الأستاذ "الزمخشري".

بقلم/الياس بجاني

 

في مؤتمره الصحافي الثلاثاء الماضي أدخل الأستاذ نبيه بري مصطلحاً جديداً على اللغة السياسية الهابطة في لبنان هو "الزمخشرية"، واعترافاً منا له بهذا الفتح اللغوي قررنا نعته به، علماً أنه والحق يقال لم يترك وسيلة "العوبانية" وشعبوية ولغوية رخيصة إلا وامتطاها في محاولة يائسة منه للإستهزاء بذكاء اللبنانيين وقلب حقائق الصراع اللبناني السوري القائم منذ إجبار الأسد الشبل على سحب جيشه من لبنان سنة 2005، والتعمية على حقيقة خيوط عنكبوت قصر المهاجرين التي تلتف حول رقبته، إن لم نقل الريموت كونترول الشامي الذي يحركه ويتحكم ليس فقط بلسانه وقراراته، بل بأوكسجين وثاني أوكسيد الكربون الهواء الذي يستنشقه.

 

بالطبع هذا الأسلوب في تعاطي "الأستاذ الزمخشري" مع اللبنانيين "أسدياً" والاستماتة من قبله في احتواء كل تحرك ومطلب لبناني محق ومن ثم تعطيله وتفكيكه إن لم يكن في مصلحة الحكم البعثي لجهة إبقاء هيمنته على وطن الأرز والاستمرار في استعباد وإرهاب شعبه، هو ليس أمراً مستغرباً ولا جديداً على ممارسات وأدبيات "زلمة" سوريا الأول في لبنان منذ السبعينات، وسجله حافل في هذا المجال ويغني عن طول شرح واستفاضة في سرد الكم الكبير من الأذى الذي تسبب به لوطنه وناسه من خلال تسخيره مجلس النواب ومنذ سنة 1992 لخدمة أطماع ومخططات سوريا وإجرامها والهرطقات.

 

إلا أن الأستاذ تخطى أول من أمس كل الخطوط واللياقات وكشف كل أوراقه وعوراته والفرمانات. قال ودون أن يرمش له جفن: "لقد توافقت مع الشيخ سعد الحريري على كل شيء ولم  يبق إلا الاتفاق على 19 + 11". عجيب هذا الرجل، فعقله "المسورن" يوهمه أن اللبناني مواطن ساذج وبالإمكان التعاطي معه بهذا الأسلوب السطحي والاستغبائي.... نعم، لم يبق إلا أن ترضخ الأكثرية التي يمثلها الحريري وتُسلِّم سوريا قرار الحكومة اللبنانية لإلحاقها برئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب المسورنين.

 

غريب أمر هذا "الزمخشري" ومحير أسلوب إنكاره للحقائق التي لم تعد خافية حتى على الأطفال، فهو يتصرف وكأنه يعيش في بلاد الواق واق ولا يعلم علم اليقين أنه لم يبق نائب ولا سياسي واحد من تجمع 14 أذار الأكثري نيابياً إلا وأعلن مراراً وتكراراً أن أمر تسلِّيم قرار الحكومة لجماعة سوريا في لبنان غير وارد اطلاقاً وهو في حال حدوثه يعني إعادة الاحتلال السوري إلى البلاد مجدداً وتفريغ ثورة الأرز من كل انجازاتها.

 

نعم لقد بق الأستاذ بحصاً ولكنه بحص سوري بامتياز، وكان في كل كلمة خرجت من فمه سوريا أسدياً وبعثياً لا علاقة له بلبنان ولا باللبنانيين. كان مجرد معيّن يقوم بتنفيذ فرمانات من عينه.

 

طمئن المهتمين بانتخابات رئاسة الجمهورية إلى إنهم "لن يصلوا إلى العشرة أيام الأخيرة، فقبل شهرين ومن ضمن المهلة الدستورية سأدعو إلى جلسة وجلستين وأكثر، ولكن دائما من ضمن الدستور. فليخرجوا من هذه التفسيرات "الزمخشرية". لا نصاب لانتخاب رئيس من دون الثلثين". وتوجه إلى النائب وليد جنبلاط بالقول: "ليس نبيه بري من يغير كلامه، وليس نبيه بري أسيراً أو مأسورا. وليس هو من يخون أمانة المؤسسات الدستورية".

