كيف تحضر سوريا لتقرير ميليس

الكولونيل شربل بركات

يوم وقف حزب الله مدافعا عن الاحتلال وحاول النزول إلى الشارع بكل قواه وبمعاونة السوريين وأزلامهم، كان رد اللبنانيين المجروحين والذين سئموا الإرهاب السوري، أن نزل إلى الشارع نصف شعب لبنان ليقولوا لهؤلاء وأسيادهم أنهم لن يرعبونا بعد اليوم. ولكن ماذا جرى لكي يعود زعماء المعارضة يومها عن قرارهم الواضح بطرد الاحتلال وإفرازاته، ووقف مسلسلات العنف وأدواتها، واستعادة الاستقرار والنظام وعودة السيادة والاستقلال إلى الربوع؟ هل خاف جنبلاط أن يلحقوه بالحريري بعد تهديدات مظاهرة النبطية؟ أم أن اللعبة السياسية فرضت نفسها تقاسم مصالح انتخابية فتوقفت المعركة قبل أن تبدأ وترك الوحش المجروح ليلتئم جرحه؟..

يوم قبل أركان المعارضة بقانون الألفين وجلس جنبلاط، رئيس المعارضة، في بنت جبيل إلى جانب نصرالله "ليقطع الأيدي التي تمتد إلى سلاح حزب الله" سقط الوطن من جديد، فسبعون نائبا لتحالف "المستقبل" لم يستطيعوا أن يشكلوا حكومة من دون جماعة سوريا ونواة المشكلة القادمة، أي حزب الله المسلح، والذي يرفض أن يتساوى مع اللبنانيين، ويستقوي بسوريا وإيران، ويخطط لضرب السلم الأهلي وإعادة الوطن إلى حضن الاحتلال.

اليوم وبعد صولات وجولات في مجال السياسة والديمقراطية، في مجال "الحوار" والإرهاب، في مسلسل العنف الداخل مجددا إلى البيوت والرافض أن يرحل عن سماء لبنان، وكأن هذا الشرق مكتوب له أن يعيش في المآسي ويموت في الكيد، نرى الأمور تتوضح، وما كنا نخافه ها هو آت على حصان أسود يسبق البرق سرعة، وهو مدجج بأسلحة إيران وسوريا وجبهات الرفض الفلسطينية وبقايا الأحزاب النازية التي خالت أنها خسرت بعودة السيادة والاستقلال فعادت تتباهى بالحقد الذي طالما نفثته وتستقبل الوفود والزعماء وتتحضر بالعتاد والعديد، بينما يتلهى أصحاب الدار وزعماء البلاد المنتخبون بقشور الجدل ومظاهر الديبلوماسية ويجهضون قرارات الأمم المتحدة ويمنعون عن البلد الخير الذي سيعم إن هم أقدموا وحزموا الأمر.

الخطر الآتي هو من التوقف فقط عند تقرير ميليس وكأنه سيقيم الحريري من القبر ويعيد لبنان إلى الحياة. إن كل تقارير العالم وتوضيحات التحقيق إن لم تترافق بعزيمة الحكم على التحرر من قيود التبعية وأدواة العنف التي تلبس أثوابا مختلفة ومنوعة - والتي سوف تبرر القتل كما بررت غيره يوم وقف جماعة بالأمس يطالبون بتعليق الأوسمة لقتلة الرئيس الشهيد بشير الجميل وبكل عهر ووقاحة بينما زوجته إحدى نواب التكتل الحاكم - لن توصل إلى نتيجة ولن تؤدي إلى أي شيء، فدول العالم مجتمعة لن تعرف الداء أكثر من أهل الدار وأهل الدار نائمون خائفون على أرواحهم منتظرين أن يأتي الفارس على الحصان الأبيض لينقذهم بدون أي عناء من قبلهم.

