قداس بعثي وقومي سوري لإحياء أحلام الجنرال المغدورة وتقويض استقلال المسيحيين

تعقيباً على زيارة العماد عون الى سوريا الأسد

نجيب سليم زوين

النهار 14/12/2008     

 

لم يشهد التاريخ رجلاً يستطيع أن يتراجع عن مواقفه واقواله وافعاله الى حد التناقض الصارخ من دون أن يرف له جفن، على ما فعل الجنرال ميشال عون... انه ظاهرة فريدة تستحق الدراسة.

 

يوم 22 تشرين الثاني الفائت كنت أمام شاشة التلفزيون اشاهد الرئيس ميشال سليمان يرأس احتفالات ذكرى الاستقلال، فدخلت عليَّ جارتنا ابنة الستة عشر ربيعا، والغضب يعلو وجهها قائلة: " عيب والف عيب.. هالمركز ما بيلبق الا للجنرال عون... هوي لازم يكون الرئيس.. ميش هيك كنت تقول عمو؟".

اجبتها بمرارة والم: " معك حق ... بس بعد خروج الجيش النظامي السوري المحتل من لبنان ما كان ممكن يكون الرئيس الا من طينة السياديين ومن فريق ثورة الأرز.. مع الأسف الجنرال فقد هالصفة بعد رجعتو عا لبنان لمن التحق بتحالف " شكرا سوريا"..."

 

فاستشاطت غضبا وخرجت بعد ان " طبشت" الباب خلفها بقوة. وفي الامس القريب بينما كنت اشاهد الفضائية السورية تنقل من "مهد المسيحيين" وعاصمة الحريات والديمقراطية وحقوق الانسان، "الاحتفالات الرئاسية" التي استقبل بها العماد عون، كان مشهد العماد معبراً في وقفته مظللاً بصورة الرفيق المناضل القائد المفدى حافظ الاسد. واكتملت الصورة في مشهد مؤثر آخر ظهر فيه الجنرال وخلفه العلم السوري تتوسطه نجمتان وارزة، وفي مقدمة الحضور الضابط المرافق الذي كان ممن كان لهم "شرف" زيارة سجن المزة اثر احداث 13 تشرين، حينما اجبر على كتابة استقالته من الجيش.

 

في تلك اللحظة دخلت علي ثانية جارتنا ابنة الستة عشر ربيعا وقالت: معك حق عمو هلق عرفت ليش الجنرال عون ما كان ممكن يكون رئيس جمهورية... اليوم عرفت".

 

القداس القومي!

من حق العماد عون وبعد انضمامه إلى جماعة "شكرا سوريا" أن يحج إلى طهران ودمشق من دون ان يجادله احد. لكن هذه الزيارات، وللنظام السوري خصوصا، تشكل خيانة لمبادىء المقاومة اللبنانية التاريخية التي تبناها عون سابقا، وتزويرا فاضحا لموقف ملايين اللبنانيين الذين نزلوا الى ساحة الحرية في 14 آذار 2005 هاتفين " سوريا اطلعي برا"، وتأتي منسجمة مع خياره التخاذلي والاستسلامي منذ ابرم وثيقة العودة مع مندوبي النظام السوري، لحود وبقرادوني اواخر العام 2004.

وعلى رغم احترامنا الشديد لحرية العماد عون، فكرا وقولا وتصرفا، إلا ان زياراته هذه هي بمثابة طعنة في ظهر من ايده يوم كان في الخط السيادي. وهي تشكل استغلالا فاضحا وتزويرا للاهداف والطروحات التي اختاره اللبنانيون على اساسها، وهي بمستوى الخيانة العظمى وتحوّر خيار الناخب الحر الى ما يناقضه تماماً.

