المعتقلون والمخفيّون في السجون السورية: جناية ضد الإنسانية واعتداء على حقوق الإنسان

الحلّ بإحالة القضية على المحكمة الجنائية الدولية أو إنشاء لجنة تحقيق دولية تمهّد لإنشاء محكمة جزائية دولية خاصة

د. دريد بشراوي      

 عن جريدة النهار 2 آب 2008

 

أدت المفاوضات غير المباشرة بين اسرائيل و"حزب الله" الى وضع آلية تم بموجبها تحرير الأسرى اللبنانيين واطلاق سراحهم من السجون الاسرائيلية. ورغم تغييب الحكومة اللبنانية عن هذه المفاوضات وتجاهل وجودها بشكل قد ينطوي على مساس بسيادة الدولة وبهيبتها وبمكانتها، تعتبر عودة الاسرى اللبنانيين من اسرائيل انتصاراً مشرّفاً وتاريخياً للبنان ولعوائل الاسرى اللبنانيين ولكل لبناني مخلص لوطنه، اذ ان ما يفترض اخذه في الاعتبار اولاً هو فعل تحرير هؤلاء الاسرى واستعادتهم حريتهم بعد حرمانهم اياها لمدة طويلة من دون وجه حق، وبعدما تعرضوا لاقسى المعاملات والاجراءات المنافية لأبسط قواعد حقوق الانسان والاتفاقات الدولية المعنية بحماية هذه الحقوق على يد السلطات الاسرائيلية. لكن هذا الانتصار اللبناني العظيم يبقى ناقصاً، وتبقى فرحة اللبنانيين غير مكتملة ما لم يتم تحرير جميع المعتقلين اللبنانيين من كل السجون وخصوصاً من المعتقلات السورية.

 

ان السلطات الاسرائيلية التي اساءت معاملة الاسرى والمعتقلين اللبنانيين ونكّلت بهم اشد تنكيل، ولا سيما في معتقل الخيام سابقاً وفي غيره من المعتقلات والسجون، وحرمتهم حريتهم، لم تنف، رغم هذه الاجراءات التعسفية، واقعة احتجازهم في معتقلاتها، وسمحت بأن يتمتعوا ببعض حقوق الدفاع في اسرائيل، وان كانت غير كاملة، وبأن ينتفعوا من المعونة القضائية بتسليم قضاياهم الى محامين اسرائيليين للدفاع عنهم امام المحاكم الاسرائيلية، وذلك بخلاف ما يحصل للمعتقلين والمخفيين اللبنانيين قسراً في المعتقلات السورية وغيرها من المعتقلات الليبية والعراقية، ما يعني ان معاملة العدو الاسرائيلي للاسرى اللبنانيين كانت، على رغم وحشيتها وقسوتها، ارحم من الاجراءات المفروضة على المعتقلين والمخفيين اللبنانيين من سلطات بلد يعتبر شقيقاً للبنان.

الى ذلك، فإن ما حدث لهؤلاء المعتقلين اللبنانيين من تعذيب ومعاملة وحشية ومهينة للكرامة الانسانية، ومن حرمان لحريتهم، وفق ما جاء في شهادات وافادات عدد من ذويهم واهاليهم، ومن بعض المعتقلين الذين افرج عنهم منذ فترة قصيرة من السجون السورية، يعد، اذا ما ثبتت صحة هذه الادعاءات بالادلة الموضوعية والمادية، جريمة بشعة وانتهاكاً خطيراً لابسط قواعد حقوق الانسان المنصوص عليها في الاتفاق الدولي المتعلق بمكافحة التعذيب والمعاملة غير الانسانية والحاطة بالكرامة التي يتعرض لها السجناء الصادر عن الامم المتحدة بالقرار رقم 39/46 تاريخ 10 كانون الاول 1984، وفي البيان الصادر عن الجمعية العامة للامم المتحدة في 9 كانون الاول 1975 والمتعلق بحماية الاشخاص المعرضين لاعمال التعذيب وللمعاملة الوحشية وغير الانسانية، وخصوصاً ان هذه الانتهاكات للقانون الانساني الدولي ترتكز على بواعث وخلفيات سياسية محضة (م 3 و5 من الاعلان العالمي لشرعة حقوق الانسان وم 7 و9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية). يضاف الى ذلك ان هذه الافعال، اذا ماتوافرت الادلة الحسية والمادية على وقوعها، تشكل خرقاً فاضحاً لما جاء في الاعلان العالمي لحماية كل الاشخاص من "الاختفاء القسري" الذي تبنته الجمعية العامة للامم المتحدة في تاريخ 18/12/1992 حول وجوب اعتبار كل عمل من اعمال الاخفاء القسري جريمة ضد الكرامة الانسانية ومدانة بوصفها انكاراً لمقاصد ميثاق الامم المتحدة، واعتداء صارخاً وخطيراً على حقوق الانسان والحريات الاساسية التي وردت في الاعلان العالمي لحقوق الانسان. فقد نصت المادة الاولى من هذا الاعلان على انه "لا يجوز لاي دولة ان تمارس اعمال الاخفاء القسري او ان تسمح بها او تتغاضى عنها...". وتضيف المادة الثانية من الاعلان ذاته انه "بالاضافة الى العقوبات الجنائية الواجبة التطبيق، يجب ان تترتب على اعمال الاختفاء القسري المسؤولية المدنية لمرتكبيها والمسؤولية المدنية للدولة او لسلطاتها التي نظمت عمليات الاختفاء او وافقت عليها او تغاضت عنها، وذلك مع عدم الاخلال بالمسؤولية الدولية للدولة المعنية، وفقا لمبادئ القانون الدولي..." كما جاء في المادة الخامسة من هذا الاعلان انه "لا يجوز اتخاذ اي ظروف مهما كانت، سواء تعلق الامر بالتهديد باندلاع حرب او قيام حالة حرب او عدم الاستقرار السياسي الداخلي او اي حالة استثنائية اخرى، ذريعة لتبرير اعمال الاختفاء القسري". ويعتبر الاعلان نفسه في المادة السابعة عشر منه "كل عمل من اعمال الاختفاء القسري جريمة مستمرة باستمرار مرتكبيها في التكتم على مصير ضحية الاخفاء ومكان اخفائه ما دامت هذه الوقائع قد ظلت بغير توضيح".

