الرئيس السنيورة في كلمة الى اللبنانيين والاشقاء العرب عشية القمة العربية

 

وطنيةـ28/3/2008(سياسة) وجه رئيس مجلس الوزراء الأستاذ فؤاد السنيورة عشية انعقاد القمة العربية في دمشق كلمة الى اللبنانيين في لبنان وبلاد الانتشار والاشقاء العرب هذا نصها: أيها اللبنانيون في كل أرجاء لبنان وفي بلدان الانتشار

 

أيها الإخوة والأشقاء العرب،

أيها الإخوة في سوريا الشقيقة،

 

أردْت أن أتحدث إليكم جميعا اليوم عشية القمة العربية التي تنعقد غدا في العاصمة العزيزة دمشق، متوجها في كلامي هذا أيضا، إلى أصحاب الجلالة والفخامة والسيادة والسمو والمعالي وكذلك إلى إخواني اللبنانيين والعرب والسوريين منهم بشكل خاص، بلغة الأخوة الصادقة والمصارحة.

 

لن نكشف سرا إذا ما قلنا إن العلاقات ما بين البلدين الشقيقين لبنان وسوريا لم تكن في السنوات الأخيرة علاقات سوية، ولم تعدْ كما أردْناها ونريدها علاقات طبيعية أو متينة كما ينبغي بين دولتين وشعبين جارين وشقيقين. وقد دفعتْنا مسؤوليتنا الوطنية والقومية إلى الوقوف أمام المشكلات التي تعتري تلك العلاقات بهدف التبصر في سبل معالجتها والعمل على عدم مفاقمتها.

 

لقد اتخذ مجلس الوزراء اللبناني منذ أيام وبأسف شديد قرارا بعدم المشاركة في القمة العربية العشرين. والسبب المباشر لعدم حضور هذه القمة هو التأكيد أن لبنان إنما يتمثل طبيعيا، في أي قمة عربية، برئيس الجمهورية الذي يميز بحضوره لبنان المميز بخصوصيته وتنوعه وصيغته الفريدة، وهو الرئيس العربي المسيحي الوحيد بين القادة العرب. لقد أردْنا من وراء ذلك أن نظْهر إصرار اللبنانيين على رفْض التكيف مع الواقع القائم أو التعود عليه التزاما منا بميثاقنا الوطني وبدستورنا الذي نحترم والذي توافقْنا على صيغته في الطائف، والذي تتأسس عليه قواعد جمهوريتنا البرلمانية الديمقراطية التي ارتضيناها وأردْنا العيش المشترك في ظلها. إن المثير للأسف والغضب معا أن تمضي أكثر من أربعة شهور على الفراغ في موقع الرئاسة في لبنان، لعبتْ سورية خلالها وقبلها دورا رئيسيا في احتدام الأزمة السياسية في لبنان وأسهمت من خلال تدخلها المستمر في الشؤون اللبنانية الداخلية في منْع وصول المرشح التوافقي إلى الرئاسة بالشكل الذي يتوافق مع ما ينص عليه الدستور اللبناني، كما أسهمت في عرقلة المبادرة العربية، التي أجْمع عليها الأشقاء العرب، وفي تعطيل الجهود التي قام بها الأمين العام للجامعة العربية في إطارها، وذلك في ظل استمرار التعطيل القسري لمجلس النواب اللبناني منذ أكثر من ستة عشر شهرا.

 

أصحاب الجلالة والفخامة والسيادة،

أيها اللبنانيون،

أيها الإخوة العرب،

 

إن الحكومة اللبنانية تؤكد مرة أخرى رغبتها في إقامة علاقة تعاون أخوية وصحية وإيجابية بين لبنان وسورية، ترتكز على أسس ثابتة من الاحترام المتبادل لسيادة واستقلال كل من البلدين، وعلى قاعدة عدم تدخل أي منهما في الشؤون الداخلية للبلد الآخر. وإن الحكومة اللبنانية إذ تدرك القواسم والمصالح المشتركة التي تجمع بين البلدين والشعبين الشقيقين، ترى أن ترجمة تلك القواسم والمصالح إلى سياسات وخيارات وطنية، هي أمْر يحدده كل من البلدين عن طريق مؤسساته الدستورية والسياسية، ولا يمكن أن يفرضها أي منهما على الآخر. فلم يعد مقبولا أن يجري التعامل مع لبنان لا من قبل سوريا الشقيقة ولا من قبل إيران الصديقة ولا من أي دولة شقيقة أو صديقة أو أي دولة أخرى من دول العالم باعتباره منطقة نفوذ أو ساحة مفتوحة للتقاتل ولتصفية الحسابات، وليس دولة مستقلة ذات سيادة. وعندما طالب اللبنانيون بخروج الجيش السوري من لبنان لم يطلبوا ذلك لكي يحلوا محله وجودا أو نفوذا أو وصاية أخرى من أي نوع أو من أي جهة.

