خرجت سوريا، رجع عون، أُطلق جعجع، ربحوا في الانتخابات، فكوا <<الحداد السياسي>>

المسيحيون سياسياً: يعيدون اليوم وصل الجسور مع <<الشريك>> المسلم ويبحثون عن دور متجدد

دنيز عطا الله حداد  -السفير 15/2/2006

 بعد ساعات قليلة على اغتيال الرئيس رفيق الحريري بدأ توافد اعضاء من <<لقاء قرنة شهوان>> الى الصرح البطريركي في بكركي. كان البطريرك مصدوما، يتنازعه شعوران. الاحساس بالظلم الفادح والخطر الكبير. لم تكن تلك مشاعر مار نصر الله بطرس صفير وحده. شاركته فيها <<رعيته>> غضبا وخوفا وقلقا على الغد.

لكن المفارقة أنه لحظة غرق لبنان في حداده على رفيق الحريري، بدأ المسيحييون <<يفكون حدادهم>> السياسي. لم يتصور المسيحيون، حتى في <<أبهى>> احلامهم، أن يتبنى <<المسلمون>> خطابهم المعارض لسوريا ويذهبوا أبعد منهم فيه. تابعوا ما يطلق من شعارات أمام مستشفى الجامعة الاميركية في الرابع عشر من شباط مدهوشين. في تلك اللحظة <<تبنى>> المسيحيون رفيق الحريري. اصبح فقيدهم. تقدمت <<لبنانيته>> على أية صفة أخرى للرجل. لذا فجعوا حقا لفقده.

الرابع عشر من شباط كان التاريخ الذي أتاح للمسيحيين أن يفكوا حدادهم السياسي. بعده، عاد ميشال عون. خرج سمير جعجع. شارك المسيحيون مع مئات الآلاف من اللبنانيين في المطالبة بالاستقلال. عادوا للانخراط في الحياة السياسية والشأن العام. شاركوا في الانتخابات. أدخلوا للمرة الاولى، بعد الطائف، كتلتين نيابيتين الى الندوة البرلمانية، الاولى ل<<التيار الوطني الحر>> والثانية ل<<القوات اللبنانية>>.

واذا كان ما قبل 14 شباط شيئا وما بعده شيئا آخر عند جميع اللبنانيين، فإنه، عند المسيحيين منهم، يأخذ أبعادا أشد جذرية.

تغيّر المشهد المسيحي. وجاءت الانتخابات لتكرس <<أبطالا>> وتسند لآخرين أدوارا ثانوية. سقط <<خط>>، كما يقول سليمان فرنجية فهل نجح <<خط>> آخر أم ان البحث جار عن وجهة ودور؟

لم يكن <<خط>> فرنجية وحده الذي سقط. <<قرنة شهوان>> نزفت طويلا قبل أن ترد الروح الى <<باريها>>. نواب متميزون في البرلمان سحب الناخبون وكالاتهم منهم كنسيب لحود وفارس سعيد ومخايل الضاهر. آخرون لاعتبارات مختلفة لم يترشحوا كجورج افرام وجان عبيد وعصام فارس. شخصيات مسيحية عديدة عادت الى الظل بعد أن شغلت لسنوات مساحة متفاوتة من الضوء. ما الذي حصل؟

<<قرنة شهوان: انتفاء المهمة>>

بعد نفي عون و<<دراماتيكية>> انتخابات عام 1992 وسجن جعجع، تحول البطريرك صفير الى صوت المسيحيين الناطق باسمهم والحامل هواجسهم. كان يتحدث عن <<احباطهم>>. يشير الى الغبن اللاحق بهم في التمثيل السياسي، في الوظائف العامة، في الصغيرة والكبيرة من تفاصيلهم. حورب بكل الاسلحة المتاحة. تم التهجم عليه حتى من على درج بكركي. بقي الثابت شبه الوحيد في زمن المتغيرين والمتلونين.

في 25 أيار من العام 2000 طردت اسرائيل من جنوب لبنان. في 20 أيلول من العام نفسه صدر بيان المطارنة الموارنة الشهير مطالبا بخروج الجيش السوري من لبنان. بالنسبة لصفير بدأت مرحلة نضال مختلف. لم تكن الادوات السياسية المتوافرة كافية. الاحزاب <<المسيحية>> ضعيفة ومشتتة. <<الزعماء>> منفيون أو <<مسجونون>>. من يشاطره الرأي والرؤية من الشخصيات المسيحية في الموضوع السوري تفرقهم المنطلقات والمصالح.