وفي مطلق الاحوال تشكل زيارة الحج للنظام السوري تنكرا لارواح الشهداء الذين سقطوا في الدامور، والقاع، وعين الرمانة، والاشرفية، وسن الفيل، وطرابلس على يد هذا النظام. وماذا تبقى من صدقية ومصداقية العماد عون بعد ظهوره مصافحا اليد التي اتهمها هو شخصيا بعملية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه مساء يوم 14 شباط 2005 على التلفزيون الفرنسي؟

 

مثلما ستكون لهذه الزيارة ترددات مضرة على الصعيد الوطني اللبناني، فان تردداتها على الصعيد المسيحي عموما والماروني خصوصا ستكون عنيفة جدا وستاتي عكس تمنيات وآمال الجنرال وحليفه السوري. فقد أمعن النظام السوري في استغلال هذه الزيارة لاظهار المرجعية الرئيسية والاساسية والوحيدة للمسيحيين المشرقيين بمظهر الضعيف والمهان. نجح النظام السوري في دغدغة احلام العماد عون المستحيلة، والبسه دور "زعيم المسيحيين المشرقيين"، لتوجيه الاهانة لراس الكنيسة المارونية ولغبطة البطريرك صفير، الممثل الشرعي والوحيد لمسيحيي المشرق. وقد بلغ الانحطاط الاخلاقي، لدى النظام السوري والعماد عون، اعلى درجاته عندما اعطي حضور القداس بعدا دينيا وانجازاً وطنياً وقومياً.

 

لن ينسى اللبنانيون الشرفاء ما جادت به " ايادي النظام السوري البيضاء" طوال السنوات الثلاثين الماضية: من عين الرمانة... الى سن الفيل... الى الاشرفية.... الى زحلة... الى كل بقعة من لبنان. فاذا نسي الجنرال او تناسى "انجازات البوريفاج" او عنجر فهل يستطيع تناسي النتائج المدمرة لـ 13 تشرين 1990، وليس اقله احتلال "بيت الشعب" ووزارة الدفاع وخطف الضباط وسوقهم الى سجون المزة. هل يستطيع الجنرال ان ينسى كيف اعدم السوريون - حلفاؤه الجدد - المئات من ضباطه وعسكرييه الذين كبلوا وأطلقت على رؤوسهم، بدم بارد، رصاصات الاعدام، بعدما كانوا استسلموا تنفيذا لأوامره؟

لن ينفع الجنرال ابدا استمراره في اللعب على الالفاظ وادعاؤه ان النظام السوري اليوم هو غير النظام السوري في الامس: فالمدرسة واحدة، والاستاذ واحد، والهيئة التعليمية نفسها، والعقل المدبر هو نفسه وصاحب الامرة هو هو. 

 

الوعد... والانتقام

تعود بي الذاكرة الى لقائي الاول مع الضابط عون، الى العام 1976، يوم اتخذنا في قيادة "التنظيم" قرار تحرير منطقتنا من معسكر تل الزعتر، فخضنا معاً احدى اشرف واقوى معارك التحرير. هو من موقعه ضابطا في الجيش الشرعي، وانا من موقعي المقاوم ممثلا قيادة "التنظيم”. ويتوالى شريط الذكريات الى حين عايشت الجنرال عون في بعبدا، وشاركته مسيرة التحرير واطلقت مع رفاقي في "المكتب المركزي للتنسيق الوطني" عملية بناء لبنان الجديد، السيد والحر، والكرامة والعنفوان والديمقراطية، وكلي ايمان ان الدوافع والآمال والاحلام والتطلعات هي نفسها. لكن الايام اظهرت انها كانت مرحلة تقاطع الاهداف لا وحدتها: انا اواجه النظام السوري المحتل لتحرير وطني وشعبي من موقعي المقاوم للاحتلال بكل اشكاله، والجنرال ينتقم لوعد اخل به النظام السوري تجاهه، فلم يؤيده لموقع رئاسة الجمهورية.   

 

انا المؤمن ايمانا مطلقا وراسخا بقيام الدولة الواحدة الشرعية وبحصرية السلاح بقوى الجيش والامن الداخلي، وهو الساعي لضرب القوى المسيحية لاهداف وغايات شخصية وحقد دفين لم يزل يتفاعل في نفسه حتى الساعة.

 

قيل لي يوما: احذر الجنرال فهو ذو ميول تلتقي وتتعاطف مع اهداف الحزب القومي السوري، فلم اصدق. وقيل أيضاً ان ضابطا لصيقا بالعماد عون وبتوجيهات منه ساهم في وضع "الاتفاق الثلاثي" السعيد الذكر، فلم اتقبل هذا القول، حتى تأكد كل ذلك فيما بعد. واليوم لم تعد للامر اهمية فقد ذاب الثلج وبان المرج. وظهرت الحقيقة المرة جلية وواضحة وضوح الشمس وانقشع الستار الذي كان يختبىء خلفه الجنرال.