 

وحين طالبوا بالتحقيق الدولي ومن ثم بالمحكمة ذات الطابع الدولي لكشف الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه أكدوا أنهم لا يطلبون الانتقام ولا يريدون تسييس العدالة بل إحْقاقها بما يردع المجرمين ويحفظ أمْن واستقرار لبنان الذي عانى من اغتيالات وتفجيرات نالت من قيادات سياسية ومدنية وروحية وعسكرية وأمنية ونخب ثقافية ومواطنين أبرياء أعزاء، فهددتْ سلامه واستقراره.

 

إن التشديد على بناء العلاقات اللبنانية السورية على قاعدة الندية والاحترام المتبادل هو المنطلق لفتح صفحة جديدة بين البلدين الشقيقين ويتطلب ذلك الالتزام المشترك بالمبادىء والتوجهات والمواقف التالية:

 

أولا:إن العلاقات بين الدولتين اللبنانية والسورية، كما هو الحال بين سائر الدول ذات السيادة، يجب أن تمر عبْر الحكومتين. وهذا لا يعني أنْ تقتصر العلاقات بين البلاد العربية- ومنها لبنان وسورية- على القنوات الرسمية. فالروابط الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بينها لا يحْسن قصْرها على علاقات رسمية بين الحكومات. بيد أن ذلك لا يعني السماح بقيام علاقات سياسية وأمنية وتنظيمية مباشرة بين أي من الحكومتين، ومجموعات أو فصائل سياسية أو حزبية أو عسكرية، في البلد الآخر، في معزل عن سلطات الدولة الرسمية، ومؤسساتها الدستورية.

 

ثانيا:إن على كل من الحكومتين السورية واللبنانية الالتزام بعدم استخدام أراضيها ممرا أو معبرا بما يمكن أن يؤدي إلى تهديد الأمن أو زعزعة الاستقرار في البلد الآخر. كما يجب أن تلتزم كل منهما بأنْ لا تستخدم أراضي البلد الآخر أو تسهل استخدام تلك الأراضي لأغراض سياسية أو أمنية أو عسكرية دون موافقة البلد المعني بصورة واضحة ورسمية.

 

ثالثا:إن إقامة علاقات طبيعية بين أي بلدين مستقلين ومتجاورين، تتطلب قيام علاقات دبلوماسية بينهما. ولذا فإن الحكومة اللبنانية ترى ضرورة تبادل التمثيل الدبلوماسي بين لبنان وسورية بأسرع وقت ممكن ودون تأخير.

 

رابعا:إن ترسيم الحدود اللبنانية الرسمية وتحديدها مع الشقيقة سورية هو أمر طبيعي وضروري ومفيد. وهو يمنع قيام مشكلات كثيرة بين البلدين الشقيقين ويدرأ مخاطرها. أما في منطقة مزارع شبعا المحتلة فإن تحديد الحدود على الخرائط بالتوافق بينهما ينبغي أن يعطى أولوية قصْوى. ذلك أنه من شأن هذا التحديد أن يساعد لبنان في تحرير أرضه بمقتضى القرار الدولي رقم 425. وإن لبنان الذي يرفض إقامة سلام منفرد مع الكيان الصهيوني، يريد إعادة العمل باتفاقية الهدنة استنادا إلى ما نصت عليه النقاط السبع التي أقرها مجلس الوزراء اللبناني وأقرها كذلك مجلس وزراء الخارجية العرب، ولاسيما في ما خص تحرير مزارع شبعا، وإعلان وقف دائم للنار كما هو منصوص عليه في قرار مجلس الأمن رقم 1701. إن هدفي التوصل إلى إعادة العمل باتفاقية الهدنة، وبسْط سلطة الدولة على جميع الأراضي اللبنانية، لا ينبعان فقط من القرارين الدوليين السالفي الذكر، بل وهما من أسس اتفاق الطائف والدستور اللبناني.

 

ولذلك، فإننا نطالب الشقيقة سورية، ولهذه الأسباب كلها، بالتعاون والإعلان الصريح عن تأييد لبنان في جهوده وأهدافه الوطنية والقومية المحقة هذه، لدفْع الأخطار الجسيمة التي تحيق به، وصون الحقوق الوطنية والقومية.

 

خامسا:انطلاقا من اتفاق الطائف، ودعما للاستقرار، وحماية للبنان من الإرهاب وفوضى السلاح، فإن اللبنانيين أجمعوا في مؤتمر الحوار الوطني على ضبْط الأمن والسلاح داخل المخيمات الفلسطينية، وإزالة معسكرات ومراكز الفصائل الفلسطينية المسلحة خارجها. ولتحقيق ذلك، ونظرا لوجود فصائل مرتبطة بالسلطات السورية في تلك المعسكرات الحدودية وداخل الأراضي اللبنانية وفي بعض المخيمات الفلسطينية، فإن تجاوب السلطات السورية وتعاونها لإزالة المعسكرات خارج المخيمات، وكذلك تعاونها في معالجة قضية السلاح وضبْطه داخل المخيمات الفلسطينية، هو أمر حيوي لأمْن لبنان واستقراره وسلامه الداخلي.

