المطران الياس نصّار: البطريرك الراعي ليس بحاجة إلى دعم خارجي لإبراز نفوذه .

الأربعاء, 27 نوفمبر 2013 7:13/موقع الثبات

دعا "القواتيين" إلى تغيير قيادتهم

قول الحقيقة احترام للذات والآخر، والمسيحية شهادة للحق وتصويب للأخطاء نحو الأفضل.. مثالنا الذي يُحتذى به هو السيّد المسيح الذي في صليبه غلب الموت والشرّ والشيطان، والغلبة للخير مهما طال درب الجلجلة.

عن حال المسيحيين ودورهم وافق مستقبلهم، حاورت جريدة "الثبات" راعي أبرشية صيدا ودير القمر؛ سيادة المطران الياس نصار، وكان هذا الحوار الجريء والشيّق:

شهادة المطران نصار للحق تستأهل منه كلّ التضحيات، برأيه المسيحي مدعو لقول الحقيقة من دون مواربة أو نقصان، يردّ على سؤالنا عمّا إذا كان يخشى على حياته بثقة وهدوء وصلابة: "لا أخاف على حياتي، الله هو الحامي، شخصيتي خبرت الحروب المختلفة التي عصفت بلبنان، ما أخشاه وأخافه يتعلّق برعيتي، نعم، لديّ حرص على سلامتها، ولا أريد أن يصيبها أي مكروه، وإذا ما تحملت الأذى عنها في جسدي، أكون سعيداً جداً، لأنّ معلّمي وإلهي السيّد المسيح هو المثال لي في هذا المجال، وما من أجمل أن يبذل الراعي بنفسه لحماية رعيته".

نسأله عن مغزى رفع الكنيسة المارونية من منسوب صوتها، سيما أنّها عادة تشير فقط إلى المبادئ الأخلاقية والوطنية، فهل ذلك مؤشر لعدم احترام تلك المبادئ في لبنان؟ يردّ المطران نصار: "نعم تلك المبادئ الوطنية والأخلاقية ليست محترمة، هناك قيادات سياسية في لبنان مرتبطة بالخارج وتعمل وفق أجندة خارجية، وتريد تحقيق مصالحها الشخصية حتى لو جاء ذلك على حساب الشعب، ولكن في النهاية تبقى الكنيسة برأيي صوت الضمير الذي لا يموت، وإعلاننا لهذه المبادئ وتكرارها من حين إلى آخر هدفه إعادة بوصلة الحياة السياسية إلى اتجاهها الصحيح، لأنّه وبرأينا أي عمل على هذه الأرض سواء كان سياسياً أو اجتماعياً يجب أن يكون هدفه الإنسان، ولكن - مع الأسف - نرى بعض السياسيين مستمرين على منهاج غاياتهم النفعية الصغيرة، وبالتالي علينا نعم واجب رفع الصوت عالياً للعودة إلى قيم الكنيسة التي هي نظم أخلاقية بالدرجة الأولى، ودعوة للحوار والانفتاح على الآخر والعدالة والمساواة بين كلّ البشر".

صوت الكنيسة يجب أن يكون مرتفعاً

وماذا عن الدور المعنوي للكنيسة المارونية تحديداً في لبنان؟ هل ولّى زمن بطاركة الموارنة إلى غير رجعة نتيجة ظروف محددة، أمّ أنّ الكنيسة المارونية وبكركي اليوم تعمل بصمت لنهضة رعيتها رغم فشلها في توحيد أبنائها حول قانون انتخابي؟ يقول المطران نصار: "تاريخياً، مرّ على لبنان بطاركة كبار، وعظمتهم أنهم لم يعيروا اهتماماً لأي جبروت مدني ظالم، هم قالوا كلمتهم دون خوف، وفعلوا ما فعلوه لحماية شعبهم، ومنهم الكثير ما قُتل واضطهد لأجل كلمة "الحق"، اليوم الوضع اختلف نتيجة عدة معطيات وتحولات، ولكني آمل دوماً أن يكون صوت البطريرك جريئاً بما فيه الكفاية، وهذا يعني التصرف بحكمة ومسؤولية ليأتي كلامه منسجماً مع المبادئ الأساسية للكنيسة، ومع الأسف اليوم لا أجده كما يجب، ولكني على الدوام أتمنى وأرجو أن تعود كنيستنا المارونية مع البطريرك الراعي إلى دورها الريادي في هذا المجال، سيما أنّ الحق ليس بحاجة لكثير لاستبيانه".

