كل عام وأنتم بخير

بقلم/شربل بركات

 

سنة أخرى تمضي ويبقى لبنان واقفا في وجه الرياح العاتية التي تريد له السوء...

سنة أخرى تذهب ويذهب معها حلم النهوض بالوطن والتخطيط لمستقبل أفضل...

 

سنة أخرى تغيب ويسقط معها رمز جديد من رموزنا الشابة الواعدة وقد اغتالته نفس آلة الحقد التي مزقت جسد لبنان ولا تزال...

سنة جديدة تطل ويتهاوى حلم آخر كنا نرى فيه استمرارا للكرامة وتحقيقا للآمال فإذا بالواقع يخيبها كلها...

 

سنة أخرى خال اللبنانيون بأنهم يخترعون خلالها أبجدية جديدة لتوازن الحكم وتعايش المجتمعات، وقد بدأوا بما أسموه "حوارا حول الأمور الصعبة"، ولكنهم في النهاية لم يصلوا سوى إلى البديهي منها؛ وهو أنه لا يمكن أن تعيش دولتان على نفس الأرض، وتتعايش ثقافة القتل والحقد والانغلاق مع ثقافة الحياة والتعاون والانفتاح بدون أن تأكل واحدة منهما الأخرى...

 

سنة مرت ومر معها الخوف والدمار والعنف على بلاد الأرز، فأذاق الأهل المرّ، وهدم ما كان بني بالجهد والقلة، ليعِدَ بالمال الحلال، منةً ممن تسبب به، ووسيلة لوضع اليد، بدل أن تقطع كل يد تريد للبنان السوء، ولبنيه عدم الاستقرار...

 

سنة أخرى تزيد التمزّق الذي نعاني منه، وكأنه كتب علينا ألا نعرف سلاما في بلاد ملك السلام، ولا ننعم برحمة الله حيث يدعونه كل يوم بالرحمان الرحيم...

 

سنة جديدة لا نعرف بعد ما تخبئه لنا، ولكنها تبدأ بمظاهر العنف التي لم تنته، والاعتصام الذي لا يهدف إلا إلى الفوضى، والتهديدات التي لن توصل إلا إلى الهلاك. فهل يسير لبنان مرة جديدة نحو حتفه وتقاتل بنيه؟ أم هل يتجمّع ويتحضّر للدفاع عن حقه بالحياة ومنع حدوث "المقدر

 

لبنان، هذا الوطن الفريد في الشرق والغرب، يريدونه ساحة صراع، ويدفعون بنيه نحو الصدام، فماذا يربح اللبنانيون غير بث الحقد والفوضى؟ ولماذا يقبل من وقف دوما مع لبنان الحر السيد المستقل أن يرتبط اسمه بجماعات القتل والانقياد، جماعات التفتيت والتخريب، جماعات باعت نفسها لكل من هو غير لبناني لتبقي على تميّزها في وطن المساوات وفرضها الخوة على الآخرين؟..       

 

في هذه السنة التي كنا نأمل أن تكون بداية الانطلاق نحو عصر البناء والتجدد، عصر التغيير والانعتاق من مخلفات الماضي البغيض، ها نحن نبدّل ساحات الفرح والحرية بمعسكرات الحقد والكراهية، ورايات العز والفخار بشارات الذل والتبعية، فهل أننا نسينا كيف تشرق الحياة وكيف تتفتح الورود، ولم يعد يحركنا سوى أزيز الرصاص ودوي الانفجارات؟..

 

في آخر كل عام يعيد الناس حساباتهم ويقيّمون ما قاموا به في السنة المنصرمة، فهل يجري زعماء لبنان، لا بل العامة، هكذا تقييم لأفعالهم؟ وهل يدرك من يقيم في معسكرات ساحة رياض الصلح أنهم أصبحوا أدوات تسهم في خراب البلد لا في تحسينه؟ وتوقف مسار الديمقراطية بدل أن تسرّعه؟ وهل يعلم من تحمّل عبئ الاحتلال أنه إنما يعمل لعودته؟..

 

غريب أمر "شعبنا العظيم" لا بل محزن وضعه، فهو ربما لم يدرك بعد بأنه تحرر فعلا من ظلم الاحتلال ورواسب التبعية، وقد رحب به العالم عضوا فعّالا في المجتمع الدولي، ولكن بعض أبنائه يصر على أن يبقى الرهينة، والوسيلة، ولعبة الأمم، وساحة صراعاتها، فهل يدرك هؤلاء إلى إين يأخذون الوطن وأهله من جديد؟..

 

اليوم وقد وقف العالم للمرة الأولى معنا بكل وضوح وقوة، ووقف العرب أيضا، في صف واحد، من أجل مصلحة لبنان وخير بنيه، فما ترانا نفعل، وإلى إين نذهب، وكأننا لا نصدّق ما نرى فنعتقده وهم بعد، أو ربما، ولكثرة المعاناة، نعتقد أننا لا زلنا في حلم أو كابوس...

 

في بداية هذا العام الذي يبشر بالتوتر ولكن بوضوح الرؤية، نحلم بفجر جديد وبعام قيامة لبنان الحقيقية من كل ما تحمّل من ويلات ومصائب خلال أكثر من ربع قرن. نحلم بترسيم كل الحدود مع الجيران، في الجنوب والشمال، وفي الشرق على الأخص، ونحلم باعتراف الجميع ببعضهم، وتبادل أفضل العلاقات بين الجيران. نحلم بالسلم الآتي يكلل الشرق بعدل واستقرار، برفاهية وتفاهم، بتقدم وازدهار. ونحلم أن تذهب إلى غير رجعة أيام الظلم التي أرهقتنا حتى بتنا لا نعرف أن نرى الأمور على طبيعتها، فخلف كل طرح يجب أن يكون هناك ما يؤذي، وخلف كل مشروع يجب أن ننتظر الأسواء...

 

مسكين لبنان فقد كتب له أن يحمل عبء صراعات الشرق والغرب، وعبء تفاعل البشرية في احتلافاتها وتنوعها، وعبء الاخلال بأي توازن هش. ومسكين شعب لبنان الطيّب الذي لا يحمل ضغينة على أحد ويبقى جاهزا لمجاراة كل طرح ومماشاة كل نظرية، وهو عن حق "مختبر البشرية" في تفاعلاتها وصراعاتها، فهل من نهاية لهذا القدر؟ ومن يقرر موعدا لتلك النهاية؟ وهل هناك أولى من أبناء البلد ليحصّنوا أنفسهم ويتماسكوا بالشد على الأيدي، فيصمد الوطن المعذب ويخلص أبناءه من ظلم الأقربين؟..       

 

في بداية هذا العام الجديد، نطلب من المولى عز وجل أن يرفع الكأس المرة عن لبنان، فكفانا تصارعا وتقاتلا، وكفانا بؤسا وشقاء، وكفانا تحمّل أعباء العالم ومشاكله، وآن لنا أن نستريح ونلحق بركب البشرية السائرة نحو فجر جديد من التقدم والتطور قد يزيل كل أسباب الصراعات وينتقل بنا إلى عالم أفضل تكون قيمه مرتكزة على الخير والحب والعطاء لا على الحقد والشر والسرقة...

 

وكل عام وأنتم ولبنان بألف خير...

 

تورونتو 31-12-2006