 

ترى هل كنا بحاجة الى ثلاثين عاما لينكشف الدور الذي انيط بالجنرال عون القيام به؟! وهل كتب على هذا الشعب ان يتلقى الطعنة تلو الاخرى، وهل قدر للمقاومة اللبنانية ومسيرة السيادة وثورة الارز ان تضرب على يد بروتس القرن العشرين؟!

 

اسئلة

1990: "يستطيع العالم ان يسحقني لكنه لن يأخذ توقيعي"، كلمات قليلة قالها الجنرال عون في  "موسم العز" والكرامة ومسيرة التحرير، فايدناه ووقفنا الى جانبه وقاومنا ولم نستسلم... وكان للبعض شرف الاستشهاد " سحقا" على يد جيش النظام السوري.

 2008: وقع العماد عون صك الاستسلام واعطى شهادة البراءة للنظام السوري من دون عناء ولا ممانعة، انما بفرح وهرج ومرج، وبناء على استدعاء من سيد دمشق.

 

لم يشهد التاريخ، لا القديم ولا المعاصر، رجلا يستطيع ان يتراجع عن مواقفه واقواله وافعاله الى حد التناقض من دون ان يرف له جفن مثلما يفعل الجنرال ميشال عون. ولم يعرف العالم " قائدا " يغير موقعه 380 درجة، وينقل البندقية من كتف الى آخر، مثل العماد عون وتبلغ به الوقاحة حد الصاق هذه التهمة بغيره. فعلا انه ظاهرة فريدة تستحق الدراسة والتمعن. لكن المستغرب والمستهجن هو من بقي الى جانبه ممن يفترض بهم ان يكونوا على قدر من الوعي والادراك والحس الوطني، بعيدا عن نزوات الحقد والكراهية والمواقف المسبقة و" عنزة لو طارت". هؤلاء الذين لا يزالون " يتبعون"، ولا اقول يؤيدون، الجنرال اينما ذهب، كما يسير القطيع الى المسلخ. اذا كان العماد عون يتنكر لماضيه وتاريخه خدمة لاهوائه ومطامعه الشخصية، وتلبية لتعليمات سيد دمشق، فما هو عذر من كان في الصف السيادي وطليعة المقاومين للاحتلال السوري؟! ما عذر من واجه وقاوم ولم يزل يحمل في جسده وروحه آثار التعذيب ومرارة الذل من البوريفاج وعنجر والمزة، ليتبع العماد اينما ياخذه من دون محاسبة ولا سؤال؟! ام ترى ما زال الحقد يتحكم بهم ويعمي بصيرتهم عن رؤية الواقع والحقيقة، فيسامحون ويغفرون لنظام مجرم، يرفض الاعتراف بجرائمه، ولا يقوون على مصافحة أخيهم اللبناني المسيحي والمسلم؟!

 

اسئلة لا بد منها تطرحها زيارة العماد عون الى سوريا: هل تمت هذه الزيارة بمبادرة من الجنرال نفسه، ام  بناء على تدخل الوسطاء وسعاة الخير، ام جاءت تكملة لمبادرة لحود – بقرادوني؟ هل هي حاجة انتخابية لتجمع الثامن من آذار، ام اتت تكملة للزيارة التي قام بها الجنرال الى ولي الفقيه في ايران،  ام جاءت بناء على طلب واستدعاء من النظام السوري؟

 

المؤكد ان الزيارة اتت في تطور طبيعي للمنحى الذي سار عليه الجنرال وللخيارات التي اتخذها. اما التوقيت فجاء " في التاريخ الذي حدده هو، اي الرئيس السوري، ولم يستطع عون رفضها أو طلب تأجيلها" (ادمون صعب – النهار 5-12-2008)

 

لقد اطلق العماد عون دعوة الى "تنقية الوجدان" اثر اجتماعه مع رئيس النظام السوري، وهنا لا بد من التساؤل:

