الحرب العالمية الثالثة... والطاغية الجديد

بقلم/الكولونيل شربل بركات

 

هل بدأت فعلا بوادر الحرب العالمية الثالثة ومن هو الطاغية الجديد الذي سيشعل فتيلها؟

 

في تنبؤات نوستراداموس وبحسب الترجمات المتعددة والتي تختلف أحيانا كثيرة لتجمع على نقطتين هما: تفسيرها للطاغية الأول بأنه كان نابوليون، وفعلا رأت أوروبا خلال حكمه كثيرا من الدماء، والطاغية الثاني على أنه هتلر الذي كان سببا ليذوق العالم في أغلب جهاته قتالا ودماء لا يزال يذكرها حتى اليوم، أما الطاغية الثالث، وبحسب ما تجمع هذه الترجمات أيضا، فسيظهر في الشرق الأوسط ويلبس على رأسه عمامة ويطلق حربا ستكون الأكثر تدميرا والأوسع انتشارا، ومن هنا بدأ الكثيرون بانتظار هذا الطاغية الجديد ومنهم من اعتقد بأنه الإمام الخميني رحمه الله. ولكن الإمام الخميني توفي قبل أن نرى حربا عالمية مدمرة، لذا توجهت الأنظار إلى أسامة بن لادن لأنه أطلق حربا عقائدية وتخريبية على المستوى العالمي وفي كل الأماكن ولبس العمامة، ولكنها لم تبد بعد حربا عالمية كثيرة الدماء والتدمير ولذا يصعب أن يكون هو ذلك الطاغية. وقول البعض الآخر، وبعد الإعلان عن انطلاق برنامج إيران النووي، بأن الطاغية الجديد قد يكون الرئيس أحمدي نجاد الذي يلعب دورا أساسيا على ساحة الشرق الأوسط ويظهر تشددا وتصميما في الموضوع النووي ودفعا باتجاه المواجهة مع العالم وتعنتا في مواضيع التفاوض، يضعنا أمام السؤال هل صحيح بأنه سيكون الطاغية الثالث هذا؟

 

ولكن نوستراداموس، ودوما بحسب المترجمين، يقول بوضوح بأن الطاغية الثالث يرتدي العمامة على رأسه والرئيس نجاد لم نره يوما يرتدي هذه العمامة، فهل تسقط إذا الإشارة إلى نجاد وهل ستبتعد كأس الحرب العالمية لفترة ما؟ أم أن الإمام خامنئي هو الحاكم الفعلي لإيران اليوم وهو من رآه المتنبئ في ذلك الزمن البعيد سببا لتلك الحرب الضروس التي يحاول العالم أن يتجنبها؟

 

ليس الهدف من ذكر هذه التنبؤات أن نعتقد بصحتها ولا أن نيأس من رحمة الله أو من قدرة قادة العالم على التفاهم وتجاوز المحن وتخطي العقبات في العلاقات الدولية،  ولكننا نشير إليها لأننا نرى بالفعل ولأول مرة أن الأمور أصبحت تسير في طريق المواجهة بسبب التصميم على تغيير النظام العالمي بالقوة وليس محاولة التعديل نحو الأنسب بالتفاهم والتعاون؛ الدور الذي كان يتوقع العالم أن تقوم به منظمة الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية. وما نراه يحدث في لبنان هو صورة مصغرة عن مشاريع القوى المتقابلة ولن تستطيع هذه، على ما يبدو، تخطي الصدام ومنع المواجهة.

 

يقول حزب الله بأنه يقاتل الولايات المتحدة في لبنان ومشاريعها من أجل الشرق الأوسط الكبير، ولا يخفي أبدا هذا المنحى من حربه وتحضيراته، وهو صادق فيما يقول، ولذا فهو لن يقبل بأن ينزع سلاحه ولا بأن تقوم دولة تعددية أو ديمقراطية أي فيها رأي غير رأيه، فلا حكومة قد يكون فيها أكثر من رأي مقبولة، ولا نواب قد يشكلون رأيا آخر يمكن أن ينتخبوا، ولا إعلام مختلف أو قوى حرة غير خاضعة سيسمح لها بالوجود، من هنا على اللبنانيين أن يفهموا إلى أين تسير البلاد ونحن نعتقد بأن الكثيرين بدأوا بتفهم ذلك.