أيها الأهل، إن الإشارة إلى أصل البلاء ليست بجرم، والقول بأن سوريا وعملائها وراء كل مسلسل العنف الذي يجري لإرهاب أصحاب الكلمة الحرة وإسكات أقلام العارفين بالأمور، ليست بافتراء، فهذه شيمهم وهذه أساليبهم وهذه عاداتهم، وقد حاولوا خنق لبنان بعد خروجهم باغلاق الحدود كما في السابق، وسوف يحاولون بكل الوسائل أن يمنعوا تعاضد اللبنانيين وانهاء العنف. وما قتل سمير قصير وجورح حاوي إلا لمنعهم من الكلام وما محاولة قتل مي الشدياق إلا رسالة لأهل القلم أن يرتدعوا ويعودوا إلى سياسة الخوف والتستر وعدم الوضوح.

المطلوب اليوم وقبل فوات الأوان أن يتوقف الجميع عن مداراة حزب الله ومحاولة إدخاله باللعبة اللبنانية فهو عنصر غريب عن المجتمع اللبناني يستعمل اللبنانيين ليضرب بهم إخوتهم لصالح أيران وسوريا، ويجب عزله وعدم التعاطي معه على الأقل حتى يعترف بحق الآخرين بالمساواة ويقبل بنزع سلاحه واحترام القانون الذي يجب أن يساوي الجميع بدون وجود أبن ست وأبن جارية.

إن أصحاب الأقلام التي هللت للاحتلال سابقا سوف تهلل له مجددا وتدافع عنه ولو اتهمه تقرير ميليس مباشرة، وها هو بعضهم بدأ بالفعل يظهر ما  في باطنه. إن النظام السوري حاول كسب الوقت وتحييد العرب لافتعال مشكلة مع العالم الحر يعتقد بأنه يستطيع أن يخرج منها رابحا مجددا، وسوف يكون وقودها، مرة أخرى، الشعب اللبناني، وهذا الوضع يجب أن يراه المسؤولين في لبنان ويحترثوا له، فحزب الله مع فصائل الرفض الفلسطينية ومع أحزاب البعث والقوميين وغيرهم من المأجورين، وقد يدخل أيضا في المعادلة بعض جماعات القاعدة الأصوليين، سوف ينقضون دفعة واحدة على الحكم المتردد والذي أخافوا رموزه فهرّبوهم من البلاد كي لا يستطيعوا الامساك بالشارع واستدراك الآتي. والأجهزة الأمنية المتوقف عملها بسبب التردد السياسي والتي لا تعرف على ماذا ستركز بعد، يجب أن تضع نصب عينيها الخطر الآتي، وعلى الشعب أن يتيقظ ويتنبه من كل محاولة لضرب الاستقرار.

نحن بالطبع لا نريد عودة الحرب وأجوائها إلى البلد ولكننا نحذر من أن العدو الذي خرج مطأطأ الرأس لا يزال يتربص بنا ولم يقبل أن تصبح العلاقات معه طبيعية كعلاقات كل الجيران ببعضهم. ولم يزل بعض اللبنانيين من حملة السلاح يعتقدون أن السلاح فقط سيطعم أولادهم وسيؤمن لهم المستقبل وأنهم بقوته ينالون ما يريدون ولن يقهرهم قاهر.

نطالب المتزنين من اللبنانيين أن يدركوا إلى أين نحن سائرون فلا يقعوا في الفخ ولا يسقطوا كل المكاسب التي نالها لبنان بوقفتهم الواحدة المتضامنة.

إن الغيوم السوداء بدأت بالفعل تتجمع فوق لبنان وما دخول المسلحين الفلسطينيين عبر الحدود السورية إلا واحدة منها، وما زيارة الوفد الإيراني إلى الجنوب إلا في نفس التوجه، واحتفال القوميين في الحمرا (الذي كان نجمه الرئيس الحص؛ وهو حضور رمزي يدل على الأحقاد في الصف الواحد) من ذات القبيل، وما محاولة جمع العماد عون بنصر الله إلا واحدة من التحضيرات التي يرجى منها إظهار حسن النية بينما الهدف الأساسي هو غير ذلك.