هل انتزع الجنرال من الابن اعترافا بنهائية الكيان اللبناني، طالما انه يعتبر ان تغييرا في الحكم قد حصل، ودحضا لما قاله الوالد من ان: "سوريا ولبنان عبر التاريخ بلد واحد، وشعب واحد وهذا الامر يجب ان يدركه الجميع"؟ هل حصل الجنرال على اعتذار وتأكيد لا يقبلان الجدل بعدم عودة الخلف للتصرف على طريقة السلف الذي قال: " قررنا ان ندخل تحت عنوان جيش التحرير الفلسطيني، وبدأ هذا الجيش بالدخول الى لبنان ولا احد يعرف هذا ابدا، ولم نأخذ رأي الاحزاب الوطنية ولا غيرها ولم نأخذ أذنا من أحد..."؟ (خطاب الرئيس الراحل السابق حافظ الاسد على مدرج جامعة دمشق في 20 تموز 1976 مبررا اجتياح قواته لبنان).

 هل حمل الجنرال معه من دمشق وثيقة تؤكد عودة هذا النظام عما كان اعلنه نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام في تصريح الى صحيفة "الرأي العام" الكويتية ان "لبنان جزء من سوريا وسوف نعيده وينبغي ان يكون ذلك واضحا؟".

 

لم تعد سرا ولا مستورة الاتصالات التي كانت تتم بين الجنرال والنظام السوري منذ ايام الرئيس حافظ الأسد. فخطوط التواصل لم تنقطع يوما وان أخذت في بعض الاحيان طابعا صداميا لا عدائيا على ما قال الجنرال. فقد تغير الأسلوب بتغيير الأشخاص، فللوالد أسلوبه الخاص، وللابن اسلوبه، تغيير في التكتيك فقط وليس في الاستراتيجية. فالابن استمرار للوالد. وما يميز الابن هو قلة الخبرة وحدة الطباع ومحاولة استنساخ طريقة السلف. اضف الى ذلك كما يقول المثل " خلق ومعلقة الذهب بتمو"، فهو ورث السلطة والحكم والشعب، مثلما ورث العملاء والتوابع والازلام.

 

إخفاء الشرع

لقد شاء النائب ميشال عون السير على خطى القديس بولس وحنانيا فنقلته طائرة رئاسية فزار النظام السوري متنقلا من مدينة الى اخرى. والحمد لله انه حصر ايمانه الالهي، وقد تأثر على ما يبدو بهذا الصدد بحلفائه الالهيين. الحمد لله انه حصر ايمانه الالهي بمار بولس وحنانيا ولم يرغب السير على خطى المسيح، والا لكانت نقلته طائرة رئاسية اسرائيلية. ولا نعرف من اين كانت ستقلع الى اسرائيل حيث كان سيقابل رئيسها مطالبا اللبنانيين بالاعتذار من اسرائيل ايضا كما فعل بالنسبة الى النظام السوري. والسلام على رئيس اسرائيل ليس بغريب عن مضيف النائب عون، الرئيس الاسد، الذي سارع الى القاء التحية على موشيه كاتساف في روما ابان مراسم جنازة قداسة الحبر الاعظم المغفور له البابا يوحنا بولس الثاني. يضاف الى ما تقدم قيام النائب عون في باريس بالاجتماع مع مسؤولي الموساد الاسرائيلي على رغم نصائح الفرنسيين المعاكسة، الامر الذي اكدته "الفيغارو" والذي لم يتجرأ النائب العماد على نفيه.

 

إن زيارة النائب عون للنظام السوري تشكل طعنة نجلاء للوحدة الوطنية وتحديا لضحايا النظام السوري، والمسيحيين في طليعتهم. وتشكل استفزازا للبنانيين كافة، الذين يحتفلون يوما بعد يوم بذكرى شهداء ثورة الارز من الرئيس الحريري الى جبران تويني الى بيار الجميل وغيرهم. واذا كان العماد عون يرفض ادانة النظام السوري من دون دليل، فكيف يبرئه من دون دليل. علما بان القرار الاتهامي للجنة التحقيق الدولية بات على قاب قوسين  من الصدور حيث ستبيض وجوه وتسود وجوه. اضف الى ذلك ان منح العماد براءة ذمة للنظام السوري عن جرائمه في لبنان على مدى ثلاثين عاما يشكل استخفافا بدماء الشهداء اللبنانيين العسكريين منهم والمدنيين واهانة لذكراهم وتنكرا لتضحياتهم وازدراء بروح الصمود لديهم. وسيحاسب التاريخ يوما هذا الرجل على فعلته النكراء بحق شهداء لبنان. وللمناسبة اتوجه الى الجيش اللبناني وعائلة اللواء الشهيد فرنسوا الحاج، وعائلة النقيب الشهيد سامر حنا – الذي كان ذنبه قيادة طائرة لسلاح الجو اللبناني فوق الاراضي الايرانية في لبنان من دون اذن مسبق من دولة ولي الفقيه- بتحية التقدير والاكبار.