 

يوم قام حزب الله بمصادرة الطائفة الشيعية في لبنان لم يقف أحد ليقول بأن ذلك خطأ وأن ترك هذا الحزب يسيطر على الطائفة بكاملها سيؤدي إلى الأحادية فيها ومن ثم الصراع مع الآخرين. ويوم صادر هذا الحزب "المقاومة" و"أسلمها" لم يقم أحد ليقول بأنه ليس مكلّفا ولا مخوّلا أن يقاتل أبناء الجنوب ويجب علينا أن نسمع رأيا آخر. ويوم احتل السوريون آخر معقل كان خرج عن سيطرتهم في بيروت الشرقية وحلوا المليشيات ثم أبقوا هذا الحزب وحيدا على الساحة وفرضوه على الدولة وأجبروا الجيش أن ينسق معه ويسانده ويجيّر معلوماته وأجهزته له، لم يكن ذلك صوابا، ولا كان ترك هؤلاء يتحكمون بالجنوب وأهله وبالبقاع وسكانه وبالضاحية الجنوبية ويبنون دولتهم بينما يبني الآخرون مصالحهم في الدولة المشتركة، بعد نظر.

 

ويوم وافق لبنان على الاتفاق الذي جرى بين حزب الله وإسرائيل بعد عملية "عناقيد الغضب" مثلا، بالرغم من عدم مشاركته في المحادثات معتبرا بأنها شأن يخص إسرائيل وحزب الله وحدهما وأن لبنان ليس سوى مسرح صراعهما، أقر، بمباركته ذلك الاتفاق، بأن لحزب الله الحق في قصف الجنوب وسكانه المدنيين أو العسكريين على السواء وقتلهم بواسطة عبواته، وهم نظريا لبنانيون، ولكن ليس له الحق في قصف إسرائيل أو إقلاق سكانها المدنيين والعسكريين، ويومها اعتبر من في الحكم ذلك الاتفاق نصرا غير مباشر لهم لأنه يترك، على ما اعتقدوا، حزب الله يلهو في الجنوب بينما يسيطر غيره على الدولة، ولكن هؤلاء لم يدركوا في الحقيقة أن أية قوة تبني لها أرضية تلونها بالتضحية في سبيل "الوطن والأمة"، ولو كذبا ونفاقا، وتتمتع بتصفيقهم لها سوف تنافس من في الحكم عاجلا أم  آجلا.

 

ويوم انسحبت إسرائيل من الجنوب سنة 2000 هلل الجميع لحزب الله هذا ولم يعلموا أنهم إنما يحفرون بيدهم قبور الميثاق الذي يسمح بتلونهم وبحريتهم في الرأي والتحرك، ويبنون صرح الهمجية القادمة من غياهب التاريخ لتذلهم في بيوتهم وتفرض عليهم من يحالفون ومن يناصرون ومن يعادون ومن يحاربون.

 