لذلك، ورغم ان قانون العقوبات اللبناني يعاقب اعمال الخطف والاحتجاز غير المشروعة بالاشغال الشاقة المؤبدة اذا لم يطلق الشخص المخطوف خلال فترة شهر، يمكن اخراج جرائم اختفاء عدد من اللبنانيين قسرا في السجون السورية او في غيرها من السجون من نطاق اختصاص المراجع التحقيقية القضائية اللبنانية الحالية لاسباب موجبة متعددة (اولا)، كما يمكن وصف هذه الافعال بالجرائم الدولية تمهيدا لاحالتها على قضاء دولي جزائي مختص (ثانيا).

اولا: الاسباب التي توجب اخراج اختفاء اللبنانيين قسرا من نطاق اختصاص مراجع التحقيق اللبنانية واحالتها على قضاء دولي مختص.

من الواضح انه في ازاء مصالح بعض الدول الكبرى، رخصت قضايا حقوق الانسان ورميت في سلة مهملات المساومات والمفاوضات السورية – الاسرائيلية الجارية حاليا في المنطقة برعاية فرنسية واوروبية. فلو لم يثر الرئيس اللبناني العماد ميشال سليمان بكل جرأة ومسؤولية هذه القضية في خطابه القيّم والمتوزان يوم تحرير الاسرى اللبنانيين من السجون السورية، ولو لم يعلن الجانب اللبناني "ان الرئيس العماد ميشال سليمان تطرق في محادثاته مع الرئيس السوري في العاصمة الفرنسية الى موضوع المفقودين اللبنانيين في سوريا وان الاسد أكد اهتمامه به ومتابعته مع الجهات المختصة"، لكان امكن القول ان هذه القضية الانسانية دفنت في مقبرة النسيان والاغفال.

فحرصا على نجاح المفاوضات المذكورة اعلاه، ونجاح مؤتمر الدول المجاورة للمتوسط الذي انعقد في باريس بتاريخ الثالث عشر من شهر تموز، بناء على دعوة من الرئيس الفرنسي، لم تضع السلطات الفرنسية على طاولة المحادثات مع الرئيس الاسد لدى زيارته العاصمة باريس لا مسألة المخفيين والمعتقلين اللبنانيين في السجون السورية ولا حتى قضية آلاف المعتقلين السياسيين السوريين واللبنانيين وما يحصل لهم حاليا من اضطهاد وتنكيل على يد السلطات السورية في سجن صيدنايا.

في المقابل، حرص الرئيس الفرنسي على وضع قضية الجندي الاسرائيلي جلعاد شليط المحتجز لدى "حماس" تحت مجهر مؤتمر الدول المجاورة للمتوسط في صلب المحادثات الفرنسية – السورية. ولهذا السبب بالذات يعتقد انه تمت التضحية للأسف بالقيم الانسانية، وبحقوق الانسان، وبمبادئ الحرية والديموقراطية، وبمبادئ القانون الانساني الدولي ومبادئ الشرعة الفرنسية لحقوق الانسان والمواطن لعام 1789، لحساب مصالح بعض الدول الاستراتيجية وضرورة الحفاظ على النظام السوري وحمايته كونه يشكل، وفقا لبعض الدول ومنها اسرائيل، عاملا للاستقرار في المنطقة، وطمست قضية المخفيين في المعتقلات السورية بحيث تم تجاهلها بشكل معيب ومهين من قبل دولة تعتبر من اعرق الدول في حماية الحريات وحقوق الانسان وخط الدفاع الاول عن هذه الحقوق.

