الاتحاد الماروني العالمي

مكتب الدراسات الاستراتيجية - بوسطن- تورونتو

10 تشرين الاول 2005

 

بحث بقلم الكولونيل شربل بركات

هل يمكن أن يتطور حزب الله ليصبح عنصر بناء في لبنان الجديد؟

في خضم الأزمة السياسية التي يتخبط فيها لبنان، يظهر حزب الله كقوة معارضة للتغيير في توجهات زمن الحرب والنقلة النوعية التي يفرضها خروج جيوش الاحتلال، باتجاه "ديمقراطية المجموعات الحضارية"، والتي قد تكون المدخل الصحيح لتطوير نظام حكم مستقر يؤدي إلى تقدم البلد ومساهمته لاحقا في حلحلة مشاكل الشرق الأوسط وتخبطات شعوبه؛ بين رجعية تشده نحو عهود الظلام، وتقدمية "عولمية" يخشى البعض أن تلغي الكل. فحزب الله هذا، ومنذ بدء "ثورة الأرز"، خاف أن يفقد مكاسبه، وكأنه لم يحظى بها بالعمل المضني والتضحيات في سبيل الوطن كما يدّعي، بل بالتحايل أو مسايرة الاحتلال، حتى بدا وكأنه، ليس فقط، صنيعته، بل أداته المثلى للسيطرة على البلد. فالاحتلال أخاف اللبنانيين دوما بهذا الحزب الراديكالي، الذي سيطر على واحدة من أكبر طوائف البلد، واحتكر مقاومة إسرائيل (وهي نغمة الأنظمة التوتاليتارية العربية في كل زمان)، وفرض نفسه شريكا مميزا بادارة الدولة الأمنية والمالية دون أن يسمح أن يكون لهذه الدولة حق مشاركته بقراراته وأمنه وأمواله. وعدى عن سيطرة هذا الحزب على مناطق كاملة في الجنوب والضاحية والبقاع تحت ذرائع وهمية وبغطاء من الاحتلال، فهو فرض نفسه وصيا على الأمن العام وعلى الخارجية، وفي نفس الوقت لم يسمح للدولة أن تتدخل في شؤونه الخارجية وشبكاته الدولية، أو في جباياته المتعددة المداخيل وطرق تصرفه بوارداتها، ولا بالطبع، بالأوامر التي يصدرها إلى هذه وتلك من الشبكات للتحرك مع أو ضد مصالح الدول والتنظيمات والأفراد حول العالم.

ولهذا الحزب ارتباط أهم من ارتباطه بسوريا وهو الارتباط الإيراني، فإذا كان نسّق مع السوريين للسيطرة على الأرض والاستمرار في التحكم بالبلد مقابل الولاء المطلق لجيش الاحتلال، فمع إيران لم يعد عمله أو علاقاته تنسيقا، بل يعتبره البعض جزءا من الخطة التوسعية الإيرانية، لا بل إحدى ركائز القوى الإيرانية المتعاظمة، فبواستطه فتحت إيران قاعدة لحرسها الثوري على المتوسط، وبواستطه تسيطر على مجموعة شبكات عالمية لم تكن تحلم بها أجهزة المخابرات الإيرانية، فحيثما انتشر اللبنانيون في أنحاء العالم جنّد حزب الله البعض، وخاصة من أبناء الطائفة الشيعية، ليعملوا لصالحه، وهم يسوّقون له تحت ستار الدين، ويزودونه بالمعلومات، ويقوم بعضهم بالجبايات، كما يعتبر بعضهم الآخر خلايا نائمة لوقت الحاجة.

صحيح أن حزب الله يبدو أكبر من لبنان في طموحاته التوسعية، ومن ناحية التخطيط والإرتباط والتطلعات، ولذا كنا نراه في ظل الحكم السوري مترفعا عن السياسة الداخلية، لا يقاتل من أجل المكاسب الصغيرة، بل يبدو أعلى منزلة من أترابه في السياسة، وقد يكون هذا هو سبب كلامه الفوقي عند مخاطبة الآخرين، فهو يطالب بالحوار، نعم، ولكن ليكون هذا الحوار على طريقته ومخرجا له أمام إصرار العالم على حل شبكاته الدولية، وتسليم سلاحه، وتفكيك مخابراته، وإغلاق مدارس التخريب؛ إن في صنع المتفجرات، أو في تفخيخها، أو في زرعها. ووقف تعاليم الحقد التي يختبئ خلفها ليبرر تجهيز جيوش من الانتحاريين، وهو السلاح الذي كان اشتهر به في القرن الثاني عشر إيراني آخر هو حسن الصباح زعيم "الحشاشين"، وأستعمله آية الله الخميني لدفع الإيرانيين في مواجهة آلة صدام حسين العسكيرية، وعرف حرسه الثوري كيف يستوعبه ويستغله فيما بعد في لبنان لتحقيق أحلام دولة الفرس قبل أن يستنسخه جماعة "القاعدة" للوصول بواستطه إلى اللعبة العالمية، حيث أجبرت دول عظمى كالولايات المتحدة ودول أوروبا وروسيا للتدخل مدافعة عن أمنها الذي أصيب في عقر الدار.