 

سادسا:إن تفاهما جديا بين لبنان وسورية برعاية الجامعة العربية على المبادىء والخطوات التي ذكرْتها بالإضافة إلى قضايا أخرى يجب إيجاد حل لها مثل قضية المفقودين والمعتقلين اللبنانيين في سجون سوريا، من شأْنه أن يضع العلاقات بين البلدين على مسار جديد، مسار الأخوة الصادقة وحسن الجوار، فتعود الأمور إلى حيث يجب أن تكون بين بلدين شقيقين وجارين سيدين ومستقلين ترْبطهما أواصر تاريخية وثيقة. ويشد من أزْر تلك الصلات ويزيدها ترسخا الانتماء العربي الواحد والمصالح الحقيقية المشتركة بين الشعبين الشقيقين.

 

الملوك والرؤساء العرب،

أيها اللبنانيون،

أيها الأشقاء في سورية العربية،

 

إن لبنان الذي تحمل من أعباء القضية الفلسطينية والقضايا العربية الأخرى الكثير والكبير دونما منة أو إرغام، باق على التزامه بالقضايا القومية، التي يقتضيها انتماؤه العربي، وتقتضيها مصلحته وبالتعاون الوثيق مع أشقائه العرب.

بيد أن الدولة اللبنانية بأوضاعها الحاضرة: بالفراغ في رأس الدولة، وبإقفال مجلس النواب، وبآثار العدوان الإسرائيلي الأخير التخريبية واستمرار الاحتلال الإسرائيلي لمزارع شبعا وعدوان إسرائيل المستمر على الأجواء والمياه اللبنانية وإبقاء المعتقلين اللبنانيين في السجون الإسرائيلية، وبالأزمة السياسية المستحكمة، لا تستطيع النهوض بواجباتها نحو مواطنيها على الوجه الأكمل، فضلا عن الالتفات للحاضر والمستقبل وتحدياتهما، إلى جانب شقيقاتها العربيات، والعالم الأوسع. ولذلك فإنها تتطلع عبْر هذه الحكومة إلى استمرار الاهتمام العربي، واستمرار الدعم العربي، على أساس من الانتماء والالتزام والإيمان بالعمل العربي المشترك، والمصلحة العربية المشتركة.

 

لقد كان العرب كبارا في دعمهمْ لبنان في الحرب والسلْم والرخاء والشدة وما يزالون. وسنبقى أمناء في لبنان لأنفسنا وانتمائنا وعروبتنا ومستقبلنا بالعرب ومعهم وجودا ومصائر، ومن أجل هذه القيم المشتركة كلها قدم لبنان الشهداء في مواجهة العدو، وتحمل الأعباء الكبار وبإرادة أبنائه وفي سبيل هذا الانتماء الكبير والعظيم.

 

ما ذهبْنا إلى القمة بدمشق، لأننا نرفض الذهاب بدون رئيس. ولقد امتنعْنا أيضا عن حضور القمة في دمشق بسبب السياسات والممارسات التي تنتهجها الشقيقة سورية تجاه لبنان، والتي هي أحد أهم عوامل الأزمة السياسية المستمرة والمتفاقمة، وأهم مظاهرها الآن الفراغ في رأس الدولة اللبنانية.

 

إن العرب يعتبرون لبنان وتجربته النادرة المثال، عنوانا حضاريا رئيسيا من عناوين وخيارات أمتنا الباقية. ولذا تففإننا على ثقة بأن استنقاذ لبنان الوطن، ولبنان الدولة، ولبنان الصيغة، يبقى مرتكزا مهما في تفكير العرب بحاضرهم ومستقبلهم.

 

إن لبنان لا يرى مظلة خيرا من المظلة العربية، ولأن العروبة ينبغي أن تظل الدرع التي تحمي ولا تهدد، وتصون ولا تبدد، فإنني أطالب القادة العرب بوضع مسألة العلاقات اللبنانية السورية في مطلع الأولويات بما في ذلك الوصول إلى الدعوة لعقد اجتماع خاص لوزراء الخارجية العرب في أقرب وقت ممكن لمعالجة التأزم في العلاقات السورية- اللبنانية. فهذا هو عمل الجامعة، أي العناية بالعلاقات بين الدول العربية، وتفعيل العمل العربي المشترك.

 

سيبقى لبنان وطنا عربيا حرا سيدا مستقلا.

عاش التضامن العربي من أجل نصْرة قضايا الأمة العربية ومستقبلها.

عشتم وعاش لبنان.