اليوم حزب الله يسيطر على المرتفعات من الهرمل شمالا إلى تومات نيحا وما بعدها إلى الجنوب بعد أن نكل بأهل بيروت وحاول الدخول إلى قرى الجبل، وهو قادر على قطع الطرق البرية متى شاء وقادر على منع اللبنانيين من التواصل، فهم يتكلون على الدولة وعلى الجيش وهؤلاء لا أوامر عندهم لمنع هذا التعدي على سيادة الدولة لأن "عقيدة الجيش" قد بنيت في ظل هذه "المقاومة" الكاذبة ولن تغييرها الظروف الجديدة فهي فرضتها أكثر فأكثر بقوة السلاح الذي تمتلكه وحدها والذي منع هذا الجيش من القيام بواجبه تحت مقولة الخوف من الصدام معها بعد الحادث المفتعل الذي كان وقع في مار مخايل وأوقف بنتيجته الضباط والعسكريين الذين أظهروا عن عنفوان وانضباط لتسقط هالة بناها مئات الشهداء ولم يجف دمهم بعد. هذا السلاح عينه من حاول المجتمع الدولي نزعه منها بقرارات وأولها 1559 فتصدى له من يبكون اليوم ندامة على فعلتهم هذه ومنعوا التنفيذ.

 

حزب الله في صراع القوى بين إيران والعالم يعرف أين يقف ولا إحراج له من الوقوف في صف إيران ولو وقف كل العرب وكل اللبنانيين ضدها فهو يعتبر نفسه فيلقا في جيش الفقيه يؤدي مهمته منتظرا ظهور المهدي الذي يخلص الأرض.

 

الصراع الذي سنشهده بدون شك لم يعد محددا في حق بقطعة أرض أو بتنفيذ قرار وبالتأكيد ليس موضوع نزاع حول منصب أو وزارة، وهذا ما صرح به أكثر من مسؤول في حزب الله "فالمقاومة لا تبطل باستعادة الأرض والحق لأنها أصبحت نهجا وهي تسعى لفرضه"، إنه صراع شامل يتعدى حدود لبنان نحو فرض نظام عالمي جديد تقوده إيران الفارسية نعم، لكنها هي من يؤمن "ولاية الفقيه" ونهجها ويتبعها شيعة لبنان بكل انضباط وينفذون الأوامر الصادرة عن قادتها بكل دقة في ظل سيطرة حزب الله (ومن شذ لاقى جزاؤه حتى ولو كان إماما ضالعا في الفقه مشهودا له بين الناس مثل السيد علي الأمين مفتي صور مثلا)، ولا ضرر إن أصاب الأهل هنا في لبنان أو الجيران أو الأقارب أي ضيم لأن القضية تفوق بأهميتها الأمور الأرضية وتتعدى بقيمتها مشاعر الناس العاديين.

 

لم تعد إسرائيل هي العدو كما صورت لنا لسنين عديدة بل أصبحت الولايات المتحدة والعالم الحر، أي النظام الذي تلى الحرب العالمية الثانية ورتب العلاقات الدولية والقوانين وحقوق الناس، وهو الذي كان قام على أساس مبادئ الثورة الفرنسية التي كانت نادت "بالحرية والأخوة والمساواة"، والمطلوب اليوم تعديل هذه المبادئ لصالح الطبقية التي يحددها الفقهاء والشرع الذي لا يعرفه سواهم وكلها مرسلة مباشرة من عند الله عز وجل ولا ندري بعد كيف وأين ومتى سيفرض العمل بها.

 

الحرب العالمية الثالثة على الأبواب نعم، وسوف تنطلق من الشرق الأوسط حيث النفط والغاز وحيث الثروات الكبرى، والأهم من ذلك حيث نزلت الديانات وتصارعت على مدى قرون وأجيال وحيث الملايين من الفقراء والذين يزيدهم تعنت الولاة الجدد فقرا كل يوم ليصبحوا قنابل موقوتة تنفجر حيثما شاء المتنورون. ولكن من سيكون الطاغية الجديد الذي سيطلقها لا نعرف بعد، فهل هناك أمل لإمام من عندنا يتحلى كما يقولون بالكاريزما ويلبس العمامة وهو المشهود له أنه إن قال فعل؟ أم أن لبنان وسكانه لا حق لهم أكثر من أن يكونوا جنودا أو ضحايا من أجل رفع شأن القادة الفعليين في بلاط كسرى والأئمة المنظورين في مدينة قم؟ 

 

الكولونيل شربل بركات

تورونتو 30 حزيران 2009