في تلك الفترة كانت مجموعة من اصحاب الرأي يلتقون بالمطران يوسف بشارة. يتناقشون ويحاولون تلمس معالم المرحلة المقبلة. كان بشارة، الذي يشبه صفير في الكثير من خصاله، ينقل اليه خلاصات تلك المناقشات. بعد فترة قصيرة، وفي 30 نيسان 2001، اعلنت ولادة <<لقاء قرنة شهوان>> من تحت عباءة بكركي. سماه البعض لقاء <<الحد الادنى>> واعتبره آخرون <<لقاء الضرورة>>. ومع ذلك، نجح في ان يتحول الى <<بوصلة>> للمزاج المسيحي و<<مرجعية>> سياسية. لكنه بقي أولا وأخيرا <<الجناح السياسي>> لبكركي. منها استمد شرعية تمثيله ومشروعية طروحاته. حورب اللقاء كثيرا. كان النعي المتواصل له أكثر الاسلحة المستعملة كما العمل على الخلافات بين أعضائه. لكن ذلك لم يمنع صفير من أن يصف اللقاء يوما ب<<الحلم الذي تحقق>>. كان يعرف تماما <<الحساسيات>> داخل اللقاء التي كانت تتجلى <<حدتها>> عند الانتخابات، أي انتخابات، حتى لو كانت نقابية. كانت تصله الخلافات بين أعضائها. ولو لم يكن صمت المطران بشارة أقرب الى <<ابي الهول>> لحكى مطولات عما سمعه ورآه في اجتماعات <<القرنة>>. بقي <<اللقاء>> صامدا في زمن المطالبة الصعبة. لكن يوم اينعت مطالبه وحان قطافها، سقط اللقاء مضرجا بخلافاته. فما احتفل بانتصار <<السيادة والاستقلال>> ولا بوصل الجسور مع <<الشريك المسلم>>. انتهى اللقاء بصمت ولم تجر له حتى مراسم الدفن.

يقول النائب السابق فارس سعيد انه <<كان من الواجب أن يتم لقاء في 30 نيسان 2005 ليعلن انتهاء عمل <<قرنة شهوان>> بعد أن حققت اهدافها وهي الخروج السوري من لبنان والتواصل مع المسلمين>>. ويشير سعيد الى <<هدف غير معلن للقرنة. فقد كان يفترض من اللقاء بلورة دور للمسيحيين في لبنان والمنطقة وهو ما تقوم به الكنيسة اليوم من خلال ورقة المجمع البطريركي الماروني>>.

لكن سيمون كرم الذي طرح بحسب ما يقول فكرة <<النعي الرسمي للقاء>> يعتبر أن <<اعضاء هذا اللقاء كما المسيحيين لم يعرفوا حقا قيمة الانجاز السياسي للقرنة. قسم استهانوا به، آخرون استعملوه وفريق طمع بالمناصب والمكاسب>>. استبدل كرم <<النعي>> المفترض برسالة <<وجدانية>> الى المطران بشارة قال في متنها <<باسترجاع السيادة وحرية القرار. أنجز لقاء قرنة شهوان الهدف الذي انشئ من اجله. وبتحقيق الهدف المنشود انتفى القاسم المشترك الذي كان يسمح لهذا الجمع المتنوع من رجال السياسة بالعمل معا. واني اتذكر معك بمرارة، المرات التي تحول تنوعهم خلالها الى تنافر يلامس اشتعال العداوة>>.

في قراءة هادئة، يعتبر كرم اليوم <<ان الاسباب التي أدت الى انكماش <<قرنة شهوان>> وضمورها وتحللها قبل أن يتفرق أعضاؤها تشكل جوهر المعضلة السياسية المسيحية الآن ومعضلة العمل السياسي>>. ويشرح قائلا <<نظرا للتحديات التي يواجهها البلد فإن الوجود المسيحي السياسي فيه بحاجة الى مضمون ومستوى وشكل من العمل السياسي التضامني. يجب تخطي الاطر القديمة التقليدية أو الموروثة من الحرب ك<<التيار الوطني الحر>> أو <<القوات اللبنانية>>. فهذه الاطر مشدودة الى الماضي ولا تملك نوافذ الى المستقبل. الآخرون يتحركون ضمن أطر موروثة. دفعهم الضغط السوري، في السنوات السابقة، الى تخط جزئي لبعض هذه الموروثات لكن لم يدفعهم الى المستوى المطلوب>>.

بأسف يتذكر كرم كيف ان <<اللقاء قام بتقارب الحد الادنى بين اعضائه. لكن <<مقاومة>> الداخل منعت تطوير اللقاء. وكان الاصرار على الحد الادنى يترافق مع حركة سياسية يميل فيها ميزان القوى من يد نواة القرنة باتجاه التقليديين وصولا الى عودة ثنائية الحرب>>.

يؤكد كرم <<ان المسيحيين بحاجة الى اطار تضامني على مستوى عال. ليس من أجلهم فقط بل من اجل لبنان. وان عدم القدرة على التلاقي ستُبقي المأزق قائما وسائرا باتجاه مزيد من التأزم>>.

لكن هل المطلوب أن يصبح المسيحيون اليوم كسائر الطوائف لهم زعامة واحدة؟ يجيب كرم <<على المدى المتوسط، المطلوب العكس. أي ان تتشبه سائر الطوائف بالمسيحيين. التعددية مرتجى ومطلب. لكن معركة اخراج السوريين لم تنته بعد بدليل الاغتيالات التي استمرت. كما ان هذا <<الترهل>> المسيحي، قبيل واثناء انتفاضة الاستقلال وبعد انتفاضة 14 آذار، سمح بقيام التحالف الرباعي. وينسحب هذا الكلام على السلوكات في 14 آذار من الشكل الى المضمون>>.

