الجديد في خطاب السيد حسن نصر الله الأخير

بقلم/الكولونيل شربل بركات

 

خطاب السيد حسن نصرالله الذي نقل بالصوت والصورة إلى بنت جبيل أمس يعكس موقفا جديدا فيه الكثير من الاتزان بعكس ما يقال، وهو جدير بالقراءة المعمقة والدراسة الجدية إذا كان الرجل يعني ما يقول...

 

السيد حسن نصرالله يتخلى في هذا الخطاب عن المطالبة بالجمهورية الإسلامية، وهذا جديد وصريح ويصدر لأول مرة بمثل هذه الصراحة عن الأمين العام لحزب الله نفسه.

 

والسيد حسن يطالب بالدولة وببسط سلطتها على الكل وبحقها في المقاضاة والمحاكمة والتنفيذ، وهذا أيضا جديد ويجدر الالتفات له، فلم ننس بعد المربعات الأمنية والأجهزة الحزبية التي لا قرار فوق قرارها، ولا توقيف رجال الأمن في الضاحية منذ شهرين، ولا نعرف إن كان السيد قد سلّم كل الموقوفين لديه لسلطة الدولة أم بعد، ولا نريد أن ندخل في محميات البقاع وغيرها حيث تجبى الخوات عن السيارات المسروقة مثلا، أو من سيفاوض على تبادل الأسرى؟ ومن سيعطي الأوامر للبدء بالحروب والأعمال العسكرية؟ أم أن هذا لا يزال من خصائص "المقاومة"؟.. ولا نريد العودة إلى التاريخ لنبين أن الكلام لم يكن صحيحا بالماضي. ولكننا نتأمل بالمستقبل إذا كان ما يقوله السيد صحيحا، لأنه يغار كثيرا، كما يبدو، على الحقيقة ويفتش بالسراج عن تفاصيلها كما قال.

 

والسيد حسن يطمئن المسيحيين بأنهم لن يكونوا أهل ذمة، ولن يكونوا مواطنين من الدرجة الثانية، وهذا جديد ولو أن المسيحيين لم يطلبوه كمنّة من أحد بعد وهم عرفوا خلال قرون طويلة أن يصمدوا ويحافظوا على كرامتهم وحقوقهم، ولكنهم يفضلون بالتأكيد أن يكون الطرف الآخر مقتنعا بهذا الحق ومعترفا به. فهل ستتوقف غارات فرسان الدراجات على مناطق الآمنين؟.. وهل لم يعد من حاجة لحماية الكنائس من قبل عناصر أمن حزب الله خوفا من تعديات الشارع الهائج مراعاة لشعور الحلفاء؟..

 

وهو يقول بأنه لن يكون هناك تصنيف بين اللبنانيين مسيحيين أم مسلمين، سنة أم شيعة وهذا كله جديد ويدعوا إلى التأمل والتبصر لا فقط الاستهجان... فماذا جرى؟.. وكيف تغيرت الأمور بين ليلة وضحاها ليصدر كل هذا التوضيح؟.. فهل هو كلام انتخابات فقط لطمأنة الجانب المسيحي كي لا ينفر عن حليفه الجنرال في معركة المتن التي يضر بها الموقف المتصلب؟.. أم أنه تطور إيجابي حصل بسبب الظروف الدولية والضغوط المستجدة؟.. أو لما لا يكون إحدى الإشارات في التكتيك الإيراني الجديد لتحسين صورة النظام الذي استعدى العالم حتى كاد يستجلب التعامل معه بالقوة؟..

 

كلام السيد حسن فيه الكثير من الجديد نعم، ويا ليته يبقي على هذا الجديد فيطمئن اللبنانيين كلهم بأن الوطن سيعود قويا بالقانون، ومتينا بالتعاون، ومتماسكا بالتفاهم وروح التسامح والانفتاح، وليس بالشحن والحقد والبغضاء، ليس بثقافة الانتحار وثقافة الغزو وأخذ ما نريد بالقوة ومن ثم تشغيل آلة الإخراج لتعمل على تفسير وتحسين صورة المعتدين باللجوء دوما إلى الدين والتستر بشعارات تستعار منه وهو دوما منها براء...