 

اما مطالبة العماد عون، ومن دمشق تحديدا، بتعديل اتفاق الطائف بذريعة اعادة الحقوق للمسيحيين، فلا يمكن ان تخفي نيته الحقيقية والحاقدة باقامة نظام المثالثة، ما سيشكل في حال التوصل اليه، لا سمح الله، الضربة القاضية للوجود المسيحي في لبنان والشرق على السواء، تنفيذا لتعليمات ممثل ولي الفقيه في لبنان، وعلى يد من يزعم زورا تمثيل المسيحيين. ويذكر اللبنانيون جيدا ان العماد عون ما انفك يردد ان لا اعتراض له على الشق الداخلي من الطائف بل الاعتراض هو حصرا على الشق المتعلق بالاحتلال السوري وتغيير موقف العماد عون ليس الوحيد ولا الاول ولا الاخير.

 

لقد وصل مستوى الحقد والكراهية لدى العماد عون الى حد مطالبة اللبنانيين بالاعتذار وكان من الاجدى للعماد عون ان يطالب رئيس النظام السوري بالزام وزير خارجيته السابق فاروق الشرع بالاعتذار منه. فالشرع هو الذي وصف الجنرال بـ"الصغير" غامزا من قصر قامته ومتهكما عليه وملمحا الى محدودية حجمه الوطني والسياسي آنذاك. وقد مسّ فاروق الشرع في قوله هذا وفي الصميم ليس فقط بشخص الجنرال بل ايضا بكرامة المؤسسة العسكرية التي كان عون قائدا لها. وفي مطلق الاحوال كان لافتا اخفاء فاروق الشرع خلال زيارة العماد اذ ان النظام السوري استكثر على ضيفه حتى مجرد اعتذار من احد اركانه ما يدل على مدى "الاحترام والتقدير" الذي يكنه لضيفه. وهل الطائرة الرئاسية والسجاد الاحمر والعباءة وغيرها من مظاهر التكريم الشكلي من شأنها ازالة جرح الكرامة! والادهى ان العماد المهان على يد النظام السوري تغاضى عن الاساءة الجسيمة اللاحقة بكرامته الشخصية وبكرامة الجيش اللبناني وتجاهل الاهانة السورية له ارضاء لاحلامه السياسية، ثم اخذ يطالب اللبنانيين بالاعتذار في محاولة منه لحرف الانظار عن واقعه الاليم.

 

وما يلفت النظر عدم زيارة العماد عون لمدينة حماه، ليته طالب بزيارتها وسأل اهاليها كيف قصفهم جيش النظام بالطائرات والدبابات والمدفعية، وكيف دمر المدينة تدميرا كاملا على رؤوس ابنائها مخلفا عشرين الف قتيل عدا الجرحى والمعاقين في اطار حملة قمعية قل مثيلها وخجلت منها جيوش النازية وجحافل السوفييت.

ان النظام السوري في حالة افلاس على الصعد كافة ولن يجديه الاستنجاد بزيارة مبنية على الحقد والكيد والاستفزاز، وفي انتظار قرار لجنة التحقيق الدولية.

التصفيق للقائد لا يبني وطناً

 

يحتاج لبنان الى وثيقة رسمية صادرة عن الدولة السورية تعترف فيها بلبنانية مزارع شبعا، والى ترسيم الحدود بدءا من المزارع ليصار الى اخضاع المنطقة لاحكام القرار 425 واخراجها عن احكام القرار 242 تمهيدا لانسحاب اسرائيل منها ووضعها بعهدة القوات الدولية توصلا لاعادتها الى السيادة اللبنانية. وفي هذا الوقت تحديدا ياتي العماد عون ليعتبر، ومن سوريا، ان الترسيم قضية توقيت ليس إلا متبنيا موقف النظام السوري على حساب المصلحة اللبنانية معرقلا بموقفه هذا وبصورة مقصودة جهد الدولة اللبنانية ومسيرة السيادة وجهود اصدقاء لبنان الذين ما انفكوا يطالبون النظام السوري باصدار هذه الوثيقة المطلوبة وترسيم الحدود.