فرنجية: سقوط الخط

اذا كان <<لقاء قرنة شهوان>> سقط بأيدي أهله بعد 14 شباط فان سليمان فرنجية سقط على ايدي خصومه. خسارته في الانتخابات النيابية احد مؤشرات انتهاء مرحلة وبدء اخرى. أما فرنجية فيعتبر ان <<المشهد في 14 شباط كان وطنيا. كل لبنان بكى رفيق الحريري. لكن تيار المستقبل وسعد الدين الحريري اختارا الزعامة السنية بعد ان كان رفيق الحريري زعامة وطنية. وجاءت الانتخابات وتحالفا مع من لا تمثيل لهم. اتوا بنواب مسيحيين بأصوات المسلمين. جاؤوا بهم ضعافا في طائفتهم ليُبقوا القرار بيدهم>>.

لكن كثيرا من النواب السابقين لم يكونوا يمثلون أيضا.

يجيب فرنجية <<صحيح. بعضهم لم يكن يمثل. لكن كانت سوريا مسؤولة عن هذا الواقع. أما ان يكون اليوم فريق وجزء من اللبنانيين مسؤولين عن انتقاص التمثيل المسيحي فهذا يعني ان الواقع الذي كان قائما اثناء النفوذ السوري لم تكن سوريا وحدها مسؤولة عنه . فالخلل في التمثيل، الذي تكرس وزاد بعد خروجها، يظهر أن جزءا من اللبنانيين كان شريكا فيه>>.

هل هذا يعني سقوط << الخط>> الذي كنت تنتمي اليه، وأي خط هو؟

نعم، سقط الخط الذي كنت انتمي اليه لكن البديل لم ينجح. الخط العربي هو الذي هُزم. فحين أرى بعض الطوائف وبعض من في السلطة يتكلمون ويطرحون ما تطرحه الصحف الاسرائيلية، اقول ان العروبة هزمت في لبنان. تغيّر مسار الصراع ولولا ذلك لما كنا اليوم في صف واحد مع العماد ميشال عون.

كيف تصف واقع المسيحيين اليوم بعد 14 شباط؟

لا ارى هذا الواقع مريحا. فباستثناء عودة العماد عون التي كانت ممتازة وخروج سمير جعجع من سجنه وهو أمر جيد أعاد <<القوات>> الى حجمها الطبيعي، لا أجد ان المسيحيين استعادوا حقوقهم في التمثيل والمشاركة على كل المستويات. ما وُعد به الرأي العام اللبناني بعد 14 شباط و14 آذار جرى تطبيق عكسه. انتقلنا من أحادية مسيحية في الحكم مورست من 1943 وحتى 1975 الى احادية سنية بعد أن مررنا بأحادية سورية لم يكن كثر من حلفاء مسيحيي اليوم بعيدين عن الشراكة فيها وعلى حساب المسيحيين احيانا كثيرة.

ويعود سليمان فرنجية ليؤكد <<وضع المسيحيين اليوم لا يطمئن. هم ممثلون بنسب متفاوتة في البرلمان والحكومة. لكن ماذا في الواقع السياسي. لا تهمني المشاركة في الرأي بل أريد أن يكون المسيحيون شركاء في القرار. مثلا، ما كان دور الوزراء المسيحيين في الأزمة الحكومية وخروج وعودة الوزراء الشيعة؟ لا شيء. هم فقط أوركسترا يعزفون بطلب من سعد الحريري ويتوقفون عن العزف بطلب منه. المسيحيون ضعفاء في هذه السلطة لانهم غير مدعومين من الاكثرية داخل طائفتهم.

فرنجية الذي لا يخفي قلقا على <<الوجود المسيحي لانني انظر بقلق الى ما جرى لمسيحيي العراق بعد أن وعدهم بوش بالديموقراطية فأصبحوا خمسة الآف بعد أن كانوا ثلاثة ملايين>>، يرى في بكركي مرجع الحل. يقول <<المطلوب أن يتوحد المسيحيون حول الامور الاستراتيجية في مشروع يرعاه ويتوجه البطريرك، ليختلفوا قدر ما شاؤوا على التفاصيل لكن يفترض أن يكون لهم رأي موحد في ما يتعلق بالامور الاستراتيجية. ويعتبر <<ان رئاسة الجمهورية كما قانون الانتخاب من هذه الامور، اضافة الى رؤية مستقبلية واضحة لدور المسيحيين في لبنان والمنطقة>>.