حزب الله هذا، كما هو الآن، عقبة في عودة الاستقرار إلى لبنان، بكل تأكيد، وهو لن يقبل أن يسلّم السلاح، بدون شك، ولا أن يُستفرد، ولذا فقد أعطي الأمر من قبل النظام السوري لجماعات الرفض الفلسطينية بالبدء بالتحرك، كعناصر شغب واستدراج للحكم اللبناني إلى معركة سيحددها هؤلاء، يخشى أن تكون فيها المواجهة الكبرى مع حزب الله محوطا بكل النغمة القديمة من هذه الفصائل وبعض الأحزاب والفئات التي عززها الاحتلال السوري وتخال نفسها اليوم خاسرة، وقد يدخل إلى الساحة تنظيمات سنية من جماعات الزرقاوي وبن لادن وغيرهم من الأصوليين الذين يتضررون من ألاستقرار ومناخ الحرية والديمقراطية حيث لا خبز لهم فيها ولا مصلحة.

ولكن هل هناك احتمال ولو ضئيل في بقاء هذا التنظيم الذي فرض نفسه على الطائفة الشيعية وتغنى به بعض اللبنانيين، وترافق اسمه مع خروج إسرائيل من الجنوب، ولو لم يكن له الفضل في ذلك، كما يدعي؟ ومهما فعل فهو أعاد بعض العزة لفئة من اللبنانيين كانت تعتبر نفسها محرومة، وبالرغم من أنها، يوم قدر لها أن تحكم، لم تترك لأحد مجالا حتى في الاعتراض. حزب الله هذا هل هو متوجه، لا بد، إلى مواجهة دامية مع اللبنانيين؟ وهل أنه لم يشعر بعد بالمواطنية الحقة، ولا يزال يفتش عن هوية وانتماء؟

الطائفة الشيعية، ومع المغفور له الامام الشيخ محمد مهدي شمس الدين، قد قبلت بلبنان موطنا نهائيا ليس بحاجة إلى النسبة ولا التبعية، وهو قادر أن يعيش ويحافظ على كل فئاته ليشكلوا تفردا في المنطقة حيث يعتمدون النظام التعددي ويتشاركون في الحقوق والواجبات. فماذا يقول حزب الله للشيعة الذين يرسلون أبناءهم ليقتلوا معه عندما سيحارب لبنان؟ هل يقول لهم بأن هذا ليس وطنكم؟ أم أن هؤلاء هم الأعداء؟ ماذا سيقول للفلسطينيين الذين أصبح لهم دولة وقد اتخذت قرارها بأن دولة لبنان وحكومته هي التي تحميهم وليس سلاحهم؟ هل يقول لهم لا إن الدولة الفلسطينية لا تمثلكم، وسوريا وإيران وحدهما يمثلانكم؟

إن حزب الله وسوريا وإيران مجتمعين لم يستطيعوا تعويم الدولة اللبنانية، بل العكس فقد ساهموا بإفقارها، ولا استطاعوا أن يطفئوا شعلة الحرية المتقدة في صدور اللبنانيين، بالرغم من ثلاثين سنة من الحرب. وكل الأعمال التخريبية والتفجيرات والحروب التي قاموا بها لم تقدر أن تبعد اللبنانيين بما فيه الكفاية، وها هم، وعندما سنحت لهم الفرصة، تلاقوا واتفقوا على ثوابت لم يعرف حزب الله بعد كيف يخرج عنها. 

اللبنانيون وهم يعرفون حزب الله وطروحاته ومشاكله، ويعلمون أنه لا يستطيع مشاركتهم فرحة الحرية الحقيقية، لأنه لم يتحرر من التبعية بعد، حاولوا أن يعطوه فرصة، وهم لم يخرجوه، بالرغم من أنه كان قد أخرج نفسه من اللعبة، وتركوا له قانون الألفين وتركوه يدخل في الحكم علّه يستدرك ويفهم، لا بل يزن خطواته بين أن يصبح سندا للبنان، وعندها قد يفخر به الجميع، أو أن يستمر من الخوارج، رافضا أن يتعلم العيش مع الآخرين، متحجرا بقناعات بالية، متحصنا بطروحات ليس فيها إلا الحقد ولا تفوح منها سوى روائح القتل والبغض والدمار، ولا يعيش إلا على المآسي.