يذكر ان هذا الاغفال الدولي لقضية المعتقلين والمخفيين اللبنانيين في السجون السورية كان سبقه اهمال واضح وثابت من قبل السلطات السياسية اللبنانية (أ) للقضية ذاتها، وذلك على صعيد تقصّي الحقائق ومتابعة هذا الموضوع وكشف اللثام عن تفاصيل هذه القضية الانسانية، بحيث لم تعمل هذه السلطات على وضع الامور في نصابها، ولم تبن على الشيء مقتضاه. يضاف الى ذلك ان اجهزة القضاء اللبناني لا زالت عاجزة (ب) عن القيام بمهمات القاء القبض على المسؤولين العسكريين والمدنيين اللبنانيين والسوريين المتورطين في هذه القضية تمهيداً لإحالتهم على المحاكم اللبنانية المختصة لمحاكمتهم. ويأتي هذا العجز كنتيجة طبيعية لوصاية سورية طويلة الامد على لبنان شلّت كل مقدرات القضاء اللبناني واجهزته بالهيمنة عليه وعلى قضاته، وكنتيجة للتهديدات الجسدية والمعنوية المستمرة التي تعرّض ويتعرّض لها بعض القضاة حتى يومنا هذا.

أ – تقاعس السلطات السياسية اللبنانية عن القيام بواجباتها

أهملت الحكومات اللبنانية المتعاقبة على الحكم منذ ثلاثين سنة قضية المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية بشكل فاضح، ولم تسارع الى اتخاذ الاجراءات اللازمة لوضع الحكومة السورية امام مسؤولياتها بالضغط عليها للافراج عن المخفيين اللبنانيين قسراً في السجون السورية، هذا باستثناء بعض الاجراءات غير الفعّالة التي اتخذت، ومنها تأليف لجنة تحقيق بموجب قرار الحكومة بتاريخ 24 ك2 سنة 2000، وتشكيل هيئة تلقّي شكاوى أهالي المفقودين بموجب القرار رقم 1/2001 الصادر عن رئيس مجلس الوزراء الشهيد رفيق الحريري بتاريخ 5 كانون الثاني 2001. وبالاضافة الى اهمالها هذا الشأن الوطني تحت ضغوط النظام السوري وتهديداته، كانت كل الحكومات، باستثناء حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الاولى، تنفي نفياً قاطعاً علمها بوجود اي شخص لبناني في المعتقلات السورية، الى ان اعلن الرئيس الياس الهراوي في 24 تشرين الثاني 1996 عن وجود مخفيين لبنانيين في السجون السورية. وتم الافراج لاحقاً عن زهاء مئة وخمسة وسبعين معتقلاً في سنتي 1998 و2000. وكانت السلطات السورية تنفي منذ ذلك الحين وجود اي مخفي في سجونها وتؤكد معها بعض المراجع اللبنانية السياسية والقضائية، في ظل الوصاية السورية، هذه الادعاءات التي ثبت عكسها بافادات عدد من المخفيين الذين أطلق سراحهم وبشهادات العشرات من اهالي المخفيين الذين كانوا يزورون من وقت الى آخر ابناءهم في السجون السورية. وما يؤكد عدم صحة التصريحات السورية واللبنانية التي نفت وجود اي لبناني محتجز بصورة غير شرعية في السجون السورية، اعتراف السفير السوري عماد مصطفى خلال العام 2005 في العاصمة الاميركية بوجود عدد من من "المعتقلين السياسيين اللبنانيين في سوريا الذين سيتم البحث في قضيتهم قريباً".

ب – عجز القضاء اللبناني عن القيام بالاجراءات القضائية اللازمة للتحقيق مع الاشخاص المشتبه بهم بجرائم الاخفاء القسري والخطف والاحتجاز غير الشرعي.

بالاضافة الى هذا الاهمال في ملاحقة قضية المخفيين والمعتقلين على الصعيدين السياسي والاداري، تلكأت السلطات القضائية عن القيام بواجباتها ازاء عمليات خطف مواطنين لبنانيين على يد اجهزة وميليشيات لبنانية وتسليمهم لاجهزة المخابرات السورية. فالنائب العام التمييزي لم يحرك آنذاك ساكناً، وفق شهادات اهالي المفقودين، وخصوصاً تلك التي تم الادلاء بها خلال حلقة من حلقات برنامج "كلام الناس" خصصها الاعلامي مارسال غانم لقضية المفقودين والمخفيين قسراً في السجون السورية في نيسان 2005، وذلك رغم علمه اليقيني بجدية قضية المخطوفين والمخفيين اللبنانيين. فهو لم يأمر بفتح اي تحقيق في عدد من قضايا المخفيين والمخطوفين اللبنانيين على يد بعض الاجهزة اللبنانية والاجهزة السورية متجاهلا الاثباتات الجدية والموضوعية التي قدمت له من شهادات وافادات وكتابات ورسائل واوراق.