ويضيف المطران نصار: "البطريرك ليس بحاجة إلى دعم خارجي لإبراز نفوذه، قوته قائمة من خلال إيمانه أولاً، ومن خلال كنيسته ثانياً، وعلى الدوام أشعر أنّه من الضروري جداً أن يأتي كلام البطريركية واضحاً وجريئاً ومسؤولاً، وأتمنى عليه على الدوام قول كلمة الحق باستمرار والإشارة إلى الذين يُخطئون، وتحديداً للمسيحيين منهم"، يتوقف نصار قليلاً ويضيف: "الكنيسة عليها مخاطبة ضمير كلّ إنسان، فكيف بالحريّ أبناؤها السياسيون، عليها إرشادهم، وعلى السياسيين المسيحيين أن يخضعوا لصوت ضمير بكركي خصوصاً في قضايا تهمّ المسيحيين ووجودهم".

وماذا يعني أن يدلي الكاهن أو المطران أو أي مسؤول كنسي بدلوه السياسي، ألا يخشى من اتهامه بأنه يؤيد طرفاً سياسياً دون الآخر، سيما أنه أب لجميع رعيته، فهل يخشى المطران نصار من اتهامه أنه بدعمه مطالب العماد عون يدعم فريقاً دون الآخر؟ يردّ المطران نصار: "كأسقف ماروني، أشعر على الدوام أني أب لجميع رعيتي، حتى للذين من غير المسيحيين، وليكن معلوماً لدى الجميع، المطران نصار يشعر بأبوته ليس فقط للموارنة بل لكل المسيحيين في أبرشيته ولكلّ المسلمين والدروز، من دون أن أسمح لنفسي بالتعدي على خصوصية كلّ جماعة دينية، لأني لا أزاحم أحداً لجهة المسؤولية الروحية، ولكنه من باب الخير العام الذي أشعر به تجاه أي إنسان كمعلمي السيّد المسيح، نظرتي هي نظرة شاملة، وبالتالي عندما أنظر للناس أنظر إليهم نظرة خير ومحبة".

لهذا السبب خرجتُ من صمتي

يشعر المطران نصار بمسؤولية ملقاة على عاتقه تجاه توحيد جهود المسيحيين، "خروجي عن صمتي لم يكن من دون سبب، لأنه في الأساس صمتنا كثيراً كي لا يُنسب لنا أننا مع جماعة أو خط سياسي دون الآخر، لهذا السبب كنت صامتاً، ولكنني في قرارة نفسي كنت أعلم أن بعض التوجهات السياسية لدى المسيحيين أخفقت في إدارة الشأن الحزبي وحتى المسيحي، فقائد القوات اللبنانية سمير جعجع ليس جديراً أن يكون في موقع القيادة، وعلى القواتيين أن يسألوا عن تاريخه، التاريخ معروف لدى الجميع، نحن علينا السير بتعاليم المسيحية، ومن واجب من يقود المسيحيين أن يتحلّى بحدود أدنى من المعايير، لا نطلب الكمال في السياسة فالبشر كلهم يخطئون، ولكن لخروجي من صمتي اليوم له مبرر الدفاع عن الوجود المسيحي، فالموضوع استفحل في نفسي كثيراً، وللصمت حدود، واجبي الأخلاقي والمسيحي يفرض عليّ قول "الحق"، سيما أنّ مسألة القانون الانتخابي الذي يعيد الحقوق للمسيحيين أخفق بها جعجع أيضاً، فقبض المال لينفّذ سياسة الغريب.. وبالتالي هذا الرجل الذي سمح لنفسه بأن يقتل في الحرب ويصفّي أشخاصاً عديدين وبالمئات وبأوامر شخصية، وليس ضمن مواجهات عسكرية، اليوم يكرر فعلته بالسياسة، فهو يقتلنا بالسياسة، وهل عليّ أن أغض النظر حتى لا اتهّم أني مع فريق ضدّ آخر"، يتابع المطران نصار حديثه لجريدة "الثبات": "البطريرك الراعي جمع القادة المسيحيين تحت عباءته، فمن أين له الحق بالانقلاب على الاتفاق، لا، هنا أمام المسائل الوجودية لا بدّ لأحدٍ ما أن يشير إليه "وينك"؟ بعض جماعته يقولون نعم "غلّط" جعجع، لا المسألة هنا لا تتعلق بخطءٍ عابر، يجب أن يكون هناك حساب، أنا لا أدعم العماد عون شخصياً، نحن كلانا ندعم المبادئ الوطنية العامة ونعمل لإعادة حقوق المسيحيين، وما دامت مواقف الجنرال صحيحة، نحن نتقاطع معه في دعمها، وما يقوله أو يتصرفه العماد عون عن حق، أرفضه لأنه صادر من العماد عون"، ويضيف نصار: "أنا كمطران لست مسيساً على الإطلاق، ولكنه لدي مبادئي الكنسية وأسعى لتجسيدها، ومن يعمل بمضمونها عليّ ثناؤه وشكره، ومن يرفض السير بها عليّ مواجهته، وإلاّ كانت مسيحيتي ناقصة وشهادتي للمسيح ناقصة"، يقول نصار في هذا المجال أيضاً: "الخطأ القاتل سأواجهه لأنّ سياسة البلد ونهضة المسيحيين لا يمكن العبث بها، جهود البطريركية في مجال استنهاض المسيحي ممنوع التفريط بها.. ولن أسكت أو أصمت عن الإشارة إلى الطعنة التي تلقيناها من الداخل في مسألة إعادة قانون انتخابي عادل".

