثة وتحويل الموضوع إلى مزاح لولا أننا نعرف أن هذا النوع من الصحافيين الذين كانوا يبخرون ولا يزالون لكل ديكتاتور في المنطقة لا بل يركعون لتقبيل حذائه، يمثل ظاهرة واقعية للأسف عند بعض شعوب هذه المنطقة.

 

المضحك المبكي ليس في تمثيلية الحذاء بل في الجماهير التي أصبح هذا الحذاء شعارها من المحيط إلى الخليج، فنزلت إلى الشوارع مغتبطة وكأنها احتلت البصرة أو استرجعت القدس أو اخترعت البارود.

 

المؤسف أن يتباهى هذا الشعب بهكذا انتصارات ويتدافع إلى هذا النوع من البطولات التي لم تكن تليق بالشعوب والقبائل في الجاهلية فكيف ونحن في القرن الواحد والعشرين.

 

لا يهمنا أن يحاول أحدهم إهانة رئيس الولايات المتحدة، فالشعوب العربية لم تنفك عن إهانة الولايات المتحدة ورؤسائها منذ عرفت الكتابة والصحافة. والأمريكيون يعلمون أن محاولة نقل مفاهيم الحرية والديمقراطية إلى من لم يسمع بها إلا في خطب الديكتاتوريين و(مشاريع الديكتاتوريين) الجوفاء التي تقلبت على هذه المنطقة من العالم منذ ما يقرب القرن، ليست بالشيء السهل. ولكنهم بالرغم من ذلك لا يزالون يسعون إلى رسم أطر لتعاون مع دولة تمثل بعض هذا الشعب، لأن الأكثرية لا تعرف ماذا تريد ولم تعتاد أن تسأل عن رأيها وهي تنقلب على زعيم عندما يضعف وتهلل للزعيم الجديد إذا ما أظهر مقدرته بالبطش.

 

من الطبيعي في ذهن شعوب هذه المنطقة أن يرجم الزعيم المغادر لأن ذلك كما يعتقدون هو مظهر تهليل وترحيب بالزعيم الجديد، فما هي الزعامة التي يحاول صاحب الحذاء أن يهلل لها؟ فهل يعتقد بأنه يرحب برئيس الولايات المتحدة الجديد (اوباما) الذي سيخلف الرئيس بوش؟ أم أنه يرحب بزعامة من المنطقة تعرف كيف تستعمل الأحذية لتدوس بها رؤوس ورقاب المتجرئين؟ أم يعتقد أخونا بأن الولايات المتحدة التي تحاول سحب جنودها من العراق وإعطاء العراقيين حرية القرار وحق السيادة على بلدهم ضعيفة وغير قادرة على البطش وهو ينتظر طاغية جديد يعيد عهد مدائن كسرى أو حكم الحجاج بن يوسف؟

 

المؤسف أن هذا النوع من "الجهاد" هو اليوم ما يقود هذه الشعوب إلى حتفها ويخرّب دولا كانت عامرة ودولا كادت أن تعمر.

 

المؤسف أن عدوى "زعامة الأحذية" ستطغى من جديد على حركة التغيير التي كادت أن تبدأ مع ثورة الأرز لتنقل الحركة العالمية التي كانت بدأت في دول عاشت طويلا تحت نير الديكتاتورية السوفياتية وها هي تحررت وعادت إلى الحياة والتقدم وبدأت فيها حركة النمو والازدهار تكبر شيئا فشيئا.

 

المؤسف المبكي أن يصبح بلد كلبنان كان يعتبر رائدا في تعليم الشعوب على أصول التعامل، منبرا لنشر التخلف والتباهي بالرجعية.

 

نحن لا نعتب على البصرة إن تظاهر البعض وأتخذ الحذاء شعارا، ولكننا نعتب على عاصمة الصحافة الحرة إن هي لم تسارع للملمة القذارات التي ستتبع وضبط الشوارع التي ستفلت والأقلام التي ستنطلق لتزيد من إذلال هذه المنطقة وتعود بها إلى الدرك الذي يريد البعض أن يبقيها فيه.

 

صحيح أن أحد الذين يدعون الصحافة، وهو ليس أهلا لأن يحمل هذا اللقب، قام بالعمل المشين ليحمّل بلده وشعبه هذا الكم من عدم اللياقة، ولكن التهليل له ولعمله هو الإهانة الحقيقية لكل شعوب المنطقة. فهل هناك صحافيون وأقلام حرة بحق لتثقيف الناس وتوجيهها للمحافظة على أصول التعامل؟ أم أن صاحب الحذاء هو الصورة الحقيقية التي يجب أن تتوج بها شعوب هذه المنطقة وكل من يرفضها هو من الخوارج الضالين الذي يستأهل أن يرجم بالحذاء إن لم يكن بالحجر؟

 

16-كانون أول-2008