البحث عن دور

هل حقا المطلوب أن يتوحد المسيحيون؟ ما هي الترجمة السياسية للوحدة؟ اي هدف لها؟

يجيب أسقف ماروني متابع ب<<أن المسيحيين عموما، والقيادات المارونية بشكل خاص، مدعوة لان تقرأ بهدوء الاحداث التي تعصف في المنطقة والعالم لتبني على معطياتها المواقف والرؤى>>. يضيف <<ليس المطلوب من هذه القراءة ان تقودهم الى الاتفاق على التفاصيل والتكتيكات السياسية كما يسمونها. لكن المطلوب ان يكون للمسيحيين تصور واضح لمستقبل لبنان ولدورهم فيه. وعلى هذا يبنون سياساتهم وتحالفاتهم وصراعاتهم. أما ان يلتهي المسؤولين المسيحيين في تفاصيل خلافاتهم فذلك لن يعيد الى لبنان دوره الرائد ولا للمسيحيين ما تميزوا به من الحفاظ على قيم الحرية والديموقراطية والتنوع والمساواة بين المواطنين وتداول السلطة>>. ويشدد على <<رفض الاختزال او التسطيح>>. ويدعو الى <<وضع الحساسيات الشخصية وحسابات المصلحة الفردية جانبا كي يتمكن المسيحيون من أن يعيدوا رسم دور متجدد لهم في هذا الوطن>>. ويشدد بشكل خاص على اهمية قيام الدولة العادلة <<لان فيها ضمانة لكل اللبنانيين وللمسيحيين خصوصا>>. يستشهد بكلام صدر عن مجلس البطاركة والاساقفة الكاثوليك يقول <<لا خلاص للبنان، ولا عودة لاستقراره وازدهاره ما لم تفرض روح المواطنة المتجددة استعادة الدولة للمؤسسات الكبرى، وتسيطر الشرعية على مختلف المرافق الحيوية في البلاد>>.

يذكر المطران بالارشاد الرسولي وما ورد في المجمع البطريركي الماروني ليشير <<الى دور تاريخي للمسيحيين في لبنان في الحوار والعيش المشترك والتضامن مع العالم العربي. وهو ما لا يجب ان يتنازلوا عنه بل على العكس ان يعيدوا تفعيله عبر اطر عمل ورؤى جديدة. هذا الكلام، وان كان يصح في كل الاوقات، فإنه يأخذ ابعادا أكثر حيوية بعد اغتيال الرئيس الحريري في 14 شباط وما تلاه من احداث وضعت لبنان على طريق استعادة استقلاله وسيادته على أرضه وقراره الحر. لا بد من أن يكون المسيحيون معنيين أكثر في صوغ المشهد الوطني العام بعد أن يحسموا ماهية دورهم ورسالتهم>>.

بدوره يعتبر سعيد <<ان الانتلجنسيا المسيحية تبحث حثيثا عن دور لها في الطائفة والنظام والدولة وحتى في المنطقة. تطرح اسئلة كثيرة يترتب على الاجابة عنها توضيح مستقبل المسيحيين ومصالحهم لكنها تبقى اسئلة من دون اجابات. يضاف الى ذلك علاقتهم ونظرتهم الى شركائهم. فالمسيحيون ينظرون بمزيج من الحب والكره والغيرة الى وليد جنبلاط. الزعيم الذي يحكي باسم طائفته وطوائف اخرى. الذي يُحسب له حساب في كل تحالف وموقف. الذي يضرب طائفته بأربعة اضعاف نفوذا وحضورا. أما السّنة فها هم يحصلون على احترام العالم ويقابلون كل قادته من جورج بوش الى جاك شيراك وجاك سترو وغيرهم في مشهد يوحي بانقلاب الادوار. وماذا يفعل المسيحيون؟ ناضلوا سنوات من اجل الاستقلال وحين تم هذا الانجاز تخلوا عنه للمسلمين من دون ان يتشاركوا فيه حتى. ميشال عون أكثر من ساهم في ذلك لانه اعتبر ان 14 آذار ما هو الا تأكيد ل14 آذاره هو. وبالتالي يعود المسيحيون اليوم الى 14 آذار 1989 وحرب الالغاء>>.

مصادر كنسية تبدي قلقها <<من جو التوتر في بعض الجامعات والمناخ الذي يشاع>>، وتعتبر <<ان المسيحيين لم يتعلموا الكثير من أخطائهم ولم ينسوا، وأقله لم يسامحوا>>. لكنها تراهن <<على المشهد الوطني العام الذي تغيّر والذي يمكن أن يرفد المشهد المسيحي بمقاربات جديدة للكثير من القضايا الداخلية والوطنية>>.

هذا المشهد المسيحي الذي يرى النائب الدكتور فريد الخازن انه << بعد 14 شباط والى اليوم لا يزال في طور التشكيل، كما مشاهد سائر الطوائف في لبنان>>. يشرح قائلا <<افرزت الانتخابات قوى سياسية مسيحية مختلفة الاحجام يمثل العماد عون فيها الحجم الاكبر. هذا مشهد من اللوحة المسيحية التي لم تكتمل بعد. فلم توضع كل الخطوط ولا كل الالوان. دور المسيحيين في السلطة ما زال مهمشا بشكل كبير. صحيح توقف الاستهداف الامني الذي كان، كما توقف الاستهداف السياسي المباشر لكن ذلك لا يعني أن المشاركة والندية عادتا الى الحياة السياسية. لقد اعتاد بعض السياسيين المسلمين على الدور المهمش للمسيحيين في السلطة والادارة والدولة عموما، واستراحوا لهذه العادة التي تنسحب على الكثير من المواقف والمواقع. بالتالي فان الوضع اليوم غير مقبول لاختلال التوازن>>. يضيف الخازن <<ليس التوازن المطلوب تعبئة المراكز من طائفة أو جهة معينة. أي فريق سيسيطر على القرار بغياب الرادع. وكي تنجح الامور لا بد من تشكيل ضوابط وحدود للسلطة. لا بد من المشاركة والرقابة والمساءلة والمحاسبة>>. ويوسع الخازن اطار اللوحة <<فكي يستكمل رسم المشهد المسيحي لا بد من النظر الى سائر الطوائف المشاركة في هذه اللوحة. عند المسيحيين اليوم اربعة أحزاب أو أكثر بأحجام متفاوتة. لديهم قوى وهيئات وشخصيات سياسية متنوعة الآراء والطروحات والمفاهيم وحتى التحالفات. هذا أمر طبيعي. الامر غير الطبيعي هو ما يحصل عند الطوائف الاخرى من احتكار التمثيل تحت شعارات وذرائع مختلفة>>.

