لا للراعي ولكل رجال الدين الذين لا يفرقون بين الظالم والمظلوم

بقلم/الياس بجاني

 

(جريدة الحياة/10 نيسان/13: "استقبل الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أمس البطريرك الماروني بشارة الراعي في قصر الإليزيه في باريس، بعد أن كان الراعي التقى وزير الخارجية لوران فابيوس. وقال مصدر مطلع لـ «الحياة» إن الراعي الذي عقد خلوة مع هولاند بعد لقاء حضره وفدان من الجانبين، «أبدى قلقه من تهجير المسيحيين الأرثوذكس من سورية» داعياً إلى «حل سياسي» فيها، ومعتبراً أن «الرئيس بشار الأسد ليس أسوأ ممن يحاربون في سورية». كما أبلغ الراعي فابيوس أن الأسد «مستعد للحوار". وقالت مصادر إن لقاء هولاند - الراعي بدأ بجلسة موسعة تبعتها خلوة بين الرئيس والبطريرك. وقالت المصادر إن هولاند سأله عن «حزب الله»، فأجابه الراعي بأنه «يتحادث مع الحزب الذي يمثل الطائفة الشيعية في لبنان، ولدي علاقات مع جميع الطوائف في لبنان").

 

من موقعنا الاغترابي نشجب كل ما قاله البطريرك الراعي في فرنسا والذي ساوى بجحود  بين القاتل والقتيل، وبين الظالم والمظلوم، وبين الجلاد والضحية. كما نشجب كل سلوك أعوج يقترفه رجال الدين والسياسة في وطننا خشية من أن تنطبق علينا مقولة "الساكت عن الحق شيطان أخرس". ولمن يعنيهم الأمر نقول: "لا ليس من أحد يمكن أن يكون له كمال الله له المجد مهما سما لأنه خاضع لشريعة النقصان. لذلك نحن ضد كل رمز ديني أو زمني لا فرق يتخطى الثوابت المألوفة ويساند أنظمة القتل والإجرام ويسويّق للمنظمات الإرهابية والأصولية. إن التغطية والتستر والمسايرة هم وجوه من الجبن والخيانة وقلة الإيمان، وهم منافين للكرامة ولكل أسس التقوى والإيمان.

 

لا، ليس كفراُ ولا خطيئة لوم راع مشاكس ومتعال ومغرب عن الرجاء ومجرد من حنان الناصري ومن تواضعه. ونحن إن ننشر غسيلنا لأنه بحاجة إلى الشمس والهواء، ولأن العفونة قتلتنا بكريه الروائح والأذى. إن عملية التستر والاختباء مراوغة دمرتنا ونحن نقول "عيب. وهل يشفى جرح بدون اندمال؟ على كل منا ومن موقعه الحفاظ على الودائع والأمانات والوزنات، والذين لا يرتضون الجهر بالحقائق يكونون كلاحس المبرد مغشى على عيونهم، وأذلاء، وجبناء ومرضى في نفوسهم العفنة ويعيشون في كهوف حقارتهم. إن التركة ليست ملكاً للوصي ومن حق أهل البيت الاعتراض لتصحيح المسار من أي التواء ولوضع السكة على الخط السليم. نعم هناك رعاة لا نرى صورة الله على وجوههم، وهم لا يشبهوننا ومن عداد الجهلاء والإسخريوتيين. هؤلاء خانوا الأمانة وكفروا بالثوابت والتاريخ والقيم. نقولها علنية وبالصوت العالي وبقناعة تامة وراحة ضمير هؤلاء لا يستحقون أن يتوكلوا بنا أو أن يتولجوا أمرنا، والله شاهد على ما نقول.

 

نسأل، ما هي قيمة الإنسان وأين هو موقعه في هذه الدنيا الفانية إن كان بلا كرامة، وبلا مواقف محقة، وبلا وجدان حي، وبلا إيمان، وبلا ضمير ولا يخاف الله؟ وماذا يبقى من هذا الإنسان الراضي بالذل والخنوع والعبودية وهو يعيش مفاهيم الإنسان العتيق بكل غرائزه والنزوات طبقاً لشريعة الغاب.  "من ليس معي هو ضدي، ومن لا يجمع فهو يبدد"، هذا ما قاله السيد المسيح واضعاً الأساس الصلب والواضح للمواقف العادلة والمحقة في الحياة التي يتوجب على الإنسان أن يتخذها علنية ويتحمل نتائجها دون تقية وذمية ومحاباة. وقد قيل "إن الحياة موقف" ومن لا موقف له انتفت مبررات حياته.

 

من هذا المنطلق الإيماني الصرف، منطلق المواقف الواضحة نقارب ممارسات وخطاب وتحالفات ومواقف كل من يتعاطى الشأن السياسي اللبناني أكان رجل سياسة أو ناشط أو رجل دين أو مسؤول. وعملاً بقول بولس الرسول: "لو أردت أن أساير مقامات الناس ما كنت عبداً للمسيح"، لا نحابي ولا نتملق ولا نساير ولا نقول غير ما يرضي الله وضميرنا ويحترم كرامة وعقل إنساننا ويصون تضحيات الشهداء ويحترم الحقوق والشرائع.

