لو يلهم الله زعماء حزب الله ...

بقلم/الكولونيل شربل بركات

بمناسبة الفطر السعيد اعاده الله على الجميع،

 

لو يلهم الله...

 

لو يلهم الله زعماء حزب الله المنادين دوما بأنهم إنما يفعلون مشيئته أن يحوّلوا جهدهم من المناداة بالحقد ومفاعيله إلى التوجه نحو الخير والبناء، نحو التفاهم والتعاون، ماذا كان جرى؟...

 

لقد أثبت حزب الله وزعماؤه ومن يقف خلفهم بأنهم قادرون على التعبئة، لا بل قادرون على توجيه الناس حتى إلى الموت بواسطة الخطب الرنانة وتفسير الكتب السماوية وآياتها.

 

لقد أظهر حزب الله بأنه قادر على التوجيه الاعلامي واستعمال الوسائل الحديثة والتكنولوجيا المتطورة للتأثير على عقول المواطنين ودفعهم للسير في ركابه.

 

لقد أثبت حزب الله قدرته على المناورة السياسية لتحويل الهزيمة والكارثة إلى انتصار والعودة من الشباك إذا ما طرد من الباب بدون حياء أو وجل وباصرار واضح على التشبث بمواقعه والدفاع عن مكتسباته. 

 

لقد أثبت حزب الله وعيا لطاقات الجماعة التي طالما وصفت بالمحرومة وصورت بالضعيفة، وأوجب عليها الجهد والتعاون وطوّر عندها العزم والنشاط، فصارت قادرة تفرض ارادتها بدل أن تستجدي، وتسهم في تمويل بعض من مشاريعه بدل أن تمد يدها دوما.

 

لقد أثبت حزب الله بأن شيعة لبنان يختلفون عن الآخرين وأن لهم خياراتهم ولهم طروحاتهم ولهم ارتباطاتهم التي ليست بالضرورة طروحات وارتباطات ومشاريع الآخرين.

 

لقد أثبت حزب الله أن لبنان ليس عربي الولاء بالمطلق، وأن الاسلام ليس لونا واحدا بالضرورة، وأن الصراع ليس صراع الأكثرية ضد الأقلية أو العكس، وأن لبنان ليس وطنا لحماية المسيحيين فقط لأن هناك اختلاف بين كثير من الفئات فيه حول كثير من النقاط.

 

لقد أثبت حزب الله ضرورة، لا بل حتمية، الحركة في القوانين وحتى في الدستور اللبناني وليس فقط في التفاصيل الصغيرة، وأنه ليس هناك من مسلمات ولا ثوابت دائمة أو تحالفات منزلة.

 

لقد أثبت حزب الله أيضا أن القوي لا يقدر أن يفرض بالقوة رأيه أو خطه مهما عظمت قوته وكثر ماله وطال باعه، وأن الديمقراطية كلمة جميلة تحتاج إلى الكثير من الجهد لكي تستوعب، وهي نتاج ثقافة تتطلب النضج قبل أن تصبح جزءا من تراث الشعوب.

 

كل ذلك صحيح ولكن خيار حزب الله بعد "الانجازات العظيمة" في مجال التعبئة والتنظيم والدعاية والاعلام بقي انتحاريا بالنسبة للطائفة وبالنسبة للوطن وبالنسبة للمنطقة بأثرها، وهو تحجّر في محاربة إسرائيل ومعاداة أمريكا لدرجة لم يعد يقدر معها على الخروج ولبنان من نظرية الساحة، واقتصرت تطلعاته وتحالفاته على مسائل القتال فنسي البناء ونسي العمران ونسي أن عليه واجب في الدنيا لا ينقص عن الواجب نحو الآخرة.

لو يلهم الله زعماء هذا الحزب أن التفاهم لا يعني فقط أن يلتزم الآخرون برأينا وأن كل الفئات قد أدت قسطها للوطن بشكل أو بآخر وأنه ليس له وحده الحق بفرض الرأي.

 

لو يلهم الله زعماء حزب الله أن يتوقفوا عن الخطاب الصدامي ويخرجوا من حلقة السلاح والحرب ويتوجهوا نحو بناء الوطن بدءا من فرض وحدة الأمن؛ بأن يعلنوا الرغبة بتسليم أسلحتهم للجيش على أن يتم في نفس الوقت تسليم كل الأسلحة داخل المخيمات وخارجها وحل كل التنطيمات والمجموعات المسلحة على كافة الأراضي اللبنانية ثم إعلانهم عن تفكيك مصانع العبواة والتفخيخ والتفجير وحل أجهزة الأمن الخاصة بهم وتسليم المعدات والمعلومات لأجهزة الدولة، والتحول من الخطاب القتالي إلى الخطاب الانمائي وتحويل كل الجهد والتنطيم إلى مهمات تطوير المناطق كأن يسعى حزب الله مثلا لبناء مئة سد مائي، ولو صغير، موزعة على كل أودية لبنان بالتعاون مع الدولة والدول الصديقة وبرامج الأمم المتحدة، ويعلن عن خطط لدعم الزراعات المتطورة والصناعات الخفيفة وتوجيه الشباب نحوها والتي تتوزع أيضا على كل المناطق فتعمر بالتوازي ويقل التركيز في المدن وبدل أن تكون العلاقات مع الانتشار اللبناني علاقات أمنية وتخريبية وجباية فروض، فلما لا تكون علاقة نشر وتوزيع منتجات لبنان ودعم اقتصادياته والافادة من خبرات اللبنانيين في مجالات التنمية وعندها قد يصبح الكلام عن "المال الحلال" كلام في محل.

 

لو يلهم الله زعماء حزب الله لتغيير ثقافة الحقد إلى ثقافة الجهد وثقافة الانتحار إلى ثقافة الحياة هل يبقى هناك خوف من أكثرية وأقلية؟ وهل تستطيع الحكومة إلا أن تنافس في تحقيق أحلام الناس؟ وهل يقدر أحد أن يعترض على العمران والانتاج؟...

 

لو يلهم الله زعماء حزب الله فيفكوا مخيم الحقد في ساحة أب الاستقلال بدون تفاوض وبقرار ذاتي ويحضروا إلى المجلس النيابي ليصوتوا ضد مرشح الأكثرية ويعلنوا للكل عن مشروعهم الجديد. فماذا يقدر الشر بعد أن يفعل بين اللبنانيين؟ وهل يستطيع أحد إلا أن يشهد بالبطولة؟... 

 

ولكن على من تقرأ مزاميرك يا داوود؟ وحتى لو شاء الله أن يلهم فيجب أن يقابله سامعون يعرفون الخير ويريدون قيامة الوطن وليس فقط منفذون لمشاريع أسياد لا هم لهم إلا كراسيهم ولا شأن لهم في ما يعاني هذا الوطن الجريح منذ ثلاثين سنة وقد تعودوا على المال المغدق يدفق إلى الجيوب ومنها. ولكن رغم كل ما يفعلون ورغم كل ما يخططون له فإن هذا الوطن سوف يقوم وسوف يجمع السلاح فيه وسوف تزهر الأراضي و سيعم الخير والطمأنينة كل بنيه شاء المغرضون أم أبوا... وإن الله على كل شيء قدير...

 

فكل عيد ولبنان يخير...

 

كندا في 15 نشرين الأول 2007