إن هدف العماد عون هو منع اي انسحاب سلمي لاسرائيل من مزارع شبعا توصلا الى الاستمرار في اعطاء المبررات للسلاح الايراني غير الشرعي في لبنان. وهي مبررات لم تعد تقنع احدا لان هذا السلاح الفئوي بات دوره بناء دويلة ولي الفقيه وحمايتها وتقويض مسيرة بناء الدولة اللبنانية المستقلة.

 

ومن اهداف العماد عون ايضا تحويل الانظار الى ملفات وقضايا مختلفة هي كلها مجتمعة دون القضية الاهم، الا وهي سلاح "حزب الله" وهذا يستدعي اعلان حالة طوارىء سياسية وحصر البحث بازالة هذا السلاح وتسليمه بصورة فورية الى القوى الشرعية فيزول كابوسه عن صدور اللبنانيين. واذا كان النظام الايراني يرغب في محاربة اسرائيل فليقم بذلك بحرا او جوا او برا من اراضي حليفه النظام السوري، وليس من لبنان وعلى حساب دماء اللبنانيين وسلامتهم. فكفى ما تحمل لبنان من مآس وويلات من جراء  السلاح غير الشرعي واستمراره.

 

اخيراً اتوجه الى اخوتي ابناء "التيار الوطني الحر"، ورفاقي السابقين، محييا تضحياتهم ومناشدا اياهم الا يجعلوا الاحقاد والضغائن والصغائر تعمي بصرهم وبصيرتهم. فيصبحون كما يتباهى عمادهم، اداة طيعة في يده ينتقل بهم ساعة يشاء الى حيث يشاء. واذا ما كانوا متعلقين بهذا الشخص لصفات يجدونها فيه ولا يزالون، فهذا لا يعني ولا يمكن ان يعني استقالتهم من الوطن وتحويل انفسهم الى مجموعة من المصفقين لان " الترت تا تا ..." لا تبني وطنا. المطلوب هو المشاركة الحقيقية والفعالة في القرار السياسي للتيار حماية له، لا من اعدائه وخصومه، بل من العماد عون تحديدا صاحب المواقف المتقلبة والمبنية على الانفعال والتوتر والحقد والكراهية والتهجم على بعض العائلات الروحية في الوطن لا لشيء الا لأنها لم تؤيده، فانتقل الى المقلب الآخر مقلب "شكرا سوريا”.

 

هل يقبل ابناء "التيار الوطني الحر" ان يتحولوا من اسياد في وطنهم الى اذناب للنظامين الايراني والسوري ولحزب ولي الفقيه؟ هل يقبل ابناء "التيار الوطني الحر" ان يصار الى استعمالهم واستغلالهم كغطاء للمشاريع الآيلة الى تدمير لبنان الرسالة وتفجير الوحدة الوطنية؟ هل يرضون بتحويل الوطن الى ساحة لا بل الى مربض مدفعية تابع للنظام الايراني ولو على حساب سلامة اللبنانيين، ولو ادى الامر الى زوال لبنان الرسالة وتحوله الى " قطر" تابع لا ارادة له ولا استقلال ولا سيادة ولا دولة؟

 

كيف يمكن للبناني شريف سيادي وحر ان يتقبل وجدانيا ووطنيا حثه على الاعتذار من النظام السوري، في حين انه يؤيد كل التاييد رفض الشعب الارمني اي مهادنة مع الدولة التركية قبل ان تعتذر عن مجازرها بحق الشعب الارمني وتعويضه عن هذا الجرح الاليم؟

 

اذا كان هذا ما يريده ابناء "التيار الوطني الحر" ومن يؤيدهم، فابواب حزب البعث العربي الاشتراكي مفتوحة لهم. كذلك ابواب الحزب السوري القومي الاجتماعي وابواب "امل" و"حزب الله"، وباستطاعتهم اذا شاؤوا الانتساب الى "الصاعقة" او "فتح الانتفاضة" او الى "فتح الاسلام" او الى الجبهة الشعبية القيادة العامة او الى تيار التوحيد. وامامهم كذلك التنظيم الناصري او جند الشام او جمعية المشاريع او رابطة الشغيلة او حماس او عصبة الانصار... فالقاسم المشترك لكل هذه المجموعات ارتباطها بالنظامين السوري والايراني وخدمة اهدافهما على حساب سلامة لبنان وسيادته وكرامته...اختاروا.

