من يدحرج صخرتي الذمية والتقية عن وطن الأرز ؟

بقلم/الياس بجاني

 

إن قيامة السيد المسيح من القبر هي الصخرة الأساس في صرح الإيمان المسيحي والرجاء.

 والإيمان بتعاليم الله وكتبه المقدسة والرسول هو ما يولي المؤمن الطمأنينة والقوة والثبات، ولو كان في قلب العاصفة. كذلك السياديون الشرفاء هم عماد وفخر وطن الأرز وعظمة رسالته والعطاءات.

 

إنهم المؤمنون بهوية مميزة، تاريخ عريق، جذور متأصلة وفرادة ربانية.

إنهم حاملي رايات الحريات، والقانون وشرعة الحقوق.

 

إنهم حماة وطن الكيان السيد الحر والاستقلال الناجز.

هؤلاء الأشاوس الممتلؤن نعمة وعنفوان لم ولن يركعوا أو يهدأ لهم بال قبل إحقاق الحق، وقبل عودة مُشَّرِفة غير مشروطة لكل لبناني معتقل أو مبعد أو مغرب دون وجه حق.

اليوم هو يوم الرب، يوم قيامته من القبر وقهره للموت وكسر شوكته.

 

اليوم هو عيد الحياة الذي يعيشه المؤمن على الأرض ويكمله مع الله في الأبدية التي لا يغيب لها شمس. يقول القديس يوحنا: "هكذا أحب الله العالم حتى وهب ابنه الأوحد". أجل الله أحب العالم فأرسل إليه ابنه متجسداً لينشله من مهاوي الخطيئة ووهاد الهلاك.

 

لقد خلق الله الإنسان على صورته وأنعم عليه بالبصيرة حتى يميز بين الطهر والفساد، وبين سبل البقاء والفناء. إن من منا يقبل الفساد الروحي أو المادي أو الأخلاقي، ويسكت عن الظلم ولا يشهد للحق، فهو يرفض تعاليم المخلص والوصايا ويرفض نعمة القيامة معه.

 

اليوم وطرق الخلاص واضحة المعالم والمسالك، علينا نبذ الفساد ومقاومته وهو الذي يتسلل إلى العقول والقلوب بسبب قلة الإيمان وخوار الرجاء، فيصبح المتعثر رجائه منا عبداً لأنانياته والشهوات، والمثال الصارخ الذي يصفع الضمير ويخبُط الأخلاق يتجسد اليوم في أقوال وأفعال وكفر معظم رعاة وحكام وسياسيي وقيادات وطننا الأم المنكوب بهم وبضمائرهم العفنة.

لن نستسلم للخوف ونذعن لإغراءات ضعفنا والغرائز ونحن شهود على قيامة أبن الإنسان من الضريح وظفره الموت؟ نحن قوم لا نخاف الموت لأننا نؤمن أن موت وقيامة المخلص هما اسطع دليل على أن الموت بوابة عبور للحياة، وينبوع عزاء للمؤمنين الذين يعيشون رجاء القيامة.

 

ونحن نحتفل اليوم بذكرى القيامة المجيدة، لا يسعنا إلا أن نتذكر أولئك الشهداء الأحياء من أبناء شعبنا اللبناني المعتقلين اعتباطاً وافتراءً في السجون السورية التيمورلنكية، ومعهم نتذكر كل المغيبين والمفقودين من أبناء أطياف وشرائح وطننا كافة. ونتذكر أيضاً أهلنا الشرفاء والأبطال الذين أُبعدوا عنوة عن أرض جنوبنا الحبيب عام 2000 بسموم الأصولية والغدر والخيانة والقتل والإرهاب. إنه وبعد مرور سنة ونيف على تحرير الوطن فهؤلاء الأبرار لا يزالون في غربتهم فيما الغرباء يسرحون ويمرحون في أرضهم وقراهم والحقول. 

 

من أجل جميع هؤلاء المحرومين بهجة العيد، المغربين عن الدار والديار، ومن اجل كل من قدم نفسه قرباناً على مذبح لبناننا الحبيب لنعيش مرفوعي الرأس، ومصاني الكرامة، نصلي اليوم ونطلب من الذي قهر الموت أن يُعجل في قيامة لبنان من غياهب الظلم ومهالك انتهاكات الحقوق والواجبات.

 

اليوم نصلي من أجل خلاص وشفاء كل المصابين بعاهات ولعنات إفلاس القيم والأخلاق، آفات التقية والذمية، وعاهات التزلف والخوف من الشهادة للحق.

ربي مع قيامتك نجي أبناء شعبي من جشع حيتان المال، من جور تنانين المافيات، من ثقافة التعصب، من خطيئة رفض الآخر، من فساد وإفساد الفكر والأخلاق، من مهاوي الضغينة والأحقاد، من نزعتي الأنانية والاستعباد، من نار الكذب والنفاق، من زيف الانتماء والفرقة، ومن مكائد الشر والأشرار.

 

ربي لا تترك حكامنا والسياسيين أن يأخذوا الحرية من شعبنا، أو يغيبوا العطر والجمال والصفاء عن سماء وطننا. ربي ابعد عن لبناننا بشاعتهم وفظاظتهم والسواد. فهؤلاء لا يريدون أن يبصروا، أو أن يسمعوا، ولا إلى السماء يحدقوا أو يحلقوا. إنهم لا يريدون أن يتركوا الأرض ولا السماء.

 

نجنا من حكام وسياسيين لا فرق بينهم وبين قايين الذي قتل هابيل، ولا بينهم وبين بلاطس المتردد والانتهازي الذي أسلم يسوع للمرائين حفاظاً على منصب. 

السياديون هم كأرز وطنهم صامدون، وكجباله شامخون، وكسمائه أنقياء القلوب وكحقوله معطاءون. إنهم الفرح والمحبة، والحب والحياة. إنهم الأمل وبدونهم يصبح لبنان عجوزا مسناً قريباً من الموت.

 

لا، لن يأبه السياديون لزبانية الظلم ووحشيتهم. فقد انتفضوا وأثبتوا قولاً وفعلاً أن وطنهم باق وأن ثورتهم "ثورة الأرز" مستمرة بزخمها والتضحيات رغم كل المندسين والمشككين واليوداصيين وتجار الهيكل.

 

يقول بشير الأمم بولس الرسول: "والله أقام ربنا، وهو سيقيمنا بقوته نحن أيضاً".

وإذا كان المخلص قد قام من بين الأموات، فسيقوم معه كل المؤمنين والشهداء من شعبنا في اليوم النهيوي الأخير حيث يعود مظفراً محاطاً بالملائكة والقديسين ونافخي الأبواق والأبرار الذين سيضيئون كالشمس في ملكوت أبيهم.

 

يا شباب وشيوخ بلادي، يا أيها الأمهات والأباء انتم الحب والرجاء وحب كل من يحب لبنان. حفظكم المصلوب وحفظ لبنان.

المسيح قام حقاً قام.

 

16 نيسان 2006