إذا هو يؤكد أنه سيعقد جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية، ولكن فقط بحضور ثلثي النواب وهما هو يفسر الدستور هرطقياً على هوى ونوى من عينه، ويتكلم بلسان سوريا الأسد وبلغة كل أطياف المعارضة الانقلابية، وإن لم يهدد بكسر الرقاب والمعارك الدموية وينعت تجمع 14 أذار بالهبل والبناديق كما فعل حليفه جنرال الرابية التيمولنكي المنقلب على ذاته وعلى كل ماضيه وطروحاته.

 

قال الأستاذ: "إننا معنيون بهذه المحكمة ونريد أن نناقش ونمشي بإيجابية بعد أن نزيل من مشروع تشكيلها كل النقاط التي لا علاقة لها بكشف الحقيقة". يا إلهي، ألهذه الدرجة يعتقد من عطل مجلس النواب أن اللبنانيين سذج وبالإمكان استغباؤهم والقفز فوق ذكائهم؟ مَن مِن أهلنا لا يدرك ودون أدنى شك أن ما يسعى إليه الأسد وبعد أن فشل في أمر تمرير المحكمة دولياً هو تفريغها من محتواها واقتلاع أسنانها حتى لا تطاوله وتبقى بعيده بقوانينها عن أخيه وصهره وبطانته والمتهمين الأساسيين في جريمة اغتيال الرئيس الحريري وكل الجرائم التي سبقتها وتلتها.

 

هذا وجدد بري وصفه حكومة الرئيس السنيورة بأنها "غير شرعية وغير دستورية ولن تمثل أمام مجلس النواب". علماً أنه كان ومن إيران قال وعلناً أنها شرعية ولكنها غير ميثاقية وهي من حقها تعيين وزراء شيعة مكان الذين استقالوا، إلا أنه عاد ولحس تصريحه هذا وهنا الأمر لا يحتاج لضرب أخماس بأسداس لمعرفة من أجبره على لحس التصريح والقول بما يناقضه.

 

يحدث الأستاذ اللبنانيين عن الضمانات العربية لبنود ورقته ويتبجح ويُحمِّل غيره مسؤولية الفشل وكأن في الأمر هذا انجازاً وفتحاً،ً متناسياً وعن سابق تصور وتصميم أن فاجعة رزمة ضمانات اتفاقية الطائف التي تعهد بها الحكام العرب كافة ولم ينفذ منها ضمانة واحدة قد محيت من ذاكرة اللبنانيين.

 

تحدث الأستاذ عن "الميليشيات غير الرسمية التي تحولت وارتدت السموكينغ" وعن عمليات تسليح وتدريب تحصل بأشكال وتحت مسميات مختلفة. عجبي ما هذا التعامي الانتقائي عن 20 ألف صاروخ بحوزة حزب الله وعن ضخامة وتنوع ترسانة سلاحه التي تفوق ما لدى جيش البلاد مرات ومرات، وعن ميليشيا هذا الحزب وسجونه ومربعاته الأمنية ودولاراته النظيفة، وحقيقة إمساكه بقرار الحرب والسلم، وشاحنات السلاح "التبنية والشعيرية"، وعن السلاح المصادر من الحزب القومي وعن كل الجرائم والاغتيالات والاعتصامات الانقلابية؟ لا، لا الشعب اللبناني لن ينخدع وهو ليس بالسذاجة التي يتوهم أمرها الأستاذ الزعيم اليميشياوي بامتياز.

 

يبقى أن وطن الأرز، وفي ظل الوضع المأساوي القائم، وبنتيجة الأدوار الشيطانية المدمرة التي يقوم بها الأستاذ بري وحزب الله وجنرال الرابية التيمورلنكي وباقي أيتام سوريا عندنا، لم يعد بقادر على حكم نفسه دون مساعدة ومساندة الأمم المتحدة المباشرة وعلى كافة الصعد. لقد بات من الضرورة بمكان إعلان لبنان بلدا منكوبا وتسليم أمر أمنه للقوات الدولية تحت البند السابع وفوراً، ليس فقد على الحدود مع سوريا وإسرائيل، بل أيضا في الداخل بالأخص على حدود دويلة نصرالله - بري وملحقاتهما.

 

كندا في 22 أذار

عنوان الكاتب الألكتروني

Phoenicia”hotmail.com