نجيب سليم زوين     

((*) رئيس الهيئة العليا لـ"المكتب المركزي للتنسيق الوطني" الذي واكب مسيرة العماد ميشال عون التحريرية منذ 1988.Nzwein@gmail.com)      

 

 

اعتذارات من النظام السوري والقائد الإله

شكلت عملية اغتيال الرئيس الحريري الصاعق الذي فجر ثورة تعتمر في قلوب اللبنانيين منذ ثلاثة عقود، فتوحدوا لمواجهة النظام الامني اللبناني-السوري. وكان تجمع الثامن من آذار 2005 بقيادة "حزب الله" دعما للنظام السوري تحت شعار "شكرا سوريا”. واتى سريعا الرد المحكم والهادر في 14 آذار بنزول ملايين اللبنانيين الاحرار الى ساحة الحرية هاتفين بصوت واحد " سوريا طلعي برا ". وقد دلت الوقائع ان مشاركة "التيار الوطني الحر" في هذا اليوم الجلل كانت خجولة. فقد صرح اكثر من مسؤول في "التيار" عند مراجعتهم القيادة بان لهم الحرية في المشاركة وعدمها. ترى لو كان العماد فعلا يؤيد هذا التحرك اما كان اعطى تعليماته وتوجيهاته للمشاركة الفعالة والقوية ضد النظام السوري؟ وهذا ما اثار التساؤلات وعلامات الاستفهام، وجاء التفسير ان الجنرال يرفض اعطاء صك البراءة " لبقايا " قرنة شهوان  وجنبلاط والحريري لكن كيف يعطيه للنظام السوري؟!

 

وبدأت الامور تتضح شيئا فشيئا: عدم الرغبة في ازعاج النظام السوري الحليف الجديد-القديم. وتوالت الاحداث، وما من خفي الا ويظهر. وبدأ تنفيذ الخطة تدريجيا لاستيعاب ردات الفعل عند القاعدة غير الجاهزة لقبول التعامل مع النظام السوري. وكانت سياسة الارض المحروقة لازالة العوائق التي تحول دون تنفيذ المخطط الجهنمي. وكان دور الجنرال فيها ضرب المرجعيات الروحية والكنيسة أولا، وخلخلة الثقة بالقوى الشرعية من جيش وامن داخلي ثانياً، وصولا الى خلخلة رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزارة.

 

وكان هجوم مركز على بكركي وسيدها لانها هي من اطلق شرارة الاستقلال الثاني بندائها التاريخي عام 2000 بعد الانسحاب الاسرائيلي "المبرمج" مع حزب الله. وقد وصل مستوى التهجم على بكركي حدا لم تألفه مجتمعاتنا المسيحية ولا اللبنانية.

 

واخيراً من دمشق يطلب الجنرال من اللبنانيين الاعتذار. انه على حق... وهو لا يمكن ان يخطىء ابدا وقد اكد ذلك لاتباعه: "اذا قلت انني دوما على حق، سيظهر ذلك نوعاً من العجرفة". عفوا سيدي الجنرال، نحن المسيحيين نؤمن ان الله وحده لا يخطىء، ويقول مثلنا العامي: "حتى الخوري بيغلط بالانجيل"،.. الا اذا وصل بك الضلال الى هذا الحد، ام ان الحزب الالهي والنصر الالهي لا يكتملان الا بـ " الزعيم الإلهي"، أو القائد الإله... عفوك ربي.

 

نعم على اللبنانيين ان يعتذروا عما اقترفوا من ذنوب طوال ثلاثة عقود، لأن أياديهم تلطخت بدماء اخوانهم السوريين نتيجة احتلالهم لسوريا ثلاثة عقود.