العودة إلى السياسة

يرى الخازن <<ان المسيحيين أكثر فريق قام بقراءة نقدية لتجربته ما قبل الحرب وما بعدها من جوزيف أبو خليل الى الارشاد الرسولي والمجمع البطريركي الماروني وما بينهما من <<اعترافات>> شخصية حينا وجماعية حينا آخر. لم يبق موضوع لم يطرح في الوسط المسيحي. سقطت بهذا المعنى المحرمات. نبشوا ماضيهم وحاولوا أن يستفيدوا ويفيدوا من تجربتهم. لم نجد أي امر مماثل لدى أي من الاطراف الآخرين. على العكس أحيانا كثيرة رأينا سلوكا مناقضا وكأن كل فريق يملك الحقيقة كاملة والحق كاملا، جهة باسم الاعمار واخرى باسم المقاومة>>. يتابع <<للوضع المسيحي مشاكله وحساسياته لكن التنافس الموجود يعكس التنوع وهو بحد ذاته علامة صحة>>. ويرى <<علامات صحة>> أخرى في المشهد المسيحي بعد 14 شباط. منها <<عودة الحيوية السياسية لدى الشباب. لم يكن الشباب المسيحيون مقاطعين للسياسة كما صوّر الامر لفترات. لكنهم منعوا من المشاركة وحتى من التلاقي والمناقشة أحيانا. تم توقيف آلاف الشباب. أنذر آخرون. سجن البعض فترات متفاوتة. هُجّر كثر. كل ذلك لجعلهم ينصرفون عن التعاطي في الشان العام عموما والسياسي بنوع خاص. نعم بعد 14 شباط عاد الشباب بزخم الى الحياة السياسية>>.

هذه العودة وغيرها الكثير من التغييرات في المشهد المسيحي يؤشر اليها النائب سمير فرنجية. يغلّب رؤية <<النقاط المضيئة>> وان كان يعترف بعدم اكتمال المشهد لاسباب متعددة. يتوقف عند <<التغيير الايجابي ما بعد 14 شباط. فالناس عادت الى المشاركة الكثيفة في السياسة. عادوا يهتمون ويتابعون ويشعرون بانهم معنيون بما يحصل على هذا الصعيد في البلد. عاد الاحساس بالمشاركة يزداد. واللافت أن القاعدة المسيحية أكثر تسييسا من زعمائها>>. يعتبر أن <<الوجه الايجابي الآخر هو المشاركة النسائية العالية في كل المناسبات الوطنية. من 14 شباط الى 14 آذار تدفقت النساء الى ضريح الحريري تعبيرا عن موقف. وفي آذار كانت اعدادهن هائلة. في الانتخابات النيابية تصويتهن غيّر المعادلات. فالنساء كن أقدر على التقاط <<ازمة الهوية>> التي يعيشها المسيحيون وعبّرن عنها على طريقتهن>>. ويضيف فرنجية <<ان المسيحيين بعد اغتيال الحريري نزلوا الى الساحات. منهم من التقى مع المسلمين ربما للمرة الاولى. آخرون شعروا انه بعد هذا التاريخ لا عودة الى الوراء. صورة زرعت في عقل كل مسيحي وكل لبناني. بعد 14 شباط طغى لدى المسيحيين جوّ من <<الابداع>> والخلق، اذا جاز التعبير. الشعارات، النشاطات، الافكار التي كانت تنهال بالمئات، الصور الخلاقة لانتفاضة الاستقلال وغيرها>>.

لا يختلف فرنجية عن كثر ممن سبقوه في الاشارة الى <<ضرورة ان يجد المسيحيون دورهم الافضل في لبنان كما في المنطقة. يجب أن تكون أم المعارك بالنسبة اليهم اعادة بناء الدولة في لبنان واعادة توحيد لبنان. عليهم أن يتوقفوا عن أن يكونوا وقودا في معارك الآخرين متوهمين بطولات لا يملكونها>>. ويراهن في هذا المجال على دور كبير لبكركي ويكشف عن التحضير للقاء أو تكتل يعمل عليه يهدف الى نقل الوضع المسيحي من حالة التصارع الداخلي حول الاحجام والحصص والمراكز الى اعادة تحديد الخيارات المستقبلية>>.

وعما اذا كان الهدف خلق <<خط ثالث>> يقول فرنجية <<لا، هذا يعني اننا نلعب على ملعبهم. الغاية ببساطة هي نقل الملعب واللعبة معا>>.