وكانت النيابات العامة في ظل حكم الوصاية السورية على لبنان، في كل مرة تقدم فيها شكوى بجريمة اختفاء قسري، تتخذ قرارا بحفظ الملف من دون القيام بأي تحقيق وذلك بتوجيه من المدعي العام التمييزي. ويشار على هذا الصعيد، وعلى سبيل المثال لا الحصر، الى الشكوى  التي تقدم بها اهل المخفي بشارة روميّة والتي لم تتبع بأي تحقيق يذكر. وبهذا، فان قرارات الحفظ كانت تتخذ من دون الاستناد الى اي تحقيق او حتى استقصاء او شهادة، ما يعتبر تقصيراً او اهمالا على الاقل اذا لم نقل محاولة لطمس الحقائق عن سابق تصور وتصميم في عهد الوصاية السورية.

وفي ازاء رفض السلطات اللبنانية المختصة (من سياسة وقضائية) القيام بما يلزم من إجراءات لكشف اللثام عن تفاصيل هذه القضية وللتدخل لدى الحكومة السورية ولدى المراجع الدولية المختصة بهدف الافراج عن المخفيين والمعتقلين اللبنانيين في السجون الاسرائيلية والسورية والليبية والعراقية، وبالنظر الى عجزها عن تقديم اي معلومات لاهالي المخفيين عن ظروف اعتقالهم وعن حقيقة اخفائهم وامكنة وجودهم في سوريا او في اماكن اخرى، يتوجب على الامم المتحدة ان تضع يدها على هذه القضية الانسانية الخطرة التي تتم عن خرق فاضح للقانون الانساني الدولي. وهذا ما كان قد دعا اليه تقرير نقابة المحامين في بيروت الذي صدر في العام 2005 "اذا ما استمرت السلطة اللبنانية في تجاهل ملف المنفيين والمفقودين وفي التغاضي عن حالات الاختفاء القسري والتقاعس عن التقصي والمراجعة والسؤال والمطالبة بأسراها ومفقوديها في سجون العدو الاسرائيلي ومعتقلاته، ومفقوديها في السجون والمعتقلات السورية والعراقية والليبية، بجميع الطرق المناسبة والمقتضاة...". ويعتبر في هذه الحال تدخل المراجع الدولية في هذه القضية موجبا يقع على عاتق الامم المتحدة، وذلك بالتأسيس على ما يحوم حول الاجهزة اللبنانية التي كانت تمسك بالوضع الامني في ظل عهد الوصاية السورية من شبهات تدل على اشتراكها بارتكاب جرائم الاختفاء القسري لمئات من اللبنانيين وترحيلهم وتسليمهم الى السلطات الامنية السورية، كي تمارس عليهم اشبع صور التعذيب والمعاملة غير الانسانية والحاطة بالكرامة.

يضاف الى ذلك ان السلطات اللبنانية الحالية تبدو عاجزة عن تنفيذ اجراءات يمكن من خلالها الضغط على الحكومة السورية لارغامها على اطلاق سراح المخفيين اللبنانيين في سجونها او على الاقل اعطاء بعض المعلومات عنهم، وذلك بالنظر الى رفض المسؤولين السوريين المستمر الاعتراف بوجود اي شخص لبناني مخفي في السجون السورية، مما يدل دلالة واضحة على ان القضاء اللبناني ليس لديه السلطة الكافية والادوات اللازمة لالزام السلطات السورية القيام بواجباتها الانسانية في هذه القضية، وبما يمليه عليها القانوني الانساني الدولي في هذا الخصوص. وكان القرار الرقم 1595 الصادر عن مجلس الامن في 7 نيسان 2005 والذي قضى بانشاء لجنة تحقيق دولية لكشف هوية الجناة في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري قد اشار الى عدم قدرة السلطات القضائية اللبنانية واجهزة التحقيق اللبنانية القيام وحدها بادارة تحقيق ما ولا سيما في قضية اغتيال الرئيس الحريري، ما يدل على عجز السلطات اللبنانية عن التوصل، في الوقت الحالي، الى نتيجة ما في اي تحقيق له امتدادات دولية.

وبالتأسيس على كل ما تقدم يقتضي ان تضع الامم المتحدة يدها على هذه القضية الناتجة من ارتكاب جرائم دولية وان تقرر اما احالة هذه الحالة على المحكمة الجنائية الدولية الدائمة عملا باحكام المادة الثالثة عشرة من نظام هذه المحكمة، باعتبار ان هذه الجرائم تحمل اعتداء على الامن والسلم الدوليين، وباعتبار ان القضاء اللبناني قد فشل، وفقا لاحكام المادة 17 من نظام المحكمة الجنائية الدولية الدائمة، في القيام بالتزاماته القانونية بالتحقيق ومحاكمة الاشخاص المشتبه في ارتكابهم الجرائم المذكورة التي تدخل في اختصاص هذه المحكمة الدولية، واما انشاء لجنة تحقيق دولية لمباشرة التحقيق في هذه القضية وفقا لمعايير القانون الانساني الدولي والقانون الجنائي الدولي تمهيداً لاحالتها على محكمة جزائية دولية خاصة Ad Hoc، وخصوصا ان النظام السوري يرفض رفضا باتا اعطاء أي معلومات عن المخفيين اللبنانيين بنفيه نفيا قاطعا وجود اشخاص اللبنانيين في المعتقلات السورية، كما يرفض السماح للجنة الصليب الاحمر الدولية وللجنة العفو الدولية زيارة السجون والمعتقلات السورية للتأكد من وضع السجناء الصحي وللتحقيق من وجود او عدم وجود مخفيين لبنانيين في هذه السجون.

