لبنان هو لبناني الهوية والقومية، ونقطة على السطر

بقلم/الياس بجاني

 

بمناسبة وبدون مناسبة لا يفوت رئيس وزراء الجمهورية اللبنانية الرئيس فؤاد السنيورة سانحة إلا ويعلن بالفم الملآن أنه قومي عربي هويةً، فكراً، قولاً، ونهجاً.

اللافت هنا عدم الرد عليه ولو من باب العتب، أو التصحيح، وحتى بالهمس الخجول من قِّبّل حلفائه الذين هم من غير الإثنيات العربية، ومنهم تحديداً غضنفرين خاضت أحزابهم حروباً شرسة ذوداًً عن الهوية اللبنانية دفع خلالها آلاف الشباب من مجتمعاتهم حياتهم على ساحاتها.

 

ومن الصامتين في المقلب الآخر كأبي الهول أيضاًً قادة أشاوس يفاخرون ليلاً نهاراً بتمثيلهم لشرائح مجتمعهم ويتشاوفون بالوكالة الشعبية التي منحتهم إياها، وهي بسوادها الأعظم لا تقبل  بغير الهوية اللبنانية هوية لها!!

 

إن الشخصين اللذين تناولا لازمة السنيورة العروبية وبشكل واضح ومباشر هما الكاتبين الصحافيين فريد سلمان وسجعان القزي، وذلك في أكثر من مقالة وتحليل ومقابلة تلفزيونية، فلهما ألف تحية على صدقهما والجرأة.

 

وفي هذا السياق العروبي ورداً على سؤال صحفي عقب انفضاض جلسة الحوار التاسعة الأخيرة، أدلى النائب سعد الحريري بدلوه قائلاً: "الرئيس السنيورة قومي، عربي ولا يستطيع أن يشك في هذا الموضوع".

 

نسأل أين هو موقع شعار الأكثرية النيابية الذي رفعته بعد انتصار ثورة الأرز لبنان أولاً، وكيف يكون لبنان أولاً، ورئيس وزرائه قومي عربي أولاً!!

لا مضرة في أن يفاخر السنيورة والحريري أو غيرهما باثنياتهم وأصولهم العربية، أو غير العربية، ولكن اللافت أن يفاخر رئيس وزراء لبنان بغير قومية وهوية البلد الذي يتبوأ في هرمية حكمه الموقع الثالث.

 

أليس المفترض من رئيس وزراء لبنان أن يكون ناطقاً باسم كل الشرائح اللبنانية التسعة عشرة وممثلاً لهم؟

فلا الأرمني ولا السرياني والكردي والقبطي والماروني عرباً وقوميين عرب.

 

صحيح أن الطائف قد فرًّضَ على الدولة اللبنانية الانتماء والهوية العربية، ولكن النصوص هي غير النفوس، ولبنان لا يؤسس مستقبله وعلاقة شرائحه مع بعضها البعض على خلفية نصوص فرضها الغرباء بواسطة المؤامرات والدسائس والحروب والقتل والاقتتال والقهر والاضطهاد.

 

المطلوب وعي واقع البلد الديموغرافي والإثني إذا حقيقةً أرادت شرائحه المتعددة الاثنيات والحضارات والمذاهب أن تحي التعايش قولاً ونصوصاً، ممارسة واحتراماً للغير، ومحافظةً على تميز وطنها، وطن الأرز عن باقي دول الجوار.

 

ليت أهلنا الذين يفاخرون بغير هويتهم اللبنانية، وخصوصاً من مواقع المسؤولية، يلتفتون إلى لبنانهم ولبنانيتهم وشلوح الأرز، فهي وحدها تحمي وجودهم، تحافظ على جذورهم، تصون حضاراتهم، تؤمِّن لهم ممارسة حرية شعائرهم المذهبية، وتضمن استمرارية تميزهم العرقي والكرامات.

 

يكفي الرعاة والقادة والسياسيين عندنا لحساً للمبارد وجلداً للذات، فلبنانهم هذا الذي عصى منذ سبعة آلاف سنة على قوى الشر والظلامية لا يمكن أن يتكنى إلا باسمه، وهو لا هوية له إلا هويته اللبنانية المميزة، وهو قائم بحد ذاته ومتكامل. كان منذ البدء وسيبقى حتى المنتهى.

 

جميلة هي الهوية العربية ولكن لأصحابها، ولا عقدة عندنا منها ولا مشكل لنا معها، تماماً كالفرنسية والإنكليزية واليابانية والكندية والأميركية وغيرها الكثير من الهويات التي هي أيضاً ممتازة وجميلة ولكن للشعوب التي تتكنى بها وتصونها عن قناعة وحب وإيمان. 

 

حان الوقت يا سادة يا محترمين أن ترسي سفنكم على بر ما، وأن ترحموا أناسكم وتكفوا عن التكاذب واللعب على التناقضات والقفز فوق التاريخ.

فخورون نحن بكل شرائح شعبنا الذين هم من أصول عربية وفينيقية ومردية وآرامية ويهودية وفارسية وأرمنية وسريانية وكردية وتركية وإفرنجية وشركسية، وغيرها الكثير، إلا أن فخرنا الأكبر هو أننا لبنانيون نعيش في كنف لبنان، نشرب من مائه، نتنفس من هوائه، ونحمل هويته اللبنانية التي هي أقدس ما نجل.

وطننا هو لبنان الإنسان والدولة والكيان والحقوق.

 

الوطن السيد المستقل بحدوده المعترف بها دولياً، وطن الـ10452 كلم مربع.

إننا قوم لبنانيون، أي أن قوميتنا لبنانية، ولكن نحن من أعراق واثنيات وحضارات وأصقاع متنوعة.

 

أما ولاؤنا فهو للبنان ولبنانيون نحن أولاً وكل شيء آخر يأتي في المراتب الثانوية. نحترم كل هويات الغير ونأمل من الغير احترام هويتنا.

لا نفرض هويتنا على غيرنا ولا نرضي أن يفرض غيرنا هويته علينا.

 

تاجر المغرضون عندنا وفي دول الجوار بما فيه الكفاية برايات العروبة.

لقد أعيوها وأنهكوا قواها وأفرغوها من محتواها الانساني والحضاري والحقوقي.

 

يحاولون دائما تبديل جلودهم على حساب مصلحة لبنان وشعبه والهوية.

فليرحموا الإنسان اللبناني الذي أدهش العالم بلبنانيته والعلم وبتوقه للحرية والديمقراطية.

 

كفى استهانة بالمواطن وبذكائه والتعامل معه بفوقية واستغباء.

أن الثقافة في عصرنا هي انفتاح كوني والعلم أيضاً كما التكنولوجيا.

 

أما الحضارة الحالية في وطننا الأم، وفي بلاد الجوار، وغيرها من البلدان، فهي مزيج وعصارة لما سبقها من حضارات من ضمنها الحضارة العربية.

 

إن العالم اليوم قرية صغير بعد أن سقطت كل الحدود والسدود ومعها سقطت العصبيات القومية والطروحات الإيديولوجية ومبدأ الفوقية ورفض الآخر.

 

لم يعد يحتمل شعب لبنان طروحات ديماغوجية، واديولوجيات وهمية، وقادة ورعاة تحركهم عقليات ومفاهيم تعيش خارج عصرها في أقبية حقبات الأزمنة الغابرة.

 

لبنان هو لبنان بهويته اللبنانية، بقومه اللبناني المتعدد الاثنيات، بتميزه، برسالته الحضارية وخصوصيته الرائعة، ونقطة على السطر.

 

4 حزيران 2006