لكن، هل ينفع نقل الملعب وتغيير اللعبة اذا كان اللاعبون اياهم؟ سؤال يطرحه كثير من المسيحيين <<المتفرجين>> على عودة الثنائية المتنافسة على الساحة المسيحية: <<القوات اللبنانية>> و<<التيار الوطني الحر>>. سؤال يتكرر صداه في الاوساط الكنسية.

سؤال تطرحه الاحزاب ذات الغالبية المسيحية كحزب <<الكتائب>> و<<الاحرار>> و<<الكتلة الوطنية>>.

هذه الاحزاب كانت موجودة قبل هذين التيارين لكنها تواجه اليوم قدرة متهالكة على الاستقطاب. أي ألوان يمكن أن تضيفها هذه الاحزاب على اللوحة المسيحية اليوم؟ هل تشعر بحاجتها الى تغيير في اسلوبها أو <<سلوكها>> أو حتى طروحاتها؟ هل تحتاج الى مقاربة جديدة للعمل السياسي الحزبي في لبنان؟ ماذا يمكنها أن تطرح للشباب؟

<<الكتائب اللبنانية>> أقدم هذه الاحزاب وأعرقها تجربة. من رحم تراجعها خرجت <<القوات اللبنانية>> التي كادت في فترة تضعها في <<مأوى للعجزة>> لترثها حية بعذر <<الخرف>> و<<التخريف>>. لم ينهَر الحزب على الرغم من كل ما واجهه لا سيما من انقسامات داخلية. لكن أي أرجحية له اليوم لتبقيه حيّا؟ يقول رئيس <<الكتائب>> كريم بقرادوني ان <<للكتائب جذورها. قد تضعف قليلا في الجامعات وفي اوساط الشباب لكن لها حضورها الممتد على كل الساحة اللبنانية. لنا ميزة اساسية. نحن حزب ميثاقي. كنا مع ميثاق الاستقلال 1943 ومع ميثاق 1989 للسلام الداخلي. هذه ميزة تتيح لنا الحفاظ على خصوصيتنا مع المدّ الاكبر المتمثل اليوم بالتيار الوطني. ليست المرة الاولى التي نواجه ذلك. في فترة ما بلغ المد الشمعوني حدا أكبر من الكتائب. لكن الحزب بقي. وهو سيبقى لان له هذه الخصوصية الميثاقية والدور الذي يطمح اليه دائما>>.

يؤكد بقرادوني <<ستبقى للكتائب نكهتها المسيحية. لكنها مشروع وطني. تحاول الكتائب الحفاظ على انتشارها المسيحي في كل لبنان ليكون مدخلا لتحويل الكتائب الى حزب يجذب المسلمين أيضا>>. يشدد كثيرا على ضرورة الحفاظ على مسيحيي الاطراف أو <<مسيحيي العمق>>، كما يسميهم والا <<يتحول البلد الى كانتونات حيث كل جماعة طائفة تعيش ضمن كانتونها>>. ويرى بقرادوني <<ان الاحزاب في لبنان وان كانت لها مشاريع وطنية الا انها في تركيبتها طائفية لان النظام في لبنان طائفي. وكل الاحزاب التي حاولت الخروج من هذا النظام سقطت ومن بقي منها فإن حضوره وتأثيره ضعيفان>>. ويعتبر <<ان الخروج من النظام الطائفي يحتاج الى احزاب وطنية لكن هذا التحدي طويل الامد وصعب. يمكن المباشرة بعقد تحالفات وجبهات غير طائفية تكون مقدمة لمثل هذا التشكيل في الحياة السياسية اللبنانية>>.

القمر صعب... دير القمر

بأي خطاب سياسي يمكن أن يتوجه رئيس <<حزب الوطنيين الاحرار>> دوري شمعون للشباب؟ ماذا يقول لهم؟ هل يعتبر أن على <<الاحرار>> ايجاد مقاربة سياسية جديدة للتواصل مع الشباب بشكل خاص؟ يضحك شمعون معلقا << لا يمكنني أن أعد الشباب بالقمر.. أكتر شي بطلّعهم على دير القمر>>. ومن المزاح الى الجدية، يقول شمعون بحماسة عالية <<طوال السنوات الماضية قمنا بدور اساسي في مقاومة الاحتلال السوري. الامر الذي دفعنا ثمنه. فحجمونا وحاربونا ومنعونا من الوصول الى أي منصب. لكننا لم نغب عن الساحة. واليوم ومع عودة الروح الى العمل السياسي نحن نتحرك أكثر. نعمل على فتح مكاتبنا في كل المناطق ونحاول تفعيل القاعدة الحزبية التي لم نكن نتواصل معها حفاظا على أمنها>>. يضيف <<نحن نعتبر انفسنا حزبا غير طائفي. صحيح أن غالبية أعضائنا هم من المسيحيين اليوم لكن محازبينا هم من كل الطوائف. قاعدتنا تمتد من عكار الى مرجعيون. كان مسيطرا عليها من قبل السوريين وأحيانا من قبل الاسرائيليين. اليوم عدنا الى الساحة لكن الامر يستغرق وقتا وجهدا كبيرين>>.

