أبونا إيلي

بقلم/الكولونيل شربل بركات

في يوم رحيلك عنا تنفتح السماء رحمة وتنفرج الغيوم دفئا حتى هنا في بلاد الصقيع...

في شهر القديس يوسف وقبيل عيده المجيد تنتقل إلى جوار الرب حاملا وزناتك المضاعفة...

أتيت إلى هذا العالم ببساطة المعلم ونشأت في كنف والدين تربيا على الأخلاق والإيمان والعمل المتقن...

وحملت الرسالة باكرا وانطلقت في مسيرة حفظت تقاليد هذا الشعب المتألم وتراثه العريق وأبرزت قيمه النبيلة...

أبونا إيلي

عرفناك صاحب مبدأ وقرار، لم تحد عن الخط الذي رسمت، ولم تتوانى مرة في توضيح الرؤية الصائبة...

لقد عشنا نعمة مرافقتك وشربنا من نبع تقاك فخلنا أن الدنيا بسمة دائمة والخير حالة متواصلة ننعم فيها أبدا...

وفرّقت الأيام بيننا وبعدت المسافات لكن دعاك ظللنا حتى في أحلك الظروف ومثالك شددنا على كل المصاعب.

وبقيت أنت الأمل لنا بأن عين إبل بخير وقيمها مستمرة ومستقبلها إلى الأفضل طالما عين راعيها لا تنام وصلاته لا تنضب...

أبونا إيلي

تفارقنا اليوم بعد أن حاولنا أن نوفّيك بعضا من عطائك فإذا بنا نعجّل في رحيلك لأننا ربما خدشنا تواضعك...

وتستقبلك عين إبل بصغارها وكبارها، بمن تبقّى من شيوخها وعجائزها، بشبابها وصباياها، وتتزين كنيسة شفيعك مار الياس منتظرة أن تحل فيها مكمّلا مع الأهل درب الصليب في أجواء ألحانها البيزنطية العريقة.

ويأبى الشباب إلا أن يحملوا على الأكف من حمل آمالهم وتحمّل آلامهم طيلة خمسين سنة...

وتسير البلدة في موكب رصين يخيم عليه وجوم وأسى. ويدخل الراعي الصالح إلى كنيسته حيث أم النور تنتظره متوشحة ثياب الحزن باكية على ابنها المتألم...

أبونا إيلي

يوم عرفت أن الله يدعوك إلى مهمة جديدة وتجربة قاسية مر بها كثير من القديسين بعدت عن عين إبل ولم تعد إلا لتدفن في ترابها الذي أحببت. فهل كان بعادك جزءا من التجربة أم أنك لم تشأ أن تغيّر في أذهان من تحب تلك الصورة التي عودتنا عليها؟

أبونا إيلي

اسمح لنا هذه المرة أن نفخر بك ونعتز بأننا رافقناك في مرحلة ما، فقد كنت دوما أكبر من أن تقبل بالتباهي بالأرضيات والتشاوف بما في هذه الدنيا، وفضلت أن يكون نصيبك في "مملكة ليست من هذا العالم" وها أنت ذاهب إلى حيث أردت. فهل سنرى النور على قبرك كما شربل في يوم من الأيام؟ وهل ستستمر شفاعتك لنا كما تعودنا؟

يا أبناء بلدتي الحبيبة أنتم يا من قدّر لكم أن تلقوا النظرة الأخيرة على هذا الجثمان الطاهر ويا من سترافقون هذا الفضيل إلى مثواه الأخير نحسدكم على هذه النعمة ونأمل أن تملأوا عيونكم من طهره وقلوبكم من محبته وأن تبقوا لنا بعضا من ذخائره نتبارك بها حيثما حللنا. 

أبونا إيلي

لن نقول لك وداعا لأنك الآن أصبحت أقرب وتحررت من عبء هذا الفاني لتكون لنا ولأولادنا دوما عينا ساهرة وقلبا محبا وسندا عند كل تجربة.  فيا أب الكل كن لنا معينا في ساعات الضعف.

 

تورونتو – كندا/

 20 آذار/2010