حزب الله يسير نحو المواجهة مع العالم، وليس فقط مع اللبنانيين، وهو يعتقد بأن العالم لن يرسل جنودا لمحاربته، كما فعل مع صدام، وهكذا فلن يقهره أحد، وهو مخطئ في طرحه، وهو إن اختار المواجهة فلا بد خاسرا. ولكن يبدو أنه قد يكون تعمّق كثيرا بثقافة الانتحار وقد يقدم على خطوة انتحارية. ولكن هل بقي له مخرجا آخر؟ وما هي شروط هذا المخرج؟

بالرغم من كل ما تقدم يبقى لحزب الله، إذا ما عرف زعماؤه كيفية التصرف، مخرجا مشرفا، وهو يجب أن يبدأ بخطوات تظهر للجميع بأنه فهم المطلوب، وهو مستعد للدخول في اللعبة الديمقراطية بكل شروطها، ومن هذه الشروط ما يلي:

-الاعتراف بأن سوريا احتلت لبنان طيلة السنوات الماضية، وهي رحلت بناء على طلب العالم ورغبة اللبنانيين، وعليها الاعتراف بلبنان وتفكيك شبكاتها المخابراتية العاملة فيه وتبادل التمثيل الديبلوماسي معه.

-إستعداده لنبذ العنف طريقة للتعامل بين اللبنانيين وعدم فرض الرأي بالقوة.

-إعلانه عن قبوله بتسليم الدولة كافة الأسلحة التي بحوذته، والمختبرات ومصانع العبوات وغيرها من وسائل القتال، وحل الأجهزة التابعة له في لبنان والعالم.

-تسليم الدولة كافة المعلومات التي تملكها شبكاته المخابراتية والتي قد تساهم في كشف الجرائم.

-فتح السجون التابعة له وإعطاء لوائح أسمية بكل الذين أوقفوا من قبله ومكان وجودهم أحياء كانوا أم أموات.

-الإعتذار من اللبنانيين الذين تعرضوا للذل من قبل عناصره وأوقفوا أو سجنوا أو منعوا من الاقامة في بيوتهم أو بلداتهم.

-إعترافه بحق الآخرين من المجموعات الحضارية في لبنان بالعيش الكريم والمساواة في الحقوق والواجبات.

-قبوله بالتعددية كنظام يحمي حقوق جميع اللبنانيين وتخليه عن مشروعه بإقامة جمهورية إسلامية على غرار إيران.

-نبذه للإرهاب كوسيلة وحيدة للدفاع عن الحق، وتبني شرعة حقوق الإنسان التي أقرتها الأمم المتحدة.

-العمل مع كل اللبنانيين لإطلاق سراح المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية.

-المصالحة مع أبناء الجنوب الذين كانوا في الطرف الآخر، والكف عن وضع فيتو على عودة من تبقى من أفراد جيش لبنان الجنوبي إلى بيوتهم وقراهم، واعتبار كل الذين سقطوا في الحرب شهداء في سبيل لبنان يجب احترامهم من قبل الجميع لطي هذه الصفحة من تاريخ لبنان بطريقة انسانية مترفعة.

-اغلاق مدارس الحقد التي تنمّي روح التفرقة والعنف وتمنع التواصل بين اللبنانيين. 

فإذا ما أعلن حزب الله عن قبوله بهذه الشروط البديهية، فهو يصبح قابلا للمشاركة في لبنان الجديد، لأن الأسس المطلوبة لذلك واضحة، فلبنان الدولة التعددية والتي لا أكثرية فيها لأية فئة، لا يمكن أن تستقر بوجود حزب يفرض الرأي بالقوة، ويتسلح وحده، ويستعمل الدولة ويستغلها لصالحه فقط، وهو يعقد اتفاقيات دولية ويفرضها على الآخرين بدون أن يسمح حتى بالنقد، وهو يريد لنا أن نحارب العالم كله لأن أسياده في إيران وسوريا على خلاف مع الأمم المتحدة، ولبنان قد دفع الكثير من دماء بنيه ومن رخائهم واستقرارهم ومن سمعتهم واحترامهم بين الناس منتظرا أن يفهم هؤلاء فيرتدعوا ولكنهم اخترعوا الحجج دوما وتمادوا في الغي.

نقول لإخوة لنا غرر بهم أن المستقبل مضيء إذا ما أرادوه كذلك، وأن الأيام السوداء إلى زوال، ولكن العزيمة على الخير يجب أن ترافق التصرفات اليوم، والاستعداد لفهم الواقع هو المدخل لعدم الوقوع في الغلط مجددا، والتكلفة كبيرة والكأس مرة، أبعدها الله عن الجميع.

الكولونيل شربل بركات

تورونتو – 10 - تشرين أول - 2005