القوات مدعوون لتغيير قيادتهم

وبمحبة يوجّه المطران نصار كلامه إلى مؤيدي القوات اللبنانية الحالية، يقول: "نحن مع التنوّع في لبنان ونحن لا نرفض القوات، نحن معكم ومع قضاياكم، اليوم أنتم تعانون من مشكل في القيادة، أنتم مطالبون بتغييرها، وفي أبرشيتي العديد منكم، ولهذا السبب أنا أنصحهم بذلك، نحن مع قائد جديد للقوات لا تكون يداه ملطخة بالدماء، ونحن مع قائد للقوات قادر أن يرى الأمور على حقيقتها، وأن يُقارب مصلحة المسيحيين من منظار المجموعة المسيحية لا مصالحه الشخصية".

صيدا

وعما إذا كان يشعر المسيحي بالاطمئنان في صيدا والجوار بعد نمو ظاهرة الأسير في عبرا، يؤكد نصار على تآلف المسيحيين مع جوارهم والبيئة الصيداوية بالعموم، "طبعاً لا يمكنهم أن يتآلفوا مع من يرفض الآخر، ولكنّ هؤلاء هم أقلية، وأظنّ أنّ ظاهرة الأسير شكلّت ضرراً ليس فقط على المسيحيين بل على أهل السنة في صيدا، وبالتالي المسيحيون في المنطقة يعيشون ببساطة تماماً كأي مواطن لبناني، والقلق الذي يشعرون به هو نفسه القلق الذين يشعر به السنة والشيعة والدروز"، يلفت نصار إلى أنّ الجميع قلق على مستقبله في لبنان مع تحولات السياسة في المنطقة، "أمّا المسيحي في صيدا والمنطقة برأيي علينا دعم وجوده من خلال رفع منسوب فرص العيش الكريم، هم بحاجة إلى فرص عمل، لأنّ عدداً كبيراً منهم سيعودون إلى الشوف وصيدا إذا توفرت لهم فرص عمل مناسبة".

أرضنا

وماذا يقول المطران نصار للمسيحي والماروني الذي حفر الصخر بيديه، حفاظاً على وجوده ووجود لبنان، لماذا اليوم يقال عنه إنّه يستسهل ترك أرضه وبيعها؟ يردّ: "كلّ مسيحي يفرّط بأرضه عليه ملامة كبيرة، يستحضرني قول سلفي مثلث الرحمة المطران إبراهيم الحلو "أرضك مش إلك، أرضك لابنك لولدك"، نعم الأرض التي ترثها من أهلك لا يحقّ لك بيعها أو التصرّف بها، أخذتها من أهلك لتسلمّها للأجيال اللاحقة، وابنك عليه المحافظة عليها لتسليمها لخلفه".

أجرى الحوار: بول باسيل