الناعمة: أحمد جبريل وأنفاق النفاق

بقلم/الياس بجاني

 

التمني كل التمني أن يضع القادة الذين سيتحاورون غداً الخميس نصب أعينهم مأساة أهلهم وناسهم في بلدة الناعمة والمعانات في أولى سلم أولوياتهم، وإلا فلا مصداقية ولا جدية لكل طروحاتهم والجهد.

 

لا أدري إذا كان قادة وطني الأم ومسؤوليه والمراجع وخصوصاً من سيتحاورون غداً يقدِّرون فعلاً خطورة أنفاق أحمد جبريل ومنظمته في بلدة الناعمة. هذه الأنفاق المحفورة وخلافاً لأي شرعة وقانون تحت بيوت عدد لا بأس به من عائلات تلك البلدة المنكوبة - الرهينة. إن هؤلاء اللبنانيين المبتلين بدولتهم وقياداتهم والشقيقة الشقية يسكنون في بيوت وهم يعلمون أن قوى عسكرية غريبة تقيم تحتها في أنفاق هي بالواقع مخازن لأسلحة فتاكة من صواريخ مدمرة وغيرها!!

 

كنت اعلم منذ سنين أن في الناعمة أنفاق لقاعدة عسكرية فلسطينية تابعة لجماعة جبريل البعثية، لكنه لم يخطر ببالي أبداً أن الأنفاق هذه موجودة تحت منازل أهل البلدة من المدنيين المساكين.

 

عندما شاهدت تقرير تلفزيون المؤسسة اللبنانية للإرسال الأسبوع الماضي حول هذه المأساة واستمعت إلى شكاوى أهل البلدة عقب تعرضها للقصف الإسرائيلي، لم أصدق وحاولت إقناع نفسي أنني أشاهد فيلم خيالي لا يمت للواقع بصلة. صعقت مما شاهدت وفجعت بما سمعت. فوراً قمت بالاتصال ببعض الأصدقاء والمعارف من داخل لبنان وخارجه، من أبناء المنطقة (الناعمة) فأكدوا لي صحة كل ما ورد في التقرير المشؤوم.

 

لن نعود إلى ما مضى من سنين حروب الآخرين على أرضنا لتحديد المسؤولين عن هذه الجريمة، علماً أن المسؤولية الأخلاقية والإنسانية والوطنية تطاول كل مسؤول لبناني وغير لبناني رضي بإقامة هذه الأنفاق، تعاون مع الجهات التي أقامتها، أو صمت عن حقيقة وجودها واستمراريتها.

 

يبقى أن ما كان يصح السكوت عنه أو مماشاته خوفاً أو ضعفاً قبل اندحار المحتل السوري لم يعد مقبولاً الآن في ظل استقلال التغني بثورته والانتفاضة أمسى الشغل الشاغل للكثيرين.

المطلوب أن يتصور قادة لبنان بتلاوينهم والعباءات والجبب كافة، أن تحت قصورهم- القلاع المحصنة أنفاق كتلك الموجودة في الناعمة. المطلوب أن يضع كل صاحب ضمير من أهلنا وإلى أي شريحة انتمى نفسه في موضع أهل الناعمة ومن ثم على هذا الأساس يتصرف انتفاضاً ورفضاً وعنفواناً.

 

بالله عليكم كيف يمكن لكل لبنان أن يرضى أن تعيش عائلات بلدة مسالمة على براميل بارود لا أحد يعرف متى تنفجر لتفتك بما عليها من بيوت وتمزق أجساد كل  من يقيم فيها من أطفال ونساء وعجزة وشباب.

 

لا والله إن هذا تخلي معيب عن حقوق ومواطنية وأمن وكرامات أهل الناعمة. إنهم وحدهم المقيدين فوق براميل بارود "جبريل والأسد" دون معين. عيب هذا السكوت الدوني والجبان عن حقيقة أن هؤلاء المنكوبين هم رهائن في وطنهم وداخل بلدتهم والبيوت يعيشون الرعب والخوف والاضطراب والقلق على مدار الساعة. هذا الصمت واللامبالاة ليس من شيم "وطن الرسالة" ولا هو من أدبيات وأخلاق شعب لبنان العظيم.

 

عار وألف عار أن يستمر هذا الوضع الفاضح، الصادم واللاانساني ولو ليوم واحد آخر، خصوصاً وأن الأمر قد حسم وطنياً واتخذ القرار بشأنه على طاولة الحوار بالإجماع. كما أنه محسوم دولياً منذ مدة ومغطى بقرارات صادرة عن مجلس الأمن، وهو يلقى دعماً عربياً واضحاً، والأهم أنه يحظى بتأييد علني من السلطات الفلسطينية التي تمثل فعلاً الشعب الفلسطيني.

فليتحرك جيش الوطن بكل ما لديه من عدة وعديد ليعيد للناعمة لبنانيتها والعنفوان، ولأهلها المنكوبين أمنهم واطمئنانهم وراحة البال والسلام.

 

نعم الجيش قادر على تنفيذ المهمة وهو بالأكيد لن يتردد ولو للحظة واحدة في القيام بواجب الذود عن حرية ناسه المقدسة، وفي أمر تطهير كل حبة تراب من وطننا دنسها رجس محتل، وهوس مستهتر، وتعدّي متطاول تحت أي ذريعة أو مبرر كان.

 

فلتكن الناعمة الخطوة الأولى في مسيرة التحرر بعد التحرير، على أن تليها الخطوات اللازمة كلها لبسط سلطة الدولة بشرعيتها والقانون وبواسطة قواها العسكرية الذاتية على كامل المساحة اللبنانية وحصر السلاح، كل السلاح بها فقط.

 

تحية من القلب لأهلنا في الناعمة الذين ورغم كل المضايقات والتعديات المعطوفين على كفر الأقربين والأبعدين صمدوا في بيوتهم ورفضوا مغادرتها.

 

إن إيمانكم والرجاء يا أحباءنا في الناعمة هما أقوى وأمضى من كل سلاح ومسلح بغير الأرزة الخالدة، وتأكدوا أن من كان الحق بجانبه هو الظافر أبداً.

 

إن الفرج آت بإذنه تعالى كما شمس الحرية، ولا وألف لا لأنفاق النفاق.

 

في 7 حزيران 2006