لكل هذه الاسباب الموجبة يمكن وصف الجرائم المذكورة اعلاه وجرائم الترحيل القسري لعدد كبير من اللبنانيين ومنعهم من العودة الى بلادهم بصورة مستمرة بالجنايات ضد الانسانية التي تهدد الأمن والسلم الدوليين.

 

مجلس الأمن: مصدر الاحالة للوصول الى المحكمة الجنائية الدولية. (الارشيف)

ان وصف جرائم الاختفاء القسري لعدد كبير من اللبنانيين بالجناية ضد الانسانية يفرض تحديد مفهوم هذه الجناية قبل تعيين آلية احالتها على القضاء الدولي المختص لمحاكمتها.

أ – في تحديد مفهوم الجناية ضد الانسانية

حدد مفهوم الجناية ضد الانسانية بنظام المحكمة الجزائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة وبنظام المحكمة الجزائية الدولية الخاصة بروندا. ويعتبر اتفاق روما الموقع بتاريخ 17 تموز 1998 والذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية الدائمة في لاهاي، أول اتفاق دولي يعرّف الجناية ضد الانسانية. وقد أخذ هذا الاتفاق بالتعريف ذاته تقريبا المعتمد في نظام المحكمتين الدوليتين المذكورتين اعلاه، وذلك بموجب المادة السابعة منه التي تنص على أن "الجناية ضد الانسانية تفترض ارتكاب عدة أفعال اجرامية في اطار هجوم واسع النطاق او منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، وعن علم بالهجوم".

وينبغي التنبيه الى أن كلمة "هجوم" لا تعني بالضرورة هجوما عسكريا، اذ ان هذا الهجوم قد يكمن في التدابير الامنية القمعية او الادارية او القانونية المتخذة ضد مجموعة من المدنيين بهدف خطفهم او اخفائهم قسرا او ايذائهم او ترحيلهم او اضطهادهم خلافا لأحكام القانون الانساني الدولي، ويمكن أن نذكر هنا على سبيل المثال التدابير المتخذة من قبل حكومة ما بهدف ترحيل عدد من الاشخاص المدنيين بالقوة وبصورة غير شرعية من مكان الى آخر Transfer tou deportation او القرار السياسي المتخذ باخفاء فئة من المدنيين قسرا بهدف التنكيل بهم لاعتبارات او لأسباب سياسية او عرقية او دينية او اجتماعية او جنسية، او بهدف الترحيل القسري لعدد من الاشخاص المدنيين.

وكي يشكل جناية ضد الانسانية، يقتضي ان يكون الهجوم بدعم السلطة المذكورة وتأييدها او بإذن منها. ولهذا يمكن ان ترتكب الجنايات ضد الانسانية على يد موظف في الدولة او على يد اشخاص منظمين بتحريض وتوجيه من السلطة او النظام الحاكم او أجهزة الاستخبارات التابعة للسلطة الحاكمة او بطريقة السكوت عنهم وغض الطرف عن مخططاتهم التي قد تخدم أهداف السلطة. وتأخذ في هذه الحالة الاخيرة مساهمة السلطة في ارتكاب الجناية ضد الانسانية شكل الفعل السلبي المعاقب عليه بعنوان الاشتراك الجرمي السلبي، ولا يشترط ان يكون الهجوم قد وضع ضمن اطار نزاع مسلح.

ويمكن ان يدخل في خانة الجنايات ضد الانسانية بعض الافعال التي تتوافر فيها الشروط القانونية المذكورة اعلاه، ومنها القتل القصدي او المتعمد لعدد من الاشخاص الذين ينتمون الى مجموعة مدنية معينة، وأفعال الخطف والاغتصاب الممارس على عدد أو مجموعة من الاشخاص، وفعل الاختفاء الجبري لعدد من الاشخاص، او نفيهم بالقوة ومن دون وجه حق، او منعهم من العودة الى بلادهم خلافا لأحكام القانون الانساني الدولي وللاتفاقات الدولية المعنية بحماية حقوق الانسان، وذلك كله لأسباب او لاعتبارات سياسية او عرقية او دينية او اجتماعية او عقائدية او جنسية.

ويطرح السؤال هنا عن امكان ادخال جرائم الاختفاء القسري لعدد كبير من اللبنانيين في خانة الجنايات ضد الانسانية.