و<<القوات>> و<<التيار>> عادا ايضا الى الساحة؟

يجيب شمعون <<نعم. هم مثلنا كانوا ممنوعين من العمل وعادوا اليوم الى الساحة. ستحصل <<مضاربة>>. من يستطع الحفاظ على قاعدته وتوسيعها فعليه أن يعمل لذلك. لا يقلقنا وجود قوتين اساسيتين كالقوات والتيار لكننا نتمنى ان يبقى تنافسهما ضمن الاطار الديموقراطي بعيدا عن التصادمات والصراعات التي لم ينسها اللبنانيون بعد وخصوصا المسيحيين>>. ويشدد شمعون على تمسك <<الاحرار بثوابتهم. <<نحن دفعنا الاثمان الباهظة بسبب ثباتنا على مواقفنا وقناعاتنا. اليوم نسمع الجميع يتحدثون عن الشهداء. لا نسمع احدا يحكي عن داني شمعون وعائلته. حتى اليوم لم تستعد مدينة كميل شمعون الرياضية اسمها. مؤسف جدا ان تكون ذاكرة اللبنانيين استنسابية كما تاريخهم>>.

بدوره، يخفي عميد <<الكتلة الوطنية>> كارلوس اده <<مرارة>> ما في طي كلامه. يشدد على احترام خيارات اللبنانيين. ويرى <<ان دور الكتلة اليوم هو الذي لعبته دائما. الدور العقلاني، المتوازن، اللاطائفي. الدور الذي يراعي مصلحة البلد الاستراتيجية. نحن نتمنى ان نبقى دائما خيارا ثالثا عندما تحصل اصطفافات او تجاذبات ثنائية>>. يضيف <<هناك مساحات للجميع في العمل السياسي. والشارع المسيحي جزء من الشارع اللبناني عموما وفيه من يجد نفسه في <<القوات>> او <<التيار>> وفي خيارات أخرى حزب الكتلة الوطنية جزء منها>>.

يتوقف اده عند الصورة اللبنانية ما بعد 14 شباط ليشير الى <<ان اهم ما تحقق منذ ذلك التاريخ كان الخروج السوري من لبنان. على اللبنانيين ان يتحملوا اليوم مسؤولياتهم، مسؤولية الاخطاء قبل الانجازات، وبالتالي لا يمكنهم بعد اليوم القاء تبعات هذه الاخطاء على سوريا>>.

عون رجع... جعجع طلع...

توالت الاحداث متسارعة منذ الجريمة المروعة في 14 شباط الماضي وحتى اليوم. تشكلت صورة جديدة للبلد كان للمسيحيين فيها خطوط كثيرة كوّنت أبرز ملامحها. عودة العماد عون وخروج الدكتور جعجع ليسا تفصيلين فيها. عاد <<الزعيمان>> الاكثر تمثيلا في الشارع المسيحي. عادت وتيرة الحساسيات بينهما ترتفع. عاد الجمهور <<المحايد>> يقلق من تصاعد حدة الصراع وما يمكن أن يؤول اليه.

يحكى أن مواطنا مسيحيا في جبل لبنان وضع اعلانا قبل فترة على سيارته يقول: <<عون رجع.. جعجع طلع.. السيارة للبيع.. أنا مسافر>>. تؤشر هذه الرواية الى قلق واضح يعيشه المسيحيون. لم ينسوا الثمن الباهظ الذي دفعوه جراء <<صراع الاخوة>>. لم يبذل هؤلاء جهدا ليجعلوهم ينسون. صحيح أن المسؤولين في التيارين يؤكدان باستمرار ضرورة العمل على ابقاء الخلاف والاختلاف ضمن اطاره الديموقراطي التنافسي السياسي، الا ان التطورات على الارض، لا سيما في الجامعات، لا تترجم عمليا هذه التصاريح.

يؤكد العماد عون <<نحن لسنا اسرى الماضي. اننا حريصون على منع التشنج وندعو الى تقبل الآخر أيّاً يكن. لقد ألغينا من قاموسنا كلمتي الخصومة والعداوة وما شابههما واستبدلناهما بالتنافس. وفي أية تنشئة أو اعداد للكوادر نحرص على عدم نكء الجراح. نحن نتخطى الاحداث ولا ننساها. نترك الحكم للتاريخ. في هذا المجال نحن ابناء اليوم>>.

جعجع الذي يعي خطورة الوضع يقول <<مع الاسف ان تاريخ الموارنة مليء بالصراعات التي كانت بعيدة عن الديموقراطية. اننا نسعى جاهدين للعمل والتعود على الاساليب الديموقراطية في السياسة. وقبل أن نبشر بها وندعو الآخرين الى تطبيقها علينا أن نفعل في مجتمعنا. إن وجود فرقاء متعددين على الساحة المسيحية دليل عافية وصحة ولكن أن يتحول هذا التعدد الى خلافات سياسية تنتج عنها توترات دائمة فهذا ليس مدعاة فخر على الاطلاق. اننا نسعى، وسنواصل السعي، لنميّز بين تعدد الآراء السياسية وتحويلها الى مسألة خلافات شخصية وتهجمات على كل من لا يشاركنا الرأي>>.