 نعم اننا نعتذر من النظام السوري:

* لان "الصاعقة اللبنانية" هاجمت قرية دير عشاش وهجرت اهاليها وذبحت ثلاثة رهبان.

* لأن "الصاعقة اللبنانية" هاجمت وبمساعدة قوات "بعث ثورة الارز" بلدة بيت ملات وقتلت سبعة من ابنائها وخطفت عشرة...

* لأن قوات "الصاعقة اللبنانية" هاجمت بلدة تل عباس في عكار وقتلت 15 من ابنائها واحرقت الكنيسة.

* لان لواء اليرموك التابع للجبهة اللبنانية وقوات الصاعقة اللبنانية اجتاحت بلدة الدامور وهجرت اهاليها بالكامل وقتلت العشرات منهم ودمرت البلدة تماما.

* لأن قوات "الصاعقة اللبنانية" قصفت مدينتي القبيات وعندقت في عكار بالمدفعية الثقيلة والهاون.

* لأن "الصاعقة اللبنانية" حاولت اغتيال عميد حزب الكتلة الوطنية اللبنانية النائب ريمون اده.

* لان  قوات الجبهة اللبنانية واستخباراتها دهمت مكاتب صحف "المحرر" و "بيروت" و"الدستور" و"السفير" واحتلت مكاتب صحيفتي "النهار" و "الاوريون لوجور".

* لأن قوات "الصاعقة اللبنانية" هاجمت بلدة العيشية في الجنوب وقتلت 41 من اهاليها وهجرت البلدة.

* لأن جيش الجبهة اللبنانية النظامي حاول دخول ثكنة الفياضية التابعة للجيش اللبناني مما ادى الى استشهاد النقيب اللبناني عبدالله الحدشيتي.

* لأن "استخبارات ثورة الارز" اغتالت الزعيم اللبناني كمال جنبلاط، والطفلة مايا بشير الجميل، والصحافي اللبناني سليم اللوزي، ونقيب الصحافة اللبنانية رياض طه، والسفير الفرنسي في بيروت لوي دو لامار، والشيخ احمد عساف، والاب فيليب ابو سليمان، ورئيس الجمهورية اللبناني المنتخب بشير الجميل، والشيخ صبحي الصالح، والدكتور محمد شقير، ومفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد، ورئيس الجمهورية اللبنانية رينيه معوض، وداني شمعون وعائلته، ورئيس الحكومة رفيق الحريري، والنائب باسل فليحان، والوزير بيار الجميل، والنائب انطوان غانم، والنائب جبران تويني، والصحافي سمير قصير، وجورج حاوي، والنائب وليد عيدو...

* لان "القوات الخاصة" التابعة لـ"ثورة الارز" خطفت المئات من مدينة طرابلس، وتركت جثثهم في احيائها الداخلية، وعمدت الى تصفية 34 مواطنا من طرابلس.

* لان جيش الجبهة اللبنانية وقواتها الخاصة شنت هجوما على مدينة زحلة وحاصرتها ودكتها بالمدفعية الثقيلة وبكل اسلحة الدمار.

* لان مدفعية الجبهة اللبنانية قصفت قلب العاصمة والاشرفية لمدة مئة يوم.

 اخيرا وليس آخرا عذرا والف عذر لاجتياحنا المنطقة الشرقية في 13 تشرين 1990، وتحت غطاء من القصف الجوي والمدفعي والصاروخي، ولاحتلالنا القصر الجمهوري ووزارة الدفاع. وعفواً للمجازر الرهيبة التي نفذها جيشنا النظامي في مناطق ضهر الوحش، سوق الغرب، بسوس، الحدث، وبيت مري...  ولاعتقال العشرات من ضباط وجنود الجيش اللبناني والمدنيين ونقلهم الى سجن المزة وغيره.

* عذرا لاننا لم نتورع عن تدمير لبنان وقتل اكثر من مئتي الف من مواطنيه وتهجير مليون ونصف من اللبنانيين من اجل تنفيذ حلم " لبنان الكبير" .

* عذرا من الاهالي المعتمصين منذ 3 سنوات لمعرفة مصير ازواجهم وأبنائهم وآبائهم المغيبين والمخطوفين على يد مخابرات "ثورة الارز"، والقابعين في غياهب السجون السورية.