 

يأخذ علينا البعض القسوة والوضوح في مواقفنا العلنية المنتقدة بشدة. وقد وصل الأمر عند البعض إلى اتهامنا المس بالمقدسات على حد تعبيرهم لأننا نسلط الأضواء الكاشفة والفاضحة باستمرار على مواقف وتحالفات غبطة البطريرك بشارة لراعي والمطران سمير مظلوم التي نرى فيها تعدياً صارخاً على ثوابت الصرح البطريركي الماروني الذي أعطي له مجد لبنان، وعلى كل ما هو ماروني وإيماني وحق وحقوق وإيمان ورجاء. نحن نجل المواقع، خصوصاً الدينية منها، ولكننا ننتقد كفر وجحود الجالسين على كراسيها الذين يتاجرون بها وبكل ما هو قيم ومبادئ وثوابت وحقوق.

 

تعلمنا الكتب المقدسة كافة، وكذلك مجلدات التاريخ، أن الأشخاص زائلون، وأنهم من التراب جبلوا وإلى التراب يعودون، أما القضايا فباقية وكذلك الأوطان. لذلك نرفض شكلاً ومضموناً أن نعبد من هم بشر مثلنا من رجال الدين والسياسيين وقادة الأحزاب. فمن المفترض أن هؤلاء القادة الزمنيين والروحيين يعملون لخدمتنا وخدمة الوطن وليس العكس. إلا أنه ورغم زمن المحل الذي نعيش سنواته العجاف توجد والحمد لله في مجتمعاتنا شرائح مؤمنة وجريئة وشجاعة ومباركة وناضجة تشهد للحق وتتبنى المواقف الوطنية والإيمانية دون خوف أو خجل وهي الخميرة التي سوف تخمر الوطن كله وتعيد له الاستقلال المسروق والسيادة المنتهكة والحريات المصادرة. إن العيب ينخر مجتمعاتنا اللبنانية، والعار يفترس الكيان، والفوضى تعم البلاد، والكرامات مهانة، والأمن متفلت، والقضاء مسيس، والإرهاب منفلش، فيما القيمون خرسان لا ضمير ينخزهم، ولا يجلدهم وجدان، ولا فرق عندهم من عاش أو مات. لقد بلغوا بنا حدود الكفر والجحود.

 

من الرعاة من تحولوا بسبب قلة إيمانهم وخور رجائهم وعبادتهم لتراب الأرض، تحولوا إلى ذئاب تعبث بالقطيع وتفترسه. هؤلاء الرعاة منهم من هو مأجور، ومنهم من هو عن العمل عاطل، ومنهم من أعطى لنفسه إجازة، والبقية الصالحة شبه مفقودة أو عاجزة ومحظور عليها الكلام. هل من يضع على الجرح الإصبع ويشير إلى المرض المزمن والخبيث يكون على ضلال؟ وهل من يرفع الصوت بوجه من يعتدي على المبادئ والقيم والثوابت والتاريخ والوطن والمواطنين هو بكافر؟ وهل تجوز المسايرة على حساب أسس الإيمان والأخلاق والتقاليد؟ وألا نكون في أسفل دركات الإسفاف والانحطاط إذا سكتنا والانهيار يعيث فساداً، والإذلال يعبث بنا، والرعاة اسخريوتيون وملجميون ومرتزقة وأجراء ومنافقون؟

 

في الخلاصة، من بمقدوره القبول براع متعال ومتكبر وطاووسي وأناني وعابد للمال يطيح بالمسلمات والثوابت ويركب الهوس رأسه فيرتكب الأخطاء والخطايا ويتصرف على هواه بمقدراتنا في اتجاه معكوس وما من رقيب؟

من منا بإمكانه القبول بالدكتاتورية والتهور والاستبداد والتشبث في عصر يرفع الإنسان فيه لواء الشرائع والحقوق والمساواة والعدل والحريات؟

ومن قال إن رجل الدين هو معصوم عن الخطأ ومحصن ضد تجارب الشياطين؟ ومن بمقدوره منع المؤمنين والمواطنين الشرفاء من تسمية الأشياء بأسمائها والشهادة للحق والتصويب والنقد والتصحيح؟

يبقى، إن كل مسؤول ديني كائناً من كان، وأياً تكون رتبته لا يمارس دور الخادم الأمين ويتجبر ويتعال ويخالف أسس الإيمان يكون قد خرج عن أطر رسالته وبالتالي يجب أن لا يطاع ومن الضروري عزله.

 

ومع النبي اشعيا (05/20/21/23/24) نصرح بصوت عال: "ويل للذين يدعون الشر خيراً والخير شراً، الجاعلين الظلام نوراً والنور ظلاماً، الجاعلين الحلو مراً والمر حلواً. ويل للحكماء في أعين أنفسهم، العقلاء في نظر ذواتهم. ويل للذين يبررون الشرير لأجل رشوة، ويحرمون البريء حقه. فلذلك كما تأكل ألسنة النار القش، وكما يفنى الحشيش اليابس في اللهيب، يذهب كالعود النخر أصلهم ويتناثر كالغبار زهرهم".

 

الكاتب معلق سياسي وناشط لبناني اغترابي

*عنوان الكاتب الألكتروني

 phoenicia@hotmail.com

*تورنتو/كندا في 11 نيسان/13