سنة على 14 شباط، كيف يقرأ كل من جعجع وعون التغييرات في المشهد المسيحي؟

يقول جعجع <<بعد 14 شباط أصبح هناك مشهد مسيحي. قبل ذلك التاريخ كان المسيحيون مغيبين، منفيين ومسجونين، وكان جميعهم مضطهدين ومقموعين. لم يكن للمسيحيين مكان في المساحة الاعلامية. واشير الى الاعلام لانه يعكس ما كان يحصل على الساحة السياسية. كانت الطروحات التي تحتل الاعلام محصورة بطروحات كوحدة المسار والمصير وما يشابهها. اليوم عادت للمسيحيين حريتهم. عاد لهم الوطن الذي طالما حلموا به. الوطن السيد الحر المستقل الراسخ في الوعي التاريخي الجماعي المسيحي وقد تحول كذلك لدى كثير من اللبنانيين وهذا مدعاة للاطمئنان>>.

عون الذي يتمنى أن <<تُقرأ التغييرات على مستوى الوطن، لانني لا أحب التحدث كثيرا في شؤون الطوائف>>، يقول <<منذ سنة وحتى اليوم، توضحت مسارات سياسية كثيرة. اقيمت تحالفات وسقطت اخرى. تغيّر الوضع العام في البلد ولم يتغيّر>>. يشرح قائلا <<على الصعيد الاقتصادي ما زلنا في حالة جمود. على الصعيد القضائي الامر لا يبشر بالخير. في بعض المحطات نبدو كأننا في طريق شبه مسدود. لكن من جهة ثانية لا بد من الاقرار بعودة معظم اللبنانيين الى الانخراط في الحياة السياسية لا سيما المسيحيين منهم بعد أن كانوا لفترة إما ممنوعين أو غير مبالين لاحساسهم انهم غير قادرين على التأثير. اليوم اختلف الوضع. هناك نهج مسيحي وطني يحاول اطلاق الحوار بين مختلف الافرقاء. وهناك مطالبة متواصلة بإيلاء وضع الناس الاقتصادي والمعيشي حقه>>. يضيف <<ليس للمسيحيين هموم تختلف عن سائر اللبنانيين. هم يطمحون بتمثيل سياسي صحيح في دولة ديموقراطية عادلة. انتهت الفترة التي كانوا فيها سبايا موزعين على قوى اخرى>>.

بدوره يطمح جعجع الى <<الدولة الديموقراطية العادلة>> ويقول <<حصلت ثغرات كثيرة في خلال السنوات الثلاثين الماضية، ضغوطات وعراقيل لا يمكن ازالتها بثلاثين أسبوعا ولا حتى ربما بثلاثين شهرا. لكن المهم أن المسيرة بدأت وسنواصل العمل على استكمال فصولها>>. ويؤكد جعجع>> ان تحالفاتنا مع <<الاشتراكي>> ومع تيار المستقبل بنيت على اسس متينة. وقد توصلنا الى خطاب مشترك اقترب فيه سائر الافرقاء من خطابنا الذي يحلم به المسيحيون من ترسيم الحدود مع سوريا الى اقامة علاقات دبلوماسية ومنع أي نفوذ الا للدولة اللبنانية وضبط كل سلاح خارج اطار الدولة>>. وعن تحالف العماد عون مع <<حزب الله>> يقول <<ان طرح <<حزب الله>> واضح. هو نابع من ايديولوجية محددة لا أعرف الى أي مدى يمكن أن تتلاءم مع طروحات المسيحيين التاريخية. نترك للايام أن تثبت ذلك>>.

من 14 شباط 2005 الى 14 شباط 2006 سنة من المآسي والانجازات بالنسبة الى المسيحيين. اغتيالات, انتصارات، انكسارات، انتخابات، تحالفات. باختصار هو عام التحولات. بداية ال2005 اختلفت بشكل جذري عن نهايتها. وها هي ال2006 تبدأ و<<كل>> المسيحيين متحالفين مع <<كل>> المسلمين. <<التيار الوطني الحر>> مع <<حزب الله>>. <<القوات اللبنانية>> متحالفة مع <<تيار المستقبل>> والحزب <<التقدمي الاشتراكي>>. الاحزاب والقوى المسيحية الاخرى لها تحالفاتها ايضا.

في جردة حساب سريعة يمكن أن يعتبر المسيحيون أنه بعد عام على اغتيال الحريري كانت <<أرباحهم>> أكبر من <<الخسائر>>. لكنهم اليوم يدركون، أكثر من أي يوم مضى، أنه لا يمكن لفريق أن يربح وحده في لبنان كما لا يخسر فريق وحده. يبقى الربح الحقيقي الدائم والرهان الذي لا بد من رفعه وهو بناء الدولة الحرة العادلة الديموقراطية. دولة كل اللبنانيين التي تحترم فيها المؤسسات والقضاء والقانون. دولة المواطنة وتكافؤ الفرص والانماء المتوازن. دولة لكل الطوائف وأبعد منها. هل سيرفع المسيحيون هذا التحدي ويعودون للعب دور سبق أن خبروه في قيام لبنان؟ أم سيبقون تائهين في حسابات ضيقة صغيرة؟