 

كلام السيد حسن على الطائف هو أيضا برسم اللبنانيين جميعا وهو تحصين للدستور والقانون وشرح جميل يمكن أن يعطي نوعا من الأمل بأن الاستقرار قد يكون قريبا. ولكن هل تبقى الروح التي حركت هذا الكلام حية يوم تأتي مواعيد الاستحقاق الدستوري خاصة انتخابات الرئاسة؟ وماذا سيكون موقف حزب الله بالنسبة للنصاب القانوني وحضور الجلسة؟ أم أن هذا الخطاب، كما يقول البعض، من نوع ما رأيناه في جلسات الحوار وما يسمونه في اللبنانية الدارجة "حلمسة" ما قبل الانقضاض، وأن حزب الله، كما تشير بعض المظاهر، يحضر لمغامرة عسكرية جديدة ويريد أن يحسّن صورته قبل البدء بها لأنه يبقى دوما بحاجة إلى اللبنانيين ليتحملوا عبء ونتائج تصرفاته العشوائية والتي تصب دوما في خانة المصالح الخارجية، وهم لم يبنوا بيوتهم المهدمة من مغامرة السنة الماضية بعد. فهل هذا التكتيك الإيراني الجديد دليل تودد ما قبل العاصفة وعلينا الاستعداد لتباشيرها القريبة؟ أم أنه موقف جديد فيه بعض التنازل للدخول في لعبة الأمم بشكل جدي وأخذ بعض المكاسب بطريقة ذكية كما فعلت كوريا الشمالية بدل خسارة كل شيء في التعنت والتصلب؟..

 

يبقى أن مقاربة السيد حسن لموضوع السلاح وخاصة الصواريخ التي صرح بأنه أعاد تجهيز مخازنه بها بعد انتهاء الحرب والقرار الدولي 1701 الذي نص على عدم جواز ذلك، وتحديه للأمم المتحدة بأنه ماض في التجهيز ولن يوقفه أحد وهو قال متوجها لمجلس الأمن "أنا حسن نصرالله أقول لك: ادينني وخذ مني تصريح"، فإن ذلك قد يكون المؤشر الذي يفرغ خطاب السيد من المعاني الجيدة ليضعه في خانة التحضير لحرب جديدة قد تكون نتائجها كبيرة الضرر على لبنان واللبنانيين وساعتها لن ينفع العودة إلى الحكومة أو الانسحاب من ساحة رياض الصلح أو حتى التوجه إلى قاعة مجلس النواب للموافقة على انتخاب الرئيس ومحاولة الظهور بمظهر الضحية.

 

السيد حسن مع كل الاحترام لقدراته وذكائه والكاريزما التي يقول البعض بأنه يتحلى بها (والتي لم تتجلى كعادته في خطابه الأخير كونه بدا يقرأ خطابا مكتوبا بحرفيته)، كان عليه أن يسارع، فور انسحاب الإسرائيليين في سنة 2000، إلى تسليم سلاحه إلى الدولة ومطالبتها جمع كل سلاح من أية جهة أو طرف على الأراضي اللبنانية، والسيطرة على الجنوب وتحمل مسؤولياتها وإصدار عفو عام والمبادرة إلى المصالحة بين أبناء المنطقة الجنوبية أولا لكي يكون هذا مدخلا لثبات لبنان الوطن. ولو فعل يومها لكان نصّب زعيما أبديا على اللبنانيين بالرغم من كل ما فعل من سيئات كانت غفرت له ولجماعته وتفهمها العالم كله وانتهت أزمة الوطن المعذب التي لا نزال نعيشها فصولا سوداء حتى اليوم.

 

السيد حسن لا يزال يستعمل المراوغة والدهاء ولن نفهم من تصاريحه والخطابات الشيء الكثير طالما لم يملك بعد حق القرار ولا حرية التصرف فهو مرتهن لمن يعطي المال الحلال والسلاح النظيف والتوجيه الصادق لتقوم أعمدة الأمبراطوريات الجديدة على دماء أبناء لبنان وشقاء أهله وتعاسة المحرومين فيه من كل عون حقيقي يزيح عن كاهلهم عبء المتزعمين الذين أفرغوا الوطن من معانيه وأسقطوه من ضمائر بعض أبنائه ليصبح مصالح فئوية ومكاسب على حساب الشركاء فيه.

 

إن على حكومة لبنان والأمم المتحدة مسؤولية مشتركة هي مسؤولية الدمار الذي سيلحق باللبنانيين البسطاء والقتل الذي سيطال أبناءهم وأبناء جيرانهم في كافة الجهات لأن توقيف الغي قبل أن يعظم أهم من تركه يتمادى حتى يجر الجميع إلى الويلات التي نحن كلنا بغنى عنها...

 

فليبعد الله عنا كأسا أخرى يحضرها لنا سماحة السيد وأسياده ولتحمي السماء أبناء لبنان مرة جديدة من شر كل مبغض حاقد ومن السائرين في ركابه بمعرفة أو بغير معرفة...

 

الكولونيل شربل بركات –  المجلس العالمي لثورة الأرز

تورونتو 29- تموز-2007