إن الأمل لقيامة لبنان هو بوقفة جديدة للبنانيين مجتمعين ضد الإرهاب وضد شبكاته، ضد أسباب الفتنة التي أصلها السلاح؛ من سلاح المخيمات، الذي أوصل لبنان إلى ثلاثين سنة من الحرب، إلى سلاح المليشيات بكل أسمائها، إلى سلاح الأحزاب والمنظمات على أنواعها.

إن العالم قد أعطانا فرصة جديدة، والله عز وجل قد أظهر لنا بعض العطف، فهلا تفهمنا أخطاءنا وبدأنا بتحمل المسؤولية بدل رميها على الآخرين؟ هلا ارتدعنا عن التكاذب وبث الأحقاد يمنة ويسرى؟ هلا صارحنا العاهر بكل جرأة وامتنعنا عن المسايرة والممالقة؟ كيف ننتظر أن تهرع الدول إلى مساعدتنا وإغداق الأموال علينا ونحن أنفسنا نعرف أن الوضع لم يستقر بعد، وأن تصدير الإرهاب لا يزال رهن إشارة، وأن مدارس الحقد والبغضاء تزيد كل يوم عدد مشاريع الانتحاريين الذين يقلبون الأرض فوق رؤوسنا أولا ويهددون كل إستقرار من حولنا؟

العالم الذي خلناه أغمض عيونه عن مآسينا ها هو يمد يده لنا لكي نقوم، فهلا أمسكنا اليد الممدودة وانطلقنا إلى الأمام؟ أم أننا تعودنا الذل والإتكال وتحميل الآخرين ما نحن فيه تهربا من الواقع؟

لا يجب ان نقبل بأن يصادر حزب بسلاحه رأي اللبنانيين فيرهبهم كما فعل بطائفته. ولا أن نعود إلى حكم الأبوات وجماعات التقتيل والتخريب.

إن النظام السوري الذي يخاف من السقوط يتعلق بأية فرصة لكي يعيد أجواء الحرب إلى لبنان فيتنفس الصعداء وتعود له عافيته، وهذه الحرب لن ترجع إلا بواسطة السلاح والهيمنة، وعملاء هذا النظام لا يزالون منتشرين يعبؤون البعض ويقلقون البعض الآخر، يفجرون هنا ويقتلون هناك كي لا يهنأ بال أحد.

إن نظام سوريا الذي ينتظر أن يعزله العالم أكثر فأكثر لكل ما قام به من جرائم، يخطط للرد بطرقه المعهودة، وهو لا يعرف غيرها، فلنكن أوعى وأقدر ولنمنعه من لعبة جديدة، ولنطلب كلنا بصوت واحد من كل لبناني لم يتساوى بالآخرين بعد أن يفهم أننا لن نتهاون معه ولن نقبل بسلاحه ولا بهيمنته ولن نحاوره أو نتعاون معه طالما لم يقبل بمبدأ التساوي ومبدأ السلم الداخلي الذي يساعد على حلحلة كل الأمور ويعطي أملا بمستقبل أفضل.

سوريا تخطط للرد على تقرير ميليس إنفجارا داخليا وخربطة للوضع في لبنان لتفسد فحوى التقرير وتلتف على مفاعيله ومضامينه، فهل نتركها تفعل؟ وهل نختبئ مرة أخرى خلف أصابعنا ونتعامى عن موضع الوجع؟

الأيام الآتية لا بد ستظهر الكثير، ولا بد لذلك النظام المحتضر من وقفة هي لا شك وقفة الموت، ولكن ماذا ستكون تكلفتها؟ انفجار آخر بزعيم كبير في طريقه للإجتماع بنصر الله أم نصر الله بذاته؟ الله أعلم؟ والعبرة لمن أعتبر.

كندا- تورونتو  6/10/2005