وفقا لأحكام المادة السابعة من نظام المحكمة الجنائية الدولية المنشأة باتفاق روما الموقع بتاريخ 17 تموز 1998، يؤلف جريمة اختفاء قسري وبالتالي جناية ضد الانسانية "القبض على ِأشخاص او احتجازهم او اختطافهم على يد دولة او جماعة او منظمة سياسية او بإذن منها او برضاها، على أن يستتبع ذلك أي من الامرين الآتيين: 1 – رفض الاعتراف بعملية التجريد او حرمان الحرية، 2 – او رفض اعطاء معلومات عن مصير الاشخاص "المخفيين" بنية تجريدهم من حماية القانون لفترة زمنية طويلة".

وعملا بهذا النص، حسبما تبين من افادات الشهود، ارتكبت، عن سابق تصور وتصميم، تنفيذا لمخطط نظام حكومي منهجي وشامل ضد عدد كبير من اللبنانيين المدنيين والعسكريين المعارضين للوجود السوري في لبنان على مدى ربع قرن بهدف اقصاء هؤلاء الاشخاص والتنكيل بهم، وذلك بتسهيل وبتواطؤ من بعض الجهات في ظل الوصاية السورية، وحتى اشتراك اجهزتها الامنية أحيانا في عمليات خطف هؤلاء الاشخاص وتسليمهم الى الاجهزة الأمنية السورية، على ما جاء في عدد من افادات الشهود وأهالي المخطوفين. وهذا لأسباب سياسية بحتة. أضف الى ذلك ان السلطات السورية ترفض اليوم أولا الاعتراف بعملية حرمان الحرية التي تمارسها اجهزتها على عدد كبير من الاشخاص اللبنانيين، وترفض ثانيا اعطاء أي معلومات عن مصير الاشخاص اللبنانيين "المخفيين" قسرا بنية تجريدهم من حماية القانون لفترة زمنية طويلة. كما أنها ترد أي طلب مقدم من الصليب الاحمر الدولي او من منظمة العفو الدولية لزيارة السجون في سوريا وللتحقق من وضع المساجين والمخفيين في حال وجودهم.

ان هذه الجرائم ارتكبت قبل دخول نظام المحكمة الجنائية الدولية الدائمة حيز التنفيذ، أي قبل الأول من تموز 2002، لكنها تؤلف جنايات ضد الانسانية كونها ارتكبت تنفيذا لهجوم منهجي ومنظم من سلطة حاكمة او من نظام أمني ضد مجموعة من المدنيين، وكونها استمرت او تعاقبت او تمادت الى ما بعد تاريخ الاول من تموز 2002، ان كان لجهة النشاط الجرمي المادي والمعنوي، وان كان لجهة النتيجة الجرمية. لذلك فان هذه الافعال الجرمية، وان كانت مرتكبة قبل تاريخ الاول من تموز 2002، تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية الزمني لأنها تعتبر من الجرائم المستمرة او المتعاقبة، أي من الجرائم التي تستمر ان من حيث تعاقب الفعل الجرمي، وإن من حيث استمرار النتيجة الجرمية.

ولكن ما هي الآلية التي يمكن بواسطتها احالة هذه الحالة الجرمية على المحكمة الجنائية الدولية او على غيرها من المحاكم الجزائية الدولية؟

ب – في آلية احالة جناية الاختفاء القسري على القضاء الدولي المختص

يتوجب على الامم المتحدة أن تولي اهتماما خاصا ومميزا لهذه القضية وان تقرر انشاء لجنة تحقيق دولية مستقلة على غرار اللجنة التي ألفت بموجب القرار الرقم 1595 الصادر عن مجلس الامن في 7 نسيان 2005 في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وذلك من أجل التحقيق في ملابسات جرائم اختفاء المئات من اللبنانيين قسرا في السجون السورية، وجريمة اختفاء الامام موسى الصدر ورفاقه في السجون الليبية، على ان تمنح هذه اللجنة صلاحيات ومهمات تنفيذية تخولها العمل بفعالية لكشف اللثام عن الجرائم المذكورة وغيرها من الجرائم الواقعة على القانون الانساني الدولي التي ارتكبت خلال فترة وجود القوات السورية في لبنان، ولا سيما صلاحية استجواب الاشخاص المشتبه فيهم في لبنان وسوريا وليبيا مهما علا شأنهم ومهما كانت درجة وظائفهم الحكومية او الامنية او الادارية، وصلاحية التفتيش عن العناصر الجرمية في كل الاماكن التي قد توجد فيها أدلة جرمية مرتبطة بالجرائم المذكورة، وصلاحية زيارة السجون والمعتقلات في البلدان المذكورة اعلاه للتحقق من وجود مخفيين لبنانيين فيها وجميع الأدلة الجرمية اينما وجدت، واستماع الشهود ومقابلتهم ومقابلة الاشخاص الذين توجد في حوزتهم معلومات متعلقة بجرائم الاختفاء القسري او بجرائم اخرى واقعة على القانون الانساني الدولي.

ولا بد ان تتحرك المنظمات غير الحكومية في لبنان المعنية بقضايا الدفاع عن حقوق الانسان من اجل حث مؤسسات حقوق الانسان في الامم المتحدة على القيام بعرض هذه الحالة الجرمية على مجلس الامن الذي بوسعه ان يتخذ قرارا بتأليف لجنة تحقيق دولية مستقلة وذات صلاحيات تنفيذية لاجراء التحقيق في هذه الجرائم، وكشف ملابساتها وهوية فاعليها والمشتركين في ارتكابها والمحرضين عليها تمهيدا لمحاكمتهم اما امام قضاء جزائي خاص مختص، واما امام المحكمة الجنائية الدولية الدائمة.

 

 

محكمة دولية جزائية خاصة

 

اذا خلصت لجنة التحقيق الدولية التي قد ينشئها مجلس الامن الى تحديد المسؤوليات الجنائية في هذه القضية بالاستناد الى أدلة جرمية موضوعية وواضحة، يصبح في امكان مجلس الامن، بعد ان ترفع اليه اللجنة المذكورة قرارها، ان يصدر اما قرارا بترك شأن امر المحاكمة الى القضاء اللبناني في حال تبيّن ان هذا القضاء يتمتع بالاستقلالية وبالقدرة وبالصدقية اللازمة، وان لديه الوسائل والاجهزة الفاعلة للقيام بالتحقيقات والمحاكمات الموجبة، واما بتأسيس محكمة جزائية دولية خاصة Ad Hoc كالمحكمة التي انشأتها الامم المتحدة لمحاكمة ميليزوفيتش بالجرائم الدولية التي ارتكبت في يوغسلافيا السابقة، او كالمحكمة الجزائية الدولية التي اسستها في رواندا لمحاكمة فاعلي الجرائم ضد الانسانية وجرائم الابادة الجماعية التي ارتكبت في هذا البلد، وذلك بالاستناد الى الاتفاقات الدولية والقرارات الدولية التي تعاقب وتكافح الجنايات ضد الانسانية والجرائم الواقعة على القانون الانساني الدولي. ويتخذ هذا القرار، وفقا لما ينص عليه اتفاق روما الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية الدائمة، اذا تأكد مجلس الامن من عدم تجاوب السلطات اللبنانية او السلطات السورية او غيرها مع التحقيق الدولي، أو من عدم قدرة القضاء اللبناني على القيام بهذه المحاكمة نظراً الى افتقاره للوسائل الفعالة واللازمة للقيام باجراءات التحقيق والمحاكمة وفقا للمعايير الدولية المنصوص عليها في الاتفاقات والقرارات الدولية المعنية.

وطالما ان الامم المتحدة أنشأت بالقرار رقم 1757 الصادر عن مجلس الامن بتاريخ 30 ايار 2007 محكمة جزائية دولية خاصة للبنان من اجل محاكمة المتورطين في جريمة اغتيال الرئيس الحريري والجرائم الارهابية الاخرى المرتبطة بها، فيمكن والحالة هذه، توفيرا للمصاريف الباهظة وتلافيا للمعاملات الاجرائية المعقدة التي ترافق عملية انشاء المحاكم الجزائية الدولية الخاصة، احالة الحالة الجنائية للاختفاء القسري للمعتقلين اللبنانيين على هذه المحكمة بقرار من مجلس الامن بناء على طلب موجه من الحكومة اللبنانية، وذلك بعد الاتفاق على توسيع اختصاص هذه المحكمة ليشمل قضية المخفيين قسرا في المعتقلات السورية.

 

 

المحكمة الجنائية الدولية الدائمة

 

تدخل الجنايات ضد الانسانية في حقل اختصاص المحكمة الجنائية الدولية الدائمة التي انشئت بموجب اتفاق روما الموقع في تاريخ 17 تموز 1998 والتي بدأت ممارسة صلاحياتها واعمالها ومهماتها ابتداء من تاريخ الاول من تموز 2003 (م 5). وتكون هذه المحكمة مختصة ايضا في محاكمة جرائم الحرب وجرائم الابادة الجماعية وجرائم العدوان التي لم يعرفها بعد نظام هذه المحكمة (م 5). ورغم ان اتفاق روما المذكور اعلاه لم تتم المصادقة عليه من قبل سوريا ولبنان وليبيا، بحيث ان هذه الدول لا تعتبر اطرافا في هذا الاتفاق ولا تشملهما تاليا صلاحية المحكمة الجنائية الدولية الدائمة، تجوز، عملا باحكام المادة 13 من الاتفاق ذاته، احالة جنايات اختفاء اللبنانيين قسرا في السجون السورية على المحكمة الجنائية الدولية الدائمة بقرار من مجلس الامن اذا تبيّن انها تؤلف مجتمعة حالة جنائية متضمنة لجرائم ضد الانسانية متعاقبة ومستمرة وتهدد الامن والسلم الدوليين في المنطقة، ولكن شرط التأكد من انها ارتكبت تنفيذاً لهجوم شامل او منهجي سلطوي ضد مجموعة معينة من المدنيين اللبنانيين، ولاعتبارات ولخلفيات سياسية او عرقية او دينية معروفة. وذلك على غرار القرار الذي اتخذه مجلس الامن بتاريخ 31 آذار 2005، والذي احيلت بموجبه جرائم الحرب والجنايات ضد الانسانية والابادة الجماعية المرتكبة في دارفور على المحكمة الجنائية الدولية الدائمة عملاً بالفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة باعتبار ان هذه الجرائم تؤلف اعتداء على الامن والسلم الدوليين، علماً ان السودان لم يصادق على اتفاق روما الذي انشأ هذا القضاء الجنائي الدولي الدائم. وللمحكمة الجنائية الدولية ان تضع يدها على الحالة الجنائية المحالة عليها بقرار من مجلس الامن او بادعاء النائب العام لديها وان كان قضاء الدولة التي وقعت الجريمة في اقليمها او التي يحمل الفاعل او المحرض او الشريك جنسيتها قد بدأ التحقيق فيها، اذ تبين لها ان الدولة المذكورة ليس لديها النية فعلاً في اجراء محاكمة عادلة ونزيهة او ان قضاءها غير مؤهل للقيام باعمال التحقيقات والمحاكمة (م. 17 من نظام روما).

 

ان قضية الاختفاء القسري لعدد من اللبنانيين في المعتقلات السورية تؤلف جناية خطيرة، وقضية انسانية في الوقت عينه، ولا ينطبق على الافعال التي تؤسسها وصف "الاعتقال او التوقيف"، اذ ان المعتقل يكون متهماً بارتكاب جريمة ما ويحكم عليه بعقوبة الاعتقال (عقوبة سياسية) لارتكابه جريمة سياسية ينص عليها قانون العقوبات ويحدد مكان تنفيذ عقوبته وتجوز مقابلته قانوناً، في حين ان الاشخاص المخفيين في السجون السورية وغيرها من السجون العربية (في حال ثبوت عملية اخفائهم على يد سلطات او قوات هذه البلدان)، حصلت عملية اخفائهم من دون اي مبرر قانوني او سند شرعي بعدما خطفوا منذ سنين طويلة وتعرضوا، وفق شهادات وافادات بعض المعتقلين المفرج عنهم، لابشع صور التعذيب والتنكيل والمعاملة الوحشية والحاطة بالكرامة على يد اجهزة حكومية، ولا يعرف حتى اليوم مكان وجودهم بالتحديد.

لذلك نعتقد انه اذا كان لدى الحكومة اللبنانية الجديدة النية في ان تفتح صفحة جديدة من العلاقات السورية – اللبنانية الاخوية على اساس من الشفافية والصدق في التعامل، وعلى اساس احترام سيادة واستقلال كل من البلدين، يقتضي ان تقوم بكل ما يلزم من اجل القاء الضوء على قضية المخفيين والمعتقلين في السجون والمعتقلات السورية، وان تضع هذه القضية الانسانية في رأس سلم اهتماماتها وفي اولويات البيان الوزاري، وان تبادر الى التدخل بفعالية لدى السلطات السورية المختصة للافراج عن جميع المخفيين والمعتقلين اللبنانيين لاسباب سياسية في اقرب وقت ممكن او للحصول على الاقل على معلومات جدية وموضوعية عن مصيرهم، والا فإن هذه القضية قد تصبح يوماً اما من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية الدائمة التي يمكنها النظر في الجرائم المذكورة اعلاه بموجب احالة صادرة عن مجلس الامن في الامم المتحدة، واما من اختصاص محكمة جزائية دولية خاصة Ad Hoc.

في نهاية المطاف ستكون هناك محاسبة جزائية للمسؤولين عن هذه الجرائم البشعة، وستأخذ العدالة مجراها مهما طال الزمن ومهما عظمت المساومات الهادفة الى تعطيل المحكمة الجزائية الدولية الخاصة للبنان، وسيحكم على كل مسؤول عن هذه الجرائم وعن الجرائم الارهابية التي نالت من شهدائنا الابرار مثلما حكم على النازيين امثال كلاوز باربي وباربون وتوفييه وميلوزوفيتس. في ذلك اليوم العظيم ستعاد للكرامة الانسانية وللعدالة الدولية وللحريات وحقوق الانسان مكانتها التي تنتهك اليوم ابشع انتهاك على مذبح مصالح الدول الكبرى وعلى يد تجار الهيكل ولصوصه".

 

د. دريد بشرّاوي (•)     

((•) استاذ محاضر في القانون الجنائي الدولي في جامعة روبير شومان – فرنسا. مدير ابحاث في القانون الجنائي الدولي في الجامعات الفرنسية. محام بالاستئناف ومحام عام اسبق في فرنسا؛ استاذ زائر في القوانين الجنائية العامة في